ما قالته أمي عن «السيّد فلسطين»

ما قالته أمي عن «السيّد فلسطين»!

ما قالته أمي عن «السيّد فلسطين»!

 لبنان اليوم -

ما قالته أمي عن «السيّد فلسطين»

حسن البطل

«مش كل زلمة بيصير زعيم، ومش كل زعيم بيصير زعيم علينا.. وأبو عمار زعيمنا». هكذا نهرت أمي لفيفاً من مقاتلي الجبهة الديمقراطية في بيتنا، سمعتهم يذمُّون ياسر عرفات، بعد أيلول عمّان 1970.
بعد شهرين من حرب تشرين، وفي مقرّ (م.ت.ف) أوّل شارع السعدون البغدادي كان لي أول لقاء وجاهي مع عرفات، ضمن لفيف من كادر إذاعة فلسطين، وقادة الفصائل الفلسطينية في العراق.
فوجئت، فقد تحدث عرفات بلهجة منذرة عن آثار قصور تلك الحرب عن تحرير أراض عربية وفلسطينية.
وحذّر من «حقبة سعودية» بعدها. لماذا فوجئت؟ من يومها تعلّمت أن لعرفات خطابين: الأوّل تعبوي ـ جماهيري؛ والثاني سياسي محكم في حلقات نقاش ضيقة.
بعد أيام من ذلك، التقينا في مقر بالشارع ذاته، أمين عام الجبهة الديمقراطية، نايف حواتمة، متحدثاً عن ما بعد حرب تشرين. رحت أقارن.. ثم قررت أن أمّي على حق. لماذا؟
في اللقاء مع عرفات، راح الزميل سامي سرحان، يسجل كتابياً على الورق، فنهاه القائد، وعندما واصل التدوين، قال أبو عمار: إن لم تتوقف، فأنا لن أتكلّم!
لكن، في اللقاء مع حواتمة امتدح بإفراط نتائج تلك الحرب، وقال: أقلّ ما يمكن الحصول عليه منها فلسطينياً، هو سلطة وطنية على كل الأراضي الفلسطينية المحتلة!
اعترضتُ فسكت، فهو يعرفني شقيق أبو مشهور، رحمه الله، الذي قاد الانشقاق العسكري عن الجبهة الشعبية.. لكن، عندما اعترض آخرون متشجعين، صرخ بنا: أنتم أغبياء ولا تفهمون في السياسة.
لهذا، أمضيت سنة عضواً في الديمقراطية، وأربع سنوات في الانسحاب التدريجي منها، حتى العام 1977 عندما «أمر» كتابياً بتفريغي عضواً في «فتح». بعدما عرضت عليه خبرين عن السياسة السعودية، فقال: حرّرها سؤالاً من الدائرة السياسية للرياض، وآخر للنشر في جريدة «فلسطين الثورة».
محرّراً في المجلة والجريدة، أيضاً، لم تعجبني طريقة نشر أخبار القائد العام: استقبل. اجتمع. صرح.. إلخ، ولا صورته البورتريه الثابتة مع الخبر: مبتسماً أو عابساً.
هكذا، حرّرت استقبالاته واجتماعاته وتصريحاته في تقرير إخباري، أو تقرير سياسي. هذا راقَ للقائد، فطلب من وكالة «وفا» أن تعيد نشر ما تنشره جريدة «فلسطين الثورة» ومن ثمّ، صار لدينا مراسلان في مقر الـ 17 يداومان هناك حتى الرابعة صباحاً.
الخطوة التالية كانت أن قلت لرئيس التحرير: إمّا صورة حيّة عن استقبالات واجتماعات عرفات، أو لن ننشر صورته الشخصية مبتسماً أو عابساً. ظنني أحمد عبد الرحمن أمزح، لكن بعد أيام، صار للرئيس مصور خاص، هو المصري مراد عبد الرؤوف، رحمه الله.
كانت بعض المقابلات للوكالات الأجنبية في شكل أسئلة وأجوبة، وكان يتولى الأجوبة رئيس مركز التخطيط محجوب عمر، ثم رئيس تحرير «فلسطين الثورة» الذي كلّفني كتابة أجوبة لأسئلة وكالة «تانيوغ» اليوغسلافية، و «برنسيا لاتينا» الكوبية، فاشترطت أن يعرف القائد أنني من صاغها.. وهكذا كان.
.. إلى أن أحتج بعض مسؤولي الإعلام: من هو حسن البطل؟ إنه ليس من «فتح»، فأعفيت نفسي من المهمة.
حصل خلاف بين سياسة مركز الأبحاث ـ م.ت.ف والشاعر معين بسيسو الذي كتب عن «مراكز الأبحاث المشبوهة» ونشر رئيس تحرير «فلسطين الثورة» رأي معين، فسجنه القائد العام، وتضامن ماجد أبو شرار وحبس نفسه مع أحمد عبد الرحمن.
خرج المعتصمون من «الحبس الثوري» بعد أن أمر عرفات بتجاهلهم، ولمّا عاد أحمد إلى مقر المجلة، داهمنا عرفات بعد ساعة، وجلس على طاولة أحمد، وصار يصحّح مكان زر في سترته. كنتُ وحدي مع أحمد، وهممت بالهروب من «عاصفة» توقعتها، وما أن تنحنح أحمد وقال: بالنسبة لمراكز الأبحاث، حتى هبّ عرفات واقفاً وصارخاً في وجهه: ما دمت قائداً للمنظمة، لن أسمح بمهاترات بين مؤسساتها.. هل تفهم؟ اسكت!
في أوّل أعداد صدورها من قبرص، بدت المجلة ركيكة حتى عن مرحلة صدورها في بيروت، فأمر القائد بإرسالي إلى قبرص مديراً مفوضاً للتحرير، وأظنّ أن قراء المجلة في إصداراتها القبرصية لاحظوا القفزة التحريرية والإخراجية للمجلة.
بعد اندلاع الانتفاضة، دأب القائد على توجيه رسالة أسبوعية ثم شهرية، كان يكتبها محررو «وفا» وكان القائد يضيف بقلمه استشهاداً قرآنياً بين كل فقرة وأختها، وبعضها غير دقيق، فأرسلت فاكساً إليه بضرورة ضبطها (رقم الآية والسورة).. ومن ثمّ كنت أختار ما هو أنسب في مطلع الرسالة، وما هو أنسب في خاتمتها.. وأتجاهل البقية!
ذات شهر، كانت الرسالة مفكفكة، فوق طاقتي على تحريرها، وهكذا قمتُ بكتابة رسالة بديلة.. ولكن القائد لم «يزعل» أبداً، سوى مداعبته لي في هراري: هوامشك واسعة جداً شرقاً وغرباً».
على هامش قمة هراري لعدم الانحياز، استدعاني الرئيس إلى سفارة فلسطين آخر الليل، وراح يضع خطاً أو خطين على بريده بعد أن أجلسني قربه، فقلت له: ضع هنا خطين، فرمقني بنظرة ثاقبة ثم وضع بقلمه خطين، وكانت دردشة شخصية ـ سياسية على الورق الرسمي، فقلت له: وقعها للذكرى.. ففعل، وبعدها قلت للناس: عرفات سوف يتزوج، فقيل لي إنه «تزوّجنا.. وتزوّج فلسطين كمان».
امّي قالت للمقاتلين: «مش كل زعيم يصير زعيم على الفلسطينيين.. وهذا قبل أن يصير «السيد فلسطين».

 

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ما قالته أمي عن «السيّد فلسطين» ما قالته أمي عن «السيّد فلسطين»



GMT 21:13 2025 السبت ,27 كانون الأول / ديسمبر

درب السلام

GMT 21:12 2025 السبت ,27 كانون الأول / ديسمبر

لَا أَحسَبُ الشَّرَّ جَاراً!

GMT 21:10 2025 السبت ,27 كانون الأول / ديسمبر

من الوحدة الشاملة إلى براكين الدَّم والتَّشظّي

GMT 21:10 2025 السبت ,27 كانون الأول / ديسمبر

«داعش» وأعياد نهاية العام

GMT 21:07 2025 السبت ,27 كانون الأول / ديسمبر

المسيحية الصهيونية... من الهرطقة إلى تبرير الإبادة

GMT 21:06 2025 السبت ,27 كانون الأول / ديسمبر

المعنى الغائب في أكثر صراعات العالم حضوراً

GMT 21:05 2025 السبت ,27 كانون الأول / ديسمبر

حين قرأ كسينجر لحسن البنا

GMT 21:04 2025 السبت ,27 كانون الأول / ديسمبر

«ماغا»... رأب الصدع أم نهاية الائتلاف؟

الرقة والأناقة ترافق العروس آروى جودة في يومها الكبير

القاهرة ـ لبنان اليوم

GMT 11:59 2020 السبت ,29 شباط / فبراير

يتحدث هذا اليوم عن مغازلة في محيط عملك

GMT 20:21 2021 الإثنين ,08 شباط / فبراير

أخطاؤك واضحة جدًا وقد تلفت أنظار المسؤولين

GMT 14:39 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

ينعشك هذا اليوم ويجعلك مقبلاً على الحياة

GMT 09:04 2023 الإثنين ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

خبير طبي يؤكد أن التدفئة مهمة جدًا للأطفال الخدج

GMT 11:33 2020 السبت ,29 شباط / فبراير

تنعم بحس الإدراك وسرعة البديهة

GMT 04:58 2025 السبت ,13 كانون الأول / ديسمبر

أفكار متنوعة لترتيب وسائد السرير

GMT 22:04 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

أمامك فرص مهنية جديدة غير معلنة

GMT 19:17 2022 الإثنين ,18 إبريل / نيسان

التيشيرت الأبيض يساعدك على تجديد إطلالاتك
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
Pearl Bldg.4th floor, 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh, Beirut- Lebanon.
lebanon, lebanon, lebanon