يا دار

.. يا دار!

.. يا دار!

 لبنان اليوم -

 يا دار

بقلم - حسن البطل

أهِيَ صورةٌ فوتوغرافيّة، أَم لوحةٌ زيتيّة بريشةِ واحدٍ من أئمَّة فنّاني عصر النهضة وعُشّاقِ الطبيعة البكر.. أم هِيَ بريشةٍ لفنّانِ ـ الدَّهْر!

خيلَ إليَّ، من صورة قرية لفتا أن هذه القرية المُهجَّرة ـ المهجُورَة لا تقع غربيّ القدس بقليل.. ولكنها قرية ما دارِسَة أو معبد ما مهجور من حضارات «المايا» و»الأزتيك» في أميركا الوسطى واللاتينيّة.

لونُ الشيبِ (والزّمَان) أبيض في رأس الإنسان؛ ولونُ شيبِ بيوت قرية لفتا أخضر طبيعيّ جدّاً، ويصعد الأخضر الطبيعيّ، القويّ والهشّ من الأرض الطيّبة إلى سُطوحِ البيوتِ الخضراء، أيضاً. لون حجر البيوت أبيض؛ ولون الشجر والعشب أخضر. ولون الربيع الفلسطيني أخضر.. وقام الدَّهر بريشة الزّمَان، وألوان الربيع الوشيك، بخلط الأبيض بالأخضر، وخلط أديم الأرض بسقوف البيوت في القرية.

يد النكبة بعثرت اللفتاويّة أيدي سبأ: إلى القدس ـ المدينة والضفّة الغربيّة، وإلى أقربِ المنافي وأقصاها.. وبقيت البيوت تحتَ رحمةِ فنّان الدّهر الذي يُبدِع في الربيع الأخضر، ويخلط سطح الأرض بسطح السقوف. لا أعرف لفتا وأعرف لفتاويّين كُثراً، مثلاً مُحافظ رام الله والبيرة، المرحوم مصطفى عيسى «أبو فراس» اللفتاويّ الذي عادَ من «معركة بيروت» إلى «معركة العودة الصغرى»، وأعرف محمد عدوي اللفتاويّ، وزُرت وإيّاه جمعية لفتا في رام الله.

ستعرفون عن لفتا و(450 قرية مُهجّرة) من كتاب مصوّر تُعده سهر روحانا، وتعرفون كيف صارت عين حوض، قرب حيفا، هي «عين هود»، وكيف صارت بيوتها متحفاً طبيعيّاً حيّاً للفنّانين الإسرائيليّين. لماذا لا تكون لفتا قرية للفنّانين الفلسطينيّين؟

ماذا، أيضاً، تعرفون هذا النشيد ـ الرجيع الذي كان يُردِّدُهُ أبي، المقاتل ـ اللاجئ من طيرة حيفا: «يا دار.. يا دار. إن عُدْنا كما كُنّا.. لأطليك يا دار بعد الشيد بالحنّا».

في حكم قضائي إسرائيلي نادر، نجح المحامي سامي ارشيد، وحماة الطبيعة الفلسطينيُّون والإسرائيليُّون، في إلغاء مشاريع استيطان يهودي في هذه القرية، وهي واحدة من القرى النادرة التي حافظت على بيوتها، كما كانت زمن النكبة، وإن كانت مُخطّطات الاستيطان لم توفّر التهام حقولها، فأُقيمت عليها مستعمرات «رامات أشكول» وأربع مستوطنات أخرى.

طابو ملكيّة الأرض موجود، ومفتاح الدّار موجود.. ولكن أهل القرية تبعثروا بأيدي النكبة.. من القدس إلى أقصى المنافي، بما يُذكّر بقصة قريتي إقْرِثْ وكُفْر بُرْعُمْ، أقصى شمال فلسطين، الذين نزحوا بعد وعد ـ خديعة من جيش الاحتلال بالعودة القريبة.. التي تبقى مُعلَّقة 64 عاماً، رغم أحكام من محكمة «العدل العليا»، ورغم عرض بالاقتسام من سكان مستوطنة «كفار برعام».. وفي كلّ «يوم أرض» فلسطيني يذهب البراعمة إلى بيوتهم القديمة، وإلى كنيستهم ليرمموا ما تهدّمه يد الزمان. كُفْر بُرْعُمْ حيَّة.. ولو في أهازيج عوني سبيت!

سُكّان إقْرِثْ وكُفْر بُرْعُمْ إسرائيليون في الهُويّة، وفلسطينيون في القوميّة؛ وسُكّان لفتا بعضهم يحمل «بطاقة هُويّة القدس» وبعضهم «بطاقة هُويّة السلطة»، وآخرون «بطاقة هُويّة لاجئ».. أو جوازات سفر أجنبيّة!.

صحافيّة إسرائيلية رسمت مقارنة بين «تسويغ» البؤر الاستيطانيّة في الضفّة (البؤر وليس المستوطنات أو الكتل) ومنها بؤرة «ميغرون» الأشهر التي أُقيمت على أرض فلسطينيّة خاصّة، وبين حالة قريتَي إقْرِثْ وكُفْر بُرْعُمْ.. والآن، حالة قرية لفتا، وفي السابق قرية عين حوض.. وعشرات القرى المهجورة بحكم قانون قراقوشي اسمه «غائب ـ حاضر» يمسّ حقوق مئات الألوف من الفلسطينيّين في إسرائيل.

استيطان متمادٍّ هنا؛ وقُرى مهجورة كاملة هناك (عين حوض ـ لفتا ـ إقْرِثْ وكُفْر بُرْعُمْ) أو مدمّرة، أو مبني على ركامها مستوطنات. الاستيطان بقوّة الأمر الواقع الذي يلوي عنق الحقّ والقانون، وأما القرى المُهجّرة. فالإسرائيليون يقولون: «ولا لاجئ واحد يعود». لماذا؟ لأن أي عودة إلى أي قرية مهجورة تشكّل «سابقة» والإسرائيليون مغرمون بسوابق يهوديّة تعود إلى ألفَي عام، لكنهم يخشون سوابق فلسطينية تعود إلى نصف قرن أو أكثر بقليل.

تأمَّلتُ الصورة ـ اللّوحة، وما فعلته ريشة فنان الدهر بخلط الأخضر بالأبيض، وفكّرت: كم اسماً للبيت في اللغة العربيّة؟ ولماذا للبيت الفلسطيني التقليدي شكل «المُربّع العربي» كأنه الكعبة.. ولماذا للنجمة الفلسطينية المُثمّنة مضاعفات المُربّع.. ولماذا الجهات الأصليّة أربع.. وهذه الدُّروب الترابيّة الضيّقة التي تربط الدُّور كأنّها الشرايّين والأوردة!

يقول الشاعر أدونيس: «لبست وجهك أستجلي به طرقي / لبست الريح والطرقا».. ولكن ريح العودة لا تهدأ.. «يا دار.. يا دار.. إن عدنا كما كنّا..»!.

المصدر : جريدة الايام

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

 يا دار  يا دار



GMT 21:19 2021 الأربعاء ,17 آذار/ مارس

بروفة رابعة لحزب «الملفوفة»!

GMT 14:11 2021 الإثنين ,08 آذار/ مارس

انـطـبـاعـان عـابـران

GMT 08:31 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

حيرة الولد بهاء

GMT 08:46 2021 الأحد ,31 كانون الثاني / يناير

الناووس في مكانه وعيون الطاووس بين الأغصان!

GMT 09:58 2021 الثلاثاء ,26 كانون الثاني / يناير

«السيد نائب الرئيس».. متى؟

الرقة والأناقة ترافق العروس آروى جودة في يومها الكبير

القاهرة ـ لبنان اليوم

GMT 11:59 2020 السبت ,29 شباط / فبراير

يتحدث هذا اليوم عن مغازلة في محيط عملك

GMT 20:21 2021 الإثنين ,08 شباط / فبراير

أخطاؤك واضحة جدًا وقد تلفت أنظار المسؤولين

GMT 14:39 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

ينعشك هذا اليوم ويجعلك مقبلاً على الحياة

GMT 09:04 2023 الإثنين ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

خبير طبي يؤكد أن التدفئة مهمة جدًا للأطفال الخدج

GMT 11:33 2020 السبت ,29 شباط / فبراير

تنعم بحس الإدراك وسرعة البديهة

GMT 04:58 2025 السبت ,13 كانون الأول / ديسمبر

أفكار متنوعة لترتيب وسائد السرير

GMT 22:04 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

أمامك فرص مهنية جديدة غير معلنة

GMT 19:17 2022 الإثنين ,18 إبريل / نيسان

التيشيرت الأبيض يساعدك على تجديد إطلالاتك

GMT 19:02 2021 الثلاثاء ,21 كانون الأول / ديسمبر

النجمة يخرج العهد من كأس لبنان

GMT 18:52 2021 الأربعاء ,22 كانون الأول / ديسمبر

الجامعة اللبنانية وزعت نبذة عن رئيسها الجديد بسام بدران

GMT 15:33 2021 الإثنين ,05 تموز / يوليو

46 حالة جديدة من متحوّر “دلتا” في لبنان

GMT 18:30 2021 الثلاثاء ,19 تشرين الأول / أكتوبر

مالك مكتبي يعود بموسم جديد من "أحمر بالخط العريض"
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
Pearl Bldg.4th floor, 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh, Beirut- Lebanon.
lebanon, lebanon, lebanon