بيت الشيخين

بيت الشيخين

بيت الشيخين

 لبنان اليوم -

بيت الشيخين

حسن البطل
بقلم : حسن البطل

البيت مسكون بالإنسان عادة. هناك بيوت «مسكونة» بالجان وحده.. وبيوت سواها مسكونة بالإنسان وأطياف الجان.. وهذا البيت الفريد من بيوت قرية دوما كان، وحده، مسكوناً بأخوين شيخين، بشري وجني، وبعائلتين من اللاجئين، عائلتي إحداهما. إنه بيت فريد حقاً، لأن سورية كانت فريدة بلاد اللجوء الفلسطيني؛ وهذا اللجوء كان فريداً بدوره. خذ مقداراً من العدس (السوري) واخلطه بمعشاره من الأرز (الفلسطيني).. ثم انعف المزيج في حواري قرية دوما. هكذا، توزع اللاجئون، فلاّحون من السهل الساحلي الفلسطيني، بين ظهراني مجتمع فلاّحي سوري نموذجي، في قرية من قرى غوطة دمشق، التي كانت، بدورها، نموذجاً عن مجتمع فلاّحي في هذا الحقل الداخلي الفسيح.

إنه بيت فريد حقاً. لم يتجمّع فلسطينيو دوما في حارة من حواريها (أذكر منها: حارة الشمس، وحارة الجورة) لكنهم لم يساكنوا مضيفيهم.. إلا في «بيت الشيخين» هذا. سأكتشف، لاحقاً جداً، أي وقت كتابتي هذه السطور بعد ستين سنة، الفارق الطفيف في وحدة اللغة ووحدة الدين (سابقاً جداً، علمت من والدي، وقت أداء فريضة الجمعة في «الجامع الكبير»، أننا مسلمون شوافعة، وأهل البلد مسلمون حنابلة). حركة اصبع سبابة يد أبي اليمنى أثناء الصلاة دفعتني للسؤال.. فحظيت بجواب أعبأ به، ووالدي لم يعبأ.لا عتب على اختلاف اللهجة في وحدة اللغة، لأن لهجة «الدوامنة» تختلف عن لهجة «الشوام» الأصليين.. فكيف بلهجة لاجئي قرى الساحل مع لهجة أهل قرى الغوطة.
العتب على عادات تختلف في الزي (النسوي، الرجالي.. والولاّدي معاً). عادات المأكل تختلف.. وأشد الاختلاف كان في مكانة المرأة قبالة الرجل وفي قيادة العائلة. نساؤنا سافرات الوجوه (مع تلك الحطة البيضاء، منذ زمن «ستنا مريم» التي تترك ذؤابة الشعر وجدائله للضوء والريح).. وأيضاً سروال الرجال (البنطال) مقابل «شروال» أسود فضفاض لرجال البلد، كباراً وصغاراً..

.. ونحن الأولاد كنا نختلف، منتعلين هذه «الصناديل»، والشورتات القصيرة صيفاً.. وبالذات، هذه «الشيطنة» التي كثيراً ما «طلّعت دين» أحد الشيخين؛ الشيخ - الشيطان، وأخرجته من غرفته - صومعته صارخاً، مرغياً مزبداً مستمطراً أشد اللعنات على «الفلسطينية».. حتى يأتي درك القرية مستبيناً وقوع عراك و»طوشة».. أو، غالباً، يخرج الشيخ الكبير الطيب، زاجراً شقيقه: «استحي.. وفُوتْ لَجُوَّه».سأقول، الآن، إنه شيخ جبان.. وإلاّ، هل جرؤ مرّة على رفع عقيرته بوجود أبي.. الأبيّ المعضّل الذراعين.. كما تتصورون فلاّحاً وبناءً، وعامل مقلع حجارة.. ومحارباً أيضاً.

حقاً، كنا حفنة قليلة «الرز» وسط حفنات كثيرة من «العدس» في هذه القرية، التي ما دخلها غريب أو طائفة غريبة.. إلا نحن اللاجئين من الساحل الفلسطيني. لكن، ماذا يفعل أولاد اللاجئين - الشياطين، غير الذهاب قاطبة إلى المدارس (مدرسة الوكالة.. ومدارس الدولة معاً).. وغير تكسير «فناجين» أعمدة الكهرباء (القونزيلا) بنقفات الحجارة، والسطو على المحاصيل في الحقول، والثمار على الأشجار، ولعب الطابة؟.. والكثير من الصياح في حواري القرية، وعرَصات البيوت.

كانت لأولاد اللاجئين طريقة صحيحة في المخاشنة (المباطحة) وطريقة صحيحة في اللكم بالقبضات (البوكس) وطريقة صحيحة في رمي الحجارة.. وهكذا، دائماً ننتصر على العصابات المناوئة من صبيان البلد.. وكذا، براعة أسطورية في صيد العصافير (بالنقّيفة) المسمّاة (شعب) هنا.. ولا نتورّع عن انتهاك حرمة الجوامع، حيث تكثر صغار أسراب (اليمام) الآمنة.شاع في القرية (وحيثما حلّ اللاجئون) أن أولاد اللاجئين شياطين و»ما لهم دين».. وخصوصاً في فصل الصيف، حيث تخلو حارات القرية من صبيان البلد، الذين يذهبون لـ (الصيفي) أي رعاية وقطاف المزروعات الصيفية.

الشيخان كانا أعزبين.. بلا حريم ولا أولاد، وهذا يفسر كيف قبلا بمساكنة لاجئين في بيت واحد، متعدد الغرف. فجاءة، يخرج الشيخ الشرّير من صومعته صارخاً: «يا فلسطينية اللّه يلعنكم.. يقطع نسلكم. اللّه لا يردكم لدياركم».. كان يجعل أحلامي كوابيس.. ولياليّ بيضاء، فلا أغفو، أحياناً إلاّ أول الفجر، ومع «قرقعة» إبريق ماء الصلاة للشيخ الطيب، وكان اسمه أحمد.مات أحمد، فأخذنا غرفته الفسيحة ذات الشبابيك الملوّنة. مات الشيخ الشرّير، فأخذ عمي وأولاده غرفته.. وعاد أخي من شغله مع «أرامكو» في السعودية.. فانتقلنا إلى بيت آخر.. فآخر، بلد آخر، قارة أخرى. وبيت الشيخين بقي خارج القول: لك يا منازل في القلوب منازل.

قـــد يهمــــــــك أيضــــــاُ : 

«حتى أنتَ..» يا بوتين ؟

الدفرسوار الغزي

 

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

بيت الشيخين بيت الشيخين



GMT 00:53 2021 الأربعاء ,13 كانون الثاني / يناير

فخامة الرئيس يكذّب فخامة الرئيس

GMT 21:01 2020 الأربعاء ,23 كانون الأول / ديسمبر

بايدن والسياسة الخارجية

GMT 17:00 2020 الخميس ,17 كانون الأول / ديسمبر

أخبار عن الكويت ولبنان وسورية وفلسطين

GMT 22:48 2020 الثلاثاء ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

عن أي استقلال وجّه رئيس الجمهورية رسالته؟!!

GMT 18:47 2020 الأربعاء ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب عدو نفسه

الرقة والأناقة ترافق العروس آروى جودة في يومها الكبير

القاهرة ـ لبنان اليوم

GMT 12:25 2020 الثلاثاء ,04 شباط / فبراير

أخطاؤك واضحة جدّاً وقد تلفت أنظار المسؤولين

GMT 13:01 2020 الإثنين ,29 حزيران / يونيو

يبدأ الشهر مع تلقيك خبراً جيداً يفرحك كثيراً

GMT 06:15 2023 الثلاثاء ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

توقعات الأبراج اليوم الثلاثاء 21 نوفمبر/تشرين الثاني 2023

GMT 22:22 2016 الأربعاء ,10 شباط / فبراير

عطر Bamboo من Gucci الرقّة والقوّة في مزيج واحد

GMT 13:00 2021 الإثنين ,18 كانون الثاني / يناير

رحلة الى عالم أوميجا رؤية استباقيّة لمستقبل صناعة الساعات

GMT 05:00 2020 الإثنين ,05 تشرين الأول / أكتوبر

أصوات 20 ألف جزائري تحدد مصير جزيرة قرب أستراليا

GMT 21:50 2014 الإثنين ,02 حزيران / يونيو

"إل جي" تكشف رسميًا عن هاتفها "G3"
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
Pearl Bldg.4th floor, 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh, Beirut- Lebanon.
lebanon, lebanon, lebanon