هل أنت ابن غلوب باشا

"هل أنت ابن غلوب باشا" ؟

"هل أنت ابن غلوب باشا" ؟

 لبنان اليوم -

هل أنت ابن غلوب باشا

حسن البطل

لا أطيقُ ما كان يطيقه فارس غلوب عندما يكتب بالعربية. أنا أشطب بالقلم الأزرق، لا الأحمر، فقرات مما كان يكتب المحررون. أما فارس فكان يستخدم في الشطب سائل التصحيح corrector الأبيض.. ثم يكتب فوق ما شطب؟
هذا، في فترة قبرصية من حياة "فلسطين الثورة" كان ابن غلوب باشا (الجنرال جون باغوت غلوب) يسلمني مقالاته، متينة البناء باللغة العربية، فأشطب نادراً بالقلم الأزرق على ما يشطب هو بالسائل الأبيض من "شطط" في شعارات الموقف السياسي الثوري من "الكفاح المسلح" الفلسطيني.
ابن قائد ومؤسس الجيش الأردني، كان جندياً "نفراً" وكادراً في الثورة الفلسطينية. عندما مات "غلوب باشا" 1986 قارنت صحيفة إنكليزية بين دوره العربي ودور "لورنس الجزيرة العربية". العرب لا يحبون "أبو حنيك" ولقّبُوه هكذا لأن إصابة حربية في فكه جعلت نطقه غريباً.
قبل موته بسنوات قليلة، سئل الجنرال: أين ولدك فارس؟ قال: في علمي الأخير أنه خرج مع الفدائيين الفلسطينيين من بيروت. بعدها لا أعرف!
بالتناقل، عرفت في بيروت أنه حارب مع فصيل فلسطيني (القيادة العامة) ثم (جبهة التحرير الفلسطينية) في الحرب الأهلية: "كنا نرسله لأخطر المحاور.. وكان يعود سالماً. كنّا نحتاج لشهيد إنكليزي".. هكذا قال قائد فلسطيني بين الجدّ والهزل!
الذي آزر ثورة الجزائر، ولم يُكمل شاباً دراسته في جامعة "أكسفورد" بسبب تعاطفه مع القضايا العربية، استقر مع زوجته الفلسطينية التي اقترن بها في قبرص وابنتيه سارة ودارين، محرّراً في وكالة "كونا" الكويتية.
من كادر في الصليب الأحمر لدعم المخيمات، إلى كاتب مقالات، بالعربية والإنكليزية، إلى مقاتل بالسلاح. من فتوّته إلى شبابه وكهولته، بقي على هوايته: ركوب درّاجة هوائية (بسكليت) سافر بها في حداثته من سويسرا إلى لندن، وكان يتنقل بها رجلاً في شوارع قبرص.. وحتى في شوارع الكويت، حيث لاقى مصرعه بصدمة من سيارة عابرة.
عرفتُ فارس محرراً في الصحيفة المركزية للمنظمة، وقليلاً بعد زواجه من فلسطينية صديقة لزوجتي. حضرتُ حفلة زواجه في مسبح قبرصي في نيقوسيا، واستضافني بعد زواجي لثلاثة أيام في استراحته الصيفية في ليماسول.. وباعني بعض ستائر بيته.. وماذا أيضاً؟
يقول حسني رضوان إنه في بيروت طرح على فارس سؤالاً في مطعم "توليدو": "هل أنت ابن غلوب باشا" وأن فارس استفز أو استوفز من السؤال، وهو الذي كان بارد المزاج.
اسمه الإنكليزي في شهادة ولادته "غولد في" واسمه في جواز سفره الإيرلندي (كما جواز والده) هو "فارس" الذي أسبغه عليه الملك عبد الله الأول.
لم أقرأ كتاب والده "حرب الصحراء" المترجم للعربية، ولا أعرف إن كان فارس وضع كتاباً عن حياته وتجربته، لكن علمتُ شيئاً طريفاً: كان الجنرال غلوب باشا يجد وقتاً ليعلّم جنوده من البدو الأردنيين قواعد اللغة العربية الفصحى، التي يجيدها ابنه أيضاً، وإن كان يدقق ويصوّب ما يكتب مستخدماً طلاء "التصحيح" الأبيض.
بعد زواجه من فلسطينية اضطر لشراء سيارة لزوجته ومن ثم لتنقل ابنتيه، وكان يقودها نادراً ومضطراً، وتقودها زوجته عادة.. أما هو فلم يترك التنقل بدراجته الهوائية المتواضعة.
لا أعرف لماذا لم يعد معنا إلى الأراضي الفلسطينية بعد اتفاقية أوسلو، وأظن أنه كان معارضاً لها، وفضّل الذهاب إلى الكويت كادراً في وكالة الأنباء الكويتية "كونا".
يبدو أن حادث السير في الكويت لم يقتله فوراً، لأنه أوصى أن يدفن في القدس، وهذا ما رفضته إسرائيل، فدفن في عمّان في العام 2004، بعد ثماني عشرة سنة من موت والده غلوب عام 1986 شامخاً عن عمر 90 عاماً.
صحيح، أنه كان ابن أبيه، وكان إيرلندياً (لا أعرف إن كان من إيرلندا الشمالية البريطانية أم جمهورية إيرلندا الجنوبية) لكن كان يعرّف نفسه عربياً فلسطينياً، ربما لأنه ولد في القدس، أو لأنه انخرط في صفوف نضال الفلسطينيين، أو لأنه تزوج امرأة فلسطينية.
روى لي أخي الكبير، رحمه الله، الذي قاتل في طيرة ـ حيفا ضد إقامة إسرائيل، أن جندياً إنكليزياً اسمه جورج، انشق عن الجيش الانتدابي البريطاني المغادر، والتحق بالمقاتلين الفلسطينيين، ولاقى مصرعه في حرب حصار طيرة ـ حيفا، آخر موقع فلسطيني سقط، حرباً، على الساحل بعد شهرين ونصف من إعلان إقامة إسرائيل.
كان فارس فلسطينياً حقاً، بالولادة وبالانتماء، لكنه كان إنكليزياً في شيء واحد: قلّة الكلام، وقلّة الأصدقاء، وقلّة الاحتفاء بأنه نجل أشهر جنرال إنكليزي مستعرب.
لعلّني أشترك معه في خلّتين: الدأب في العمل وعليه، وأيضاً لحيته الدائمة وسكسوكتي الدائمة.. وربما خلّة ثالثة هي ملابسنا "المهركلة" على ما يقول اللبنانيون عن ارتداء ملابس متواضعة كيفما اتفق.
لماذا استفز من السؤال عن والده؟ ربما لأن للابن، خلاف الأب، موقفاً من القضايا العربية وفلسطين يختلف، وكان يعد نفسه فلسطينياً قبل أن يكون "ابن أبيه".

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

هل أنت ابن غلوب باشا هل أنت ابن غلوب باشا



GMT 21:26 2025 الأربعاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

شفافية في المعلومات والأرقام يا حكومة

GMT 21:25 2025 الأربعاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

معلقات اليمن

GMT 21:24 2025 الأربعاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

العصا الرقمية... والهشّ على الغنم

GMT 21:23 2025 الأربعاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

في عشق السلاح...

GMT 21:22 2025 الأربعاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

ليبيا المتحدة... وليبيا المُنقسِمة

GMT 21:21 2025 الأربعاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

في ذكرى استقلال ليبيا... ماذا أبقيتم للأجيال المقبلة؟

GMT 21:20 2025 الأربعاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

قوات الاستقرار في غزة

GMT 21:19 2025 الأربعاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

بيت لحم... أفراح القلوب المكسورة

الرقة والأناقة ترافق العروس آروى جودة في يومها الكبير

القاهرة ـ لبنان اليوم

GMT 18:23 2025 الخميس ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

كيا سبورتاج 2026 تحصد لقب "أفضل اختيار للسلامة بلاس" لعام 2025

GMT 00:03 2021 الأربعاء ,17 شباط / فبراير

أجواء إيجابية لطرح مشاريع تطوير قدراتك العملية

GMT 18:04 2023 الأربعاء ,13 كانون الأول / ديسمبر

اتيكيت مقابلة أهل العريس

GMT 19:07 2016 الثلاثاء ,26 كانون الثاني / يناير

عبير صبري تؤكد إلى أحمد مالك الأخلاق مش بتنفصل عن الفن

GMT 05:24 2013 الإثنين ,20 أيار / مايو

الجماعات الإسلامية" تشن حملة لتشوية الإعلام"

GMT 12:06 2023 الأربعاء ,20 كانون الأول / ديسمبر

فيلم «شماريخ» يتصدر شباك التذاكر بـ14 مليوناً و521 ألف جنيه
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
Pearl Bldg.4th floor, 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh, Beirut- Lebanon.
lebanon, lebanon, lebanon