سوريا العادلة أفضل بيت لمكوناتها

سوريا العادلة أفضل بيت لمكوناتها

سوريا العادلة أفضل بيت لمكوناتها

 لبنان اليوم -

سوريا العادلة أفضل بيت لمكوناتها

غسان شربل
بقلم - غسان شربل

يزورك الخوفُ حين تتابع من بيروتَ ما يجري في سوريا. محاولةُ إعادة عقاربِ الساعة إلى الوراء بالغة الخطورة. كان سقوط نظام بشار الأسد مفاجأةً مدويةً باغتت حلفاءَه وخصومه معاً. في الداخل هناك من يرفض أن يصدّقَ أنَّ زمنَ السلطة والتسلط قد فرَّ من يده. وهناك في الخارج من يرفض التصالح مع فكرة أنَّ سوريا اختارت مصيرها وطريقَها ويصرُّ على إمكان استعادتها أو تفجيرها لإغراق سوريا الجديدة بالدم.

ومصير سوريا لا يعنيها وحدها. هذه كانت أمثولة العقد الثاني من هذا القرن. حين تندلع النارُ في العروق السورية يتعذَّر كبحُها واعتقالها داخل الأرض السورية. يضخُّ الاقتتال السوري - السوري التوترَ في عروق دول الجوار. يضخُّ أيضاً أمواجاً من اللاجئين. وإذا كانت سوريا الخائفة مشكلة فإنَّ سوريا المخيفة مأساة لشعبها ومحيطها. تفجير سوريا لا يقل خطورة عن إسقاط نظام صدام حسين. إنَّه أكبر من قدرة المنطقة على الاحتمال.

أخطر ما يمكن أن تصابَ به بلادٌ هو أن يحاول الحكم العزفَ على مخاوف مكوناتها كما حدث في سوريا تحت حكم الأسد. أن يقدّم الغلبةَ على العدالة والمساواة. وأن يلغيَ كلَّ الجسور والضمانات ليكون المرجع الوحيدَ الممسكَ بالأعناق والأرزاق. وأن يتحوَّل الدستور موظفاً صغيراً في القصر. وأن يغيبَ البرلمان إلا حين يستدعى للتصفيق. وأن يتركَ الناسُ في عهدة مطابخ الأمن وممارسات مافياوية فظة.

علمتني المهنة أن أخافَ عند المنعطفات. أخاف حين يتوارى الرجل الممسك بكلّ الخيوط وكلّ المصائر والأقدار. وحين يتبخَّر جيشٌ أقام طويلاً وأعطى للخريطة نكهةَ السجن. وحين يفرُّ قساة الأجهزة مخلفين وراءَهم جيشاً من الجثث وسلسلة من المقابر الجماعية. أخاف من غضب الناسِ حين يتحرَّكون رداً على الممارسات الوحشية التي ملأت آبار الكراهية حتى فاضت. وأخاف من الناس حين يقعون في قبضة باعة الأوهام فيرفضون تجرّع الخسارة وينزلقون إلى مغامرات تهدد سلامتهم وربما وجودهم.

أخاف من لاعبين خارجيين يتحيَّنون هذه الفرص للانقضاض على سوريا الجديدة. تتصرَّف إسرائيلُ وكأنَّ سوريا ساحة لا دولة. تتحدَّث عن أمن الدروز وتلمح أيضاً إلى أوضاع الأكراد. يوحي هذا السلوك برغبة إسرائيلية في تفجير سوريا وتقسيمِها أو دفعها على الأقل إلى العيش على نار حرب المكونات.

يحلم غيرُها أيضاً باستعادة ما فقد من نفوذ في سوريا بأي وسيلة ممكنة. قرار الرئيس السوري أحمد الشرع تشكيلَ لجنة تحقيق مستقلة في أحداث الساحل يقطع الطريق على الأطرافِ الساعية لاستغلال ما جرى للإيحاء بوجود حرب مكونات.

تكرَّرت في الأسابيع الأخيرة أسئلة مقلقة عن الدروز والأكراد والعلويين. والحقيقة هي أنَّ الجوابَ الوحيد على كل هذه الأسئلة هو أنْ لا حلَّ في سوريا غير الدولة السورية التي تتَّسع للجميع. تفجير سوريا مأساة لها ولجوارها. إغراق سوريا في حرب مكوناتٍ سيقلق لبنانَ والأردنَ والعراقَ وتركيا ودولَ المنطقة. والمسألة شديدة الخطورة.

استقرار سوريا مفتاحُه دولة تتَّسع لكل مكوناتها وعلى قاعدة العدالة والمساواة في ظل حكم القانون. كلُّ عودة إلى الماضي يجب أن تقتصر على التعلم منه لضمان عدم تكرار الأخطاء.

غداة سقوط نظام الأسد نجحت سوريا الجديدة في تفادي انهيارٍ كبيرٍ يدفعها إلى بحيرات الدم. وتصرَّف الرئيس الشرع بواقعية مركزاً على عودة سوريا إلى عائلتها العربية استعداداً للعيش في ظلّ الدستور وحكم القانون. حرص على الإيحاء أنَّ هاجسَ سوريا الأول هو إعادة الاستقرار والإعمار والعيش كدولة طبيعية بعيداً عن فرض نموذج يهزُّ ركائزَ وحدتها. أوحى أنَّ سوريا الجديدة لا تريد تصدير نموذجِها والتسلّل إلى داخل خرائط جيرانها.

أعطتِ الأحداثُ الدموية الحالية انطباعاً أنَّ الصراع على سوريا لم يتوقف في الداخل ولم يتوقف في الإقليم. أي محاولة خارجية لإعادة عقارب الساعة السورية إلى الوراء تنذر بتصعيد حرب الأدوار على المسرح السوري وحوله.

سوريا أصلاً دولة قلقة. لم تتمكَّن على مدار ستة عقود من استعادة الجولان الذي تحتلّه إسرائيل. لم تستطع أن تكونَ دولة طبيعية في الداخل. وكانت تشعر بالقلق من تركيا الإردوغانية بعباءتها الإسلامية والأطلسية. ومن العراق في ظلّ القيادة الصدّامية. ومن الاعتدال الأردني والمظلة الدولية التي تحميه. ومن لبنانَ الذي أفلت من وصايتها. سوريا «البعثية» القلقة تحوَّلت دولةً مقلقة حين راحت تحاول امتلاكَ أوراق مؤثرة على أمن جيرانها واستقرارهم وتحريكها. زادت قدرتها على الإقلاق بعدما صارت ساحة لميليشيات إيرانية المرجع والقرار.

الحل عودة سوريا إلى سوريا. عودة الدولة الطبيعية التي تحفظ الوحدة مع ضمان احترام الخصوصيات والاختلافات تحت سقف التعايش والقانون. وحدها الدولة الطبيعية تطوي صفحة سوريا القلقة وسوريا المقلقة. سوريا العادلة أفضل بيتٍ لمكوناتها.

 

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

سوريا العادلة أفضل بيت لمكوناتها سوريا العادلة أفضل بيت لمكوناتها



GMT 18:40 2025 الجمعة ,26 كانون الأول / ديسمبر

أسقط الركن الثالث

GMT 18:39 2025 الجمعة ,26 كانون الأول / ديسمبر

بين القوانين والإعلانات والأخلاق

GMT 18:38 2025 الجمعة ,26 كانون الأول / ديسمبر

عام «سَوْقَنَة» القضايا

GMT 18:37 2025 الجمعة ,26 كانون الأول / ديسمبر

البراغماتية الإيرانية في انتظار الاختبار الصعب

GMT 18:18 2025 الجمعة ,26 كانون الأول / ديسمبر

2026... عام التوضيحات؟

GMT 18:14 2025 الجمعة ,26 كانون الأول / ديسمبر

العراق ما بين تاريخين

GMT 18:13 2025 الجمعة ,26 كانون الأول / ديسمبر

يحمل اسم زويل

GMT 18:12 2025 الجمعة ,26 كانون الأول / ديسمبر

هند رستم.. الأنوثة قبل الإغراء دائمًا!

الرقة والأناقة ترافق العروس آروى جودة في يومها الكبير

القاهرة ـ لبنان اليوم

GMT 18:08 2025 الجمعة ,26 كانون الأول / ديسمبر

نتنياهو يعلن اعتراف إسرائيل بأرض الصومال دولة مستقلة
 لبنان اليوم - نتنياهو يعلن اعتراف إسرائيل بأرض الصومال دولة مستقلة

GMT 17:24 2025 الجمعة ,26 كانون الأول / ديسمبر

الجيش اللبناني يستعد للمرحلة الثانية من حصر السلاح
 لبنان اليوم - الجيش اللبناني يستعد للمرحلة الثانية من حصر السلاح

GMT 12:50 2020 الأحد ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج الثور الأحد 1 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 11:49 2019 الإثنين ,01 إبريل / نيسان

من المستحسن أن تحرص على تنفيذ مخطّطاتك

GMT 22:30 2021 الأحد ,10 كانون الثاني / يناير

يشير هذا اليوم إلى بعض الفرص المهنية الآتية إليك

GMT 22:08 2020 الأحد ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج القوس الأحد 1 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 12:17 2020 الثلاثاء ,02 حزيران / يونيو

كن قوي العزيمة ولا تضعف أمام المغريات

GMT 13:08 2020 الأحد ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج السرطان الأحد 1 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 21:05 2021 الأحد ,10 كانون الثاني / يناير

تطرأ مسؤوليات ملحّة ومهمّة تسلّط الأضواء على مهارتك

GMT 05:03 2022 الأربعاء ,06 تموز / يوليو

أفكار بسيطة في الديكور لجلسات خارجية جذّابة

GMT 19:23 2021 الجمعة ,16 تموز / يوليو

حريق كبير في بينو العكارية اللبنانية

GMT 13:08 2019 الإثنين ,04 شباط / فبراير

أمير منطقة الرياض يرأس جلسة مجلس المنطقة

GMT 02:47 2020 الإثنين ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

تعرفي على طريقة إعداد وتحضير حلى التوفي البارد

GMT 11:29 2012 الإثنين ,10 كانون الأول / ديسمبر

ضرائب متراكمة على النجمة باميلا أندرسون

GMT 13:54 2018 الخميس ,20 كانون الأول / ديسمبر

المحرق ينظم مهرجانه الخامس عشر بمناسبة الأعياد
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
Pearl Bldg.4th floor, 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh, Beirut- Lebanon.
lebanon, lebanon, lebanon