بيروت ودمشق وتحدي الدولة الطبيعية

بيروت ودمشق وتحدي الدولة الطبيعية

بيروت ودمشق وتحدي الدولة الطبيعية

 لبنان اليوم -

بيروت ودمشق وتحدي الدولة الطبيعية

بقلم:غسان شربل

يتذمَّر اللبنانيون من نصائحِ السفراء وإملاءات المؤسساتِ المالية الدولية. يشعرون أنَّ الخارجَ يرسم لهم الطريقَ والأهداف ويحدّد لهم الوسائل. يزعجهم أن تبدوَ بلادُهم في صورة قاصرٍ لا يثق العالمُ بقدرته على مساعدة نفسِه للخروج من الهاوية. تكاثر الأطباء وتضارب العلاجات يفاقمان أحياناً ارتباكَ المريض وضياعه.

لا جدال أنَّ من حقّ اللبنانيين، أسوةً ببقية الشعوب، مداواة حاضرهم ورسم مستقبلهم. لكن استردادَ هذا الحق لا يتم فقط بالتذكير بالبديهيات. تبدأ الوصاياتُ عموماً حين تتصدَّع الدولُ تحت وطأة التمزقات والتدخلات. والتمزق اللبناني قديم، ويمكن قول الشيء نفسه عن التدخلات.

أخطر ما يمكن أن يصابَ به بلدٌ هو افتقاد القدرة على القرار. غياب هذه القدرة يستنزف ما تبقى من حصانة يفترض أن تتوفَّرَ لبلد مستقل وسيد. يضاعف من حدةِ المشكلة أن يكونَ البلد محاطاً بحروب ونزاعات تفوق قدرته على الانخراط فيها أو الخروج منها. هكذا يتحوَّل البلد أسيراً في الداخل والخارج معاً. والحقيقة أنَّ المريض اللبناني وجد نفسَه فجأة غارقاً في دوامة حروب انطلقت بعد شرارات «طوفان الأقصى». ثم وجد نفسَه أمام نهاياتٍ صعبة لهذه الحروب، وهي على خلاف ما تمنَّاه من أطلقوا «الطوفان» أو «جبهة الإسناد».

لم يكن أهلُ المنطقة يحتاجون إلى تجاربَ جديدة للتعرف على عدوانية إسرائيل ووحشية ممارسات جيشها. لكن ما حدث أعطى آلة القتل الإسرائيلية فرصةَ الذهاب بعيداً في التدمير والقتل وصولاً إلى ممارسات الإبادة. من يراقب سلوكَ إسرائيل حيال غزةَ والضفة وسوريا ولبنان يشعر أن ميزانَ القوى انكسر فعلاً وعلى نحو صارخ.

لا حاجةَ إلى التذكير بالدَّم الذي يسفك قربَ مراكز توزيع الأغذية في غزة. ولا حاجة إلى تفسير معنى أن ينذرَ الجيش الإسرائيلي سكانَ أبنية في بيروت ويطالبهم بإخلائها ثم يقوم بقصفها. الاغتيالات اليومية التي تنفذها المسيّرات الإسرائيلية في لبنان بالغةُ الدلالات ومثلها استكمال تدمير قدراتِ الجيش السوري السابق.

لا يحتاج أهل المنطقة إلى من يشرح لهم أنَّ الزلزال الكبير ضرب الحلقة السورية. نهاية نظام الأسدين أدَّت إلى تغيير في الملامح والأدوار. نهاية تواصل حلقات ما كان يعرف بـ«محور الممانعة» وانقطاع الطريق التي كانت تبدأ من طهران وتمتد إلى بيروتَ بعد المرور ببغداد ودمشق. تغييرٌ هائل وضع المعنيين أمام خيارات بالغة الصعوبة.

دخل أحمد الشرع قصرَ الرئاسة السوري. وجد بين يديه جمرَ الوقائع الجديدة. بلاد مفككة انفرط عقد جيشها ومؤسساتها. بلاد تغرق في الخوف والفقر يعيش الملايينُ من أبنائها في مخيمات قربَ حدودها. وكان على الشرع أن يختارَ وأن يتَّخذ القرار. زمن الفصائلِ يعني الحروبَ التي لا تنتهي. يعني تفكُّكَ سوريا والمزيد من الدّم والمقابر. كان على الشرع أن يقنعَ السوريين وأن يقنعَ العالم. كان لا بدَّ من فرصة لالتقاط الأنفاسِ واستجماع القدرات واستحقاق المساعدات.

فاجأ الشرع السوريين وفاجأ أهلَ المنطقة والعالم. خياره سوريا أولاً ولا يشعر برغبةِ الاستسلام للوصفات القديمة والعقائد الجامدة والعقاقير التي انتهت مدةُ صلاحيتها. قرَّر قراءةَ ميزان القوى الإقليمي والدولي والتعامل معه. والهاجس إنقاذ سوريا واستردادها من الميليشيات والوصايات.

بعثَ الشرعُ برسالة صريحة مفادها أنَّ سوريا الجديدة تريد أن تكونَ دولة طبيعية. دولة تحتكر مؤسساتها الشرعية قرار الحرب والسلم وتحتكر السلاح أيضاً. وهي مهمة ليست بسيطة على الإطلاق. الدولة الطبيعية تعني الذهابَ إلى القانون والمساواة بين المكونات وتعني احترام القوانين الدولية. تعني الخروجَ من القاموس الذي كان قائماً على الشطب والإكراه وتغيير الملامح. تبلور هذه الإرادة السورية شجَّع الدولَ الراغبة في مساعدة سوريا على التحول مشروع استقرار في المنطقة. قال الشرع إنَّ سوريا الجديدة لا تريد أن تشكّلَ تهديداً لأحد من جيرانها. هذه الرغبة في الخروج من الشق العسكري في النزاع مع إسرائيل فتحت باب المصافحات والاعترافات.

على رغمِ الصُّعوبات يسود انطباع أنَّ رحلة الشرع قد أقلعت بدعم إقليمي ودولي. في الوقت نفسه كان اللبنانيون يحلمون بأن تتمكَّن بلادهم من بدء رحلة العودة إلى مشروع الدولة الطبيعية. تجدَّد هذا الحلمُ مع انتخاب العماد جوزيف عون رئيساً للجمهورية واختيار نواف سلام رئيساً للوزراء. توقَّف اللبنانيون عند خطاب القسم والبيان الوزاري. مرَّت شهور ولم تتمكن الرحلة اللبنانية من الإقلاع. ظروف وصولِ الشرع تختلف عن ظروف وصول عون وسلام. تركيبة لبنان شديدة التعقيد، واستجماع إرادة لبنانية موحدة ليس سهلاً. واضح أنَّ قراءة «حزب الله» لما حدث في المنطقة تختلف عن قراءة المكونات اللبنانية الأخرى وقراءة الرئيسين عون وسلام.

يطالب العالمُ لبنانَ بالعودة إلى قاموس الدولة الطبيعية ليستحقَّ الثقةَ والمساعدات والدعم. عون وسلام لا يستطيعان القيام بهذه المهمة وحدهما، فهي تقع أيضاً وبالدرجة نفسها على عاتق نبيه بري بحكم موقعه في بيئته وفي الدولة معاً. لا يمكن إنجازُ مهمةٍ من هذا النوع من دون أن تقرأ قيادة «حزب الله» كيف انتهتِ الحرب، وماذا حدث في سوريا. إبقاء لبنان معلقاً على حسابات إيرانية أو غير إيرانية قد يعرّضه لخسارة الاهتمام الدولي بمساعدته.

اشترط العالمُ على سوريا الجديدة أن تحملَ مشروع الدولة الطبيعية، فوافقت وصعدت إلى القطار. افتقار لبنان إلى قرارٍ جدي جامع يبقيهِ على الرَّصيف مرشحاً لمفاجآت كثيرة.

 

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

بيروت ودمشق وتحدي الدولة الطبيعية بيروت ودمشق وتحدي الدولة الطبيعية



GMT 19:55 2025 الأحد ,15 حزيران / يونيو

فلسطين ومؤتمر «حل الدولتين»

GMT 19:54 2025 الأحد ,15 حزيران / يونيو

الحرب ؟!

GMT 19:51 2025 الأحد ,15 حزيران / يونيو

حرب... حرب

GMT 19:50 2025 الأحد ,15 حزيران / يونيو

إيران وإسرائيل... حرب مختلفة

GMT 19:49 2025 الأحد ,15 حزيران / يونيو

النقد ونقد النقد للعقل العربي الإسلامي ولكن!

GMT 19:49 2025 الأحد ,15 حزيران / يونيو

مقولة «التخادم» الإسرائيلي الإيراني

GMT 19:48 2025 الأحد ,15 حزيران / يونيو

الشرق الأوسط الجديد: إنَّه الاقتصاد...

ستيفاني عطاالله وزاف قصة حب تحولت إلى عرض أزياء أنيق تُوّج بزفاف ساحر

القاهرة ـ لبنان اليوم

GMT 17:21 2021 الجمعة ,23 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 12:09 2020 السبت ,29 شباط / فبراير

يسود الوفاق أجواء الأسبوع الاول من الشهر

GMT 00:18 2020 السبت ,24 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج الأسد السبت 24 تشرين الثاني / أكتوبر 2020

GMT 12:43 2020 الثلاثاء ,04 شباط / فبراير

تزداد الحظوظ لذلك توقّع بعض الأرباح المالية

GMT 21:25 2021 الأحد ,10 كانون الثاني / يناير

لا تتردّد في التعبير عن رأيك الصريح مهما يكن الثمن

GMT 21:45 2021 الأحد ,10 كانون الثاني / يناير

كن هادئاً وصبوراً لتصل في النهاية إلى ما تصبو إليه

GMT 21:06 2022 الأحد ,17 تموز / يوليو

القطع المناسبة لإطلالات الشاطئ

GMT 11:52 2023 الإثنين ,19 حزيران / يونيو

إتيكيت زيارات العيد

GMT 12:08 2020 الثلاثاء ,02 حزيران / يونيو

شؤونك المالية والمادية تسير بشكل حسن

GMT 08:43 2023 الأربعاء ,22 آذار/ مارس

موديلات حقائب ربيع وصيف 2023

GMT 16:09 2019 الأربعاء ,01 أيار / مايو

حلم السفر والدراسة يسيطر عليك خلال هذا الشهر

GMT 18:36 2023 الأربعاء ,05 إبريل / نيسان

حقائب فاخرة لأمسيات رمضان الأنيقة
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
lebanon, lebanon, lebanon