لمن يمد جبل الكرمل لسانه البحري

لمن يمد جبل الكرمل لسانه البحري؟

لمن يمد جبل الكرمل لسانه البحري؟

 لبنان اليوم -

لمن يمد جبل الكرمل لسانه البحري

حسن البطل
بقلم: حسن البطل


لعلّني طوطمي نوعاً ما، أو أن هاتين الزيتونتين في شارع بن-غوريون ستشهدان عليّ/لي. بين مطعم فتوش وذلك النُّزل الصغير زهاء سبعين متراً، أي مائة خطوة من خطوات رجل ستّيني مثلي، وئيد الخطو عادة. بين النُّزل والمطعم أتحسّس جذعَي زيتونتين مخضرمتين، بكف يمناي إن كنت رائحاً، أو بكف يسراي إن كنت غادياً.
لعلّني طوطمي؟ إن شهدت الزيتونتان عليّ من تحرشاتي بساقيهما، أو لعلهما تشهدان لي: كنت هنا وكانتا ههنا، من قبل أن تنتحل إسرائيل مكان فلسطين، وينتحل اسم بن-غوريون هذا الشارع، كأنه أول السُّلم إلى جبل الكرمل.
قال هو: «سيل من الأشجار في دمي أتيتُ.. أتيتُ». ها أنا آت، لمرّة رابعة، لتعبّ رئتاي، أي دمي، شيئاً من الندى البحري، ينعش ذاكرة معدن الملح في دمي.
هاتان زيتونتان وحيدتان ومعمّرتان في شارع بن-غوروين، وليستا شجرتي صنوبر أو كينيا (أوكاليبتوس).. وأنا لست هندياً أحمر، ولا أشعر في حيفاي بأني ذلك الفتى العربي غريب اليد والوجه واللسان.
* * *
الشجرتان لا تقولان. أنا لسان شجرتَي الزيتون، ولصاحب النزل لسان يقول. ماذا قال: وصلتُ، مع أبي وأمي وإخوتي. حتى حلب الشهباء في عام النكبة. لن أسأله لماذا عاد، لأن جوابه الأبلغ كيف عاد. لم نسأله ما كان اسم الشارع قبل بن-غوريون. في هَوْل عام النكبة بعض الطرافات والمفارقات. صديقنا خالد وصل حلب من ترشيحا، وها هو رفيقنا، لمرّة ثالثة، في مدينة الكرمل.. علوّاه لو كان خامسنا أحمد دحبور، ابن صاحب الفرن القديم في حيفا القديمة. نكسة حزيران غزة، جعلته يعود خائباً إلى مخيم اللاجئين في حمص.
* * *
الجبل هو الجبل. الكرمل هو الكرمل. حيفا هي حيفا. هذه المرّة رأيت الجبل في حالات النهار والليل، من السفح الجنوبي ومن السفح الشمالي.. وبالذات هذه المرّة تيمّمت بماء البحر المالح.. على حافة التقاء لسان الجبل بماء البحر. للذكرى، التقطت حطام خشبة لعلّها لسفينة قديمة. قلت لكم إنني طوطمي نوعاً ما!.
* * *
نائلة عطية الحيفاوية المحامية محظوظة كثيراً. هنا، في رام الله، تحامي عن الأرض أمام محاكم إسرائيل. هناك حيث مدينتها وبيتها. محظوظة جداً جداً بموقع بيتها على رمية حجر من طرف لسان الكرمل في ماء البحر.
لها شقّة في عمارة، والعمارة جزء من قطعة أرض مساحتها أربعة دونمات. إنها «مستوطنة» فلسطينية يحيق بها جوار يهودي. جارها عاصم اسكندر روى قصة: في فوضى السنوات قبل النكبة بقليل وبعدها بقليل، اشترى والده الأرض من يهود تملّكوها بسبيل أو بآخر، احتج «الرواد الصهاينة»، فدفع مالاً أكثر مما دفعوا.
على تلك الشرفة، ومع ترويقة من زيت وزعتر، حمص وفول، يعصف النسيم البحري ريحاً قوية. شراع الأوهام السابقة ممزق، وعليك أن تجدف بزورقك الصغير في لجّة الحلم الواقعي، حلم مستعاد!
* * *
مستشفى رامبام ليس مَعْلَماً معمارياً، لكنه اسم يتردد في الأخبار (وقت معارك الحدود وصولات الحروب). دار الأوبرا مَعْلَم مهجور. هيكل من الخرسانة. الريح فقط تعزف فيه. لسبب ما لم يكملوا بناءه.
الطبيب والفيلسوف والحاخام اليهودي العربي موسى بن ميمون كتب بالعربية الطّلِقَة، أو بالعبرية بحروف عربية. جمعوا الحروف الأولى من اسمه العربي ودمجوها فى «رامبام»، أي اختصار «رابي موسى بن ميمون»، بل واختصروا موضوعاته إلى «ميمونيد».. لكن، لسبب ما، صمدت هاتان الزيتونتان في شارع بن غوريون أمام موجة استبدال شعار البلد من شجرة الزيتون إلى شجرة الأوكاليبتوس، سريعة النمو.. هشّة الخشب، عجفاء العطاء.. والآن، عادوا إلى القول: الزيتونة هي الشعار الأبرز لأشجار إسرائيل.
* * *
ها نحن نحن. أفق صهوة الكرمل لم يتغير، وخط الساحل لم يتغير. الندى البحري كما هو.. والنسغ في شجرتَي الزيتون المعمرتين هو ذات النسغ.
قالها ومات: دمي بريد الأنبياء!!

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

لمن يمد جبل الكرمل لسانه البحري لمن يمد جبل الكرمل لسانه البحري



GMT 19:34 2025 الأربعاء ,12 آذار/ مارس

مسلسلات رمضان!

GMT 11:05 2025 الإثنين ,10 آذار/ مارس

ريفييرا غزة!

GMT 19:57 2025 الخميس ,20 شباط / فبراير

من «الست» إلى «بوب ديلان» كيف نروى الحكاية؟

GMT 08:38 2025 الأحد ,09 شباط / فبراير

اختلاف الدرجة لا النوع

GMT 19:29 2025 الأربعاء ,05 شباط / فبراير

الكتب الأكثر مبيعًا

الرقة والأناقة ترافق العروس آروى جودة في يومها الكبير

القاهرة ـ لبنان اليوم

GMT 12:25 2020 الثلاثاء ,04 شباط / فبراير

أخطاؤك واضحة جدّاً وقد تلفت أنظار المسؤولين

GMT 13:01 2020 الإثنين ,29 حزيران / يونيو

يبدأ الشهر مع تلقيك خبراً جيداً يفرحك كثيراً

GMT 06:15 2023 الثلاثاء ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

توقعات الأبراج اليوم الثلاثاء 21 نوفمبر/تشرين الثاني 2023

GMT 22:22 2016 الأربعاء ,10 شباط / فبراير

عطر Bamboo من Gucci الرقّة والقوّة في مزيج واحد
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
Pearl Bldg.4th floor, 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh, Beirut- Lebanon.
lebanon, lebanon, lebanon