الحياة القاسية

الحياة القاسية

الحياة القاسية

 لبنان اليوم -

الحياة القاسية

أسامة غريب
بقلم : أسامة غريب

إن ما يلتقطه النشء من قيم وأفكار من الشارع والتليفزيون والنادى كثيرًا ما يتناقض مع ما يتم تعليمه وتلقينه للأولاد بالمنزل. من المهم أنك إذا ربيت أولادك على الصدق والأمانة كما يفعل الأسوياء من الناس فى كل مكان وزمان أن يكون المجتمع داعمًا لهذه القيم والأفكار ومبرهنًا للأبناء على أن الأهل لا يحملون قيمًا بالية تودى بمَن يتمسك بها. أما إذا كان المجتمع يكافئ الفاسد ويمنحه الوجاهة الاجتماعية ويزدرى المجتهد الشريف فالنتيجة أن كل جهودك لتنشئة أولادك على الصدق والحرية سوف تصطدم بصخور تجعلها لا تقوى على الصمود.

ليس جديدًا القول إن المجتمعات السليمة تساعد على خلق الإنسان المحترم الذى لا يحتاج للكذب والغش والخداع من أجل أن يستمر على قيد الحياة.. طبعًا المنحرفون موجودون فى كل مكان ولكنى أتحدث عن المجتمعات السليمة التى يتواجد بها الكذابون والغشاشون والمتحرشون كأقلية جانحة وليس باعتبارهم يمثلون المكوّن الرئيسى لشعب بعينه!.

ويلاحظ فى هذا الشأن الأثر المحدود للخطب والمواعظ الدينية، بمعنى أن المجتمعات التى تزداد بها مظاهر التدين كالالتزام بلباس معين والإكثار من العبادات والتوجه للمزارات الدينية.. كل هذا أثره محدود فى سلوك الناس وأخلاقهم.. طبعًا لا أقصد أن مَن يصلون ويصومون ويلتزمون بشعائر الدين وطقوسه هم الأكثر فسادًا، وإنما أقصد أن عوامل أخرى أكثر أهمية هى التى تتحكم فى مستوى الأخلاق والسلوك مثل اليسار المادى والبيئة السمحة والعدل الاجتماعى وتداول السلطة السياسية وغياب الفجوة بين البيت والشارع.. فإذا توافر هذا لأناس تصلى وتحج وتعتمر كانت أخلاقهم جيدة وسلوكهم طيبًا، أما إذا غابت هذه الأشياء فإن العبادات والشعائر والطقوس لن يترتب عليها سوى تنامى ظاهرة الدرويش الفاسد، ولن تستطيع أن تغير كثيرًا من طبيعة هؤلاء الذين يشجعهم المجتمع على النفاق والذين لا يأمنون على غدهم ولا يضمنون لقمة عيشهم. وفى هذا الشأن لا أستطيع أن أخفى دهشتى من الذين مازالوا يتحدثون باستغراب عن فلان الذى يصلى وفى نفس الوقت يكذب، أو علان الذى يحج كل سنة لكنه لا يتورع عن أكل مال الناس. ومصدر الدهشة هو إدراكى أن الأخلاق الطيبة لا علاقة لها بإسلام المرء أو مسيحيته، بوذيته أو كونفوشيته، يهوديته أو إلحاده.. لكن أكثر الناس لا يعلمون!.

ويمكن القول- بالنسبة لموضوع تربية الأبناء وغرس الفضيلة فيهم منذ الصغر- إن هذه القضية لا تشغل فى العادة سوى الطبقة المتوسطة، التى تكتوى بالفساد الذى ينمو خارج البيت ولا تستطيع له دفعًا. تعانى هذه الطبقة إلى الدرجة التى تجعل البعض يتمنى لو استطاع أن يربى الأبناء على الغش والخداع حتى ينشأوا ومعهم أسلحة مناسبة للتعامل مع الحياة.. ولكن حتى لو طافت هذه الأفكار بخيالهم، فمَن ذا الذى يستطيع أن يُدخلها حيز التنفيذ؟. هل يمكن أن تكون شريفًا ثم تعلم ابنك الكذب والغش لكى ينجو؟.. هذا مستحيل، ولن يستطيع أن يفعل هذا إلا فاسد أصيل، أما الشريف فليس له غير التماس العون من الله على قسوة هذه الحياة.

 

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الحياة القاسية الحياة القاسية



GMT 22:09 2025 الأحد ,14 كانون الأول / ديسمبر

سنوات الهباء

GMT 21:09 2025 الأحد ,14 كانون الأول / ديسمبر

حضرموت ومنطق الدولة

GMT 20:52 2025 الأحد ,14 كانون الأول / ديسمبر

عن هجاء «النظام الطائفي» في لبنان

GMT 20:51 2025 الأحد ,14 كانون الأول / ديسمبر

الغرب يعالج مشاكله... على حساب الآخرين!

GMT 20:50 2025 الأحد ,14 كانون الأول / ديسمبر

المشهد البريطاني تحت قبضة «الإصلاح»

GMT 20:49 2025 الأحد ,14 كانون الأول / ديسمبر

أفكار حول التطوّر التقني وحيرة الإنسان

GMT 20:48 2025 الأحد ,14 كانون الأول / ديسمبر

بدور نسجت تاريخها

GMT 20:45 2025 الأحد ,14 كانون الأول / ديسمبر

على وزن المطار السري

الرقة والأناقة ترافق العروس آروى جودة في يومها الكبير

القاهرة ـ لبنان اليوم
 لبنان اليوم - الجزر وفيتامين A عنصران أساسيان لصحة العين وتحسين الرؤية

GMT 13:42 2020 الإثنين ,29 حزيران / يونيو

يحذرك هذا اليوم من المخاطرة والمجازفة

GMT 10:45 2020 السبت ,29 شباط / فبراير

التصرف بطريقة عشوائية لن يكون سهلاً

GMT 17:53 2020 الثلاثاء ,27 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج العذراء الإثنين 26 تشرين الثاني / أكتوبر 2020

GMT 16:53 2021 الثلاثاء ,05 كانون الثاني / يناير

فساتين زفاف من جيني بايكهام لخريف 2021

GMT 16:44 2018 الثلاثاء ,23 كانون الثاني / يناير

تسريب صور مخلة للآداب للممثلة السورية لونا الحسن

GMT 21:23 2019 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

جبران باسيل يلتقي وكيل وزارة الخارجية الأميركية

GMT 16:36 2019 الثلاثاء ,22 كانون الثاني / يناير

النجمة يستعير لاعب الترجي التونسي شاونا

GMT 12:17 2019 الثلاثاء ,28 أيار / مايو

بوتين والسيسي يترأسان أول قمة روسية إفريقية

GMT 11:37 2017 الخميس ,05 تشرين الأول / أكتوبر

إنفوغراف 21
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
Pearl Bldg.4th floor, 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh, Beirut- Lebanon.
lebanon, lebanon, lebanon