عن حروب القمر والنجوم والفضاء الخارجيّ

... عن حروب القمر والنجوم والفضاء الخارجيّ

... عن حروب القمر والنجوم والفضاء الخارجيّ

 لبنان اليوم -

 عن حروب القمر والنجوم والفضاء الخارجيّ

بقلم:حازم صاغية

قبل أيّام قليلة قال الرئيس الفرنسيّ إيمانويل ماكرون إنّ الصراعات في يومنا هذا تدور في الفضاء الخارجيّ، وأنّ حروب المستقبل سوف تبدأ من هناك. وإذ أشار إلى تهديدات تشكّلها روسيا، أعلن أنّه سيزيد الإنفاق على النشاطات العسكريّة في الفضاء بمليارات اليورو.

ذاك أنّ «الفضاء لم يعد ملاذاً آمناً، بل أصبح ساحة معركة».

ولعقولنا البسيطة يبدو قول كهذا أقرب إلى الصفعة المدوّية. فالميل الذي ورثناه عن أجيال سابقة يقرن الوصول إلى الفضاء بتجاوز الحروب والنزاعات لكنّه، فوق هذا، يصف الفضاء، بقمره ونجومه خصوصاً، كأنّه مكان عديم الصلة بمنازعات الأرض والأرضيّ.

ومن يهوى قصائد الأخوين رحباني التي غنّتها فيروز يذكر تلك الثنائيّة التي أقامتها بين قمر «بيضوّي ع الناس» وناسٍ «بيتقاتلو»، وإعلاءها جيرة القمر بوصفها تترك «بقرميدنا أجمل الألوان»، كما «ترشرش المرجان»...

وبالفعل مرّرت الأمم المتّحدة في 1963 اتّفاقيّة وقّعتها، بعد أربع سنوات، الولايات المتّحدة والاتّحاد السوفياتيّ وبريطانيا، ولاحقاً أضافت عشرات الدول تواقيعها عليها. هكذا شكّلت «معاهدة الفضاء الخارجيّ» إطاراً لقانون دوليّ يخصّ الفضاء. فهي منعت نشر أسلحة نوويّة هناك، وحدّدت استخدامه المشروع، بما في ذلك القمر والأجرام السمويّة الأخرى. غير أنّها وإن أجازت لجميع دول العالم حقّ استكشاف ذاك الفضاء فإنّها أنكرت عليها إعلان سيادتها عليه، كونه «مقاطعة للجنس البشريّ كلّه».

والحال أنّ الفضاء الخارجيّ والقمر كثيراً ما كرّمهما الدين والأدب والفنّ. فأوّلهما هو حيث تسكن الروح ويستوطن الغيب، وهو منبع الوحي والمكان الذي يتغلّب فيه المُلغز والغامض على ما هو معروف أو قابل للمعرفة. أمّا الثاني فقدّمته الثقافات الذكوريّة القديمة، على عكس العربيّة، بوصفه أنثى تستعير ضوءها من الذَكَر الذي هو الشمس. وعلى عكس الأخيرة التي قد تحرقنا حين تضيء، كما لو أنّها تحمّلنا أكلاف تنويرها، بدا القمر سخيّاً متواضعاً، يضيء الليل بحبّ كبير، ولكنْ بصمت وخفر كما لو كان يعتذر عن إزعاج.

وفي رواية «مرتفعات ويذيرنغ» الرومنطيقيّة، للكاتبة الإنكليزيّة إميلي برونتي، يكاد لا يلتقي هيثكليف وكاثرين إيرنشو إلاّ في مشهد مضاء بضوء القمر، ولا تشوب علاقتهما توتّر إلاّ وذاك الضوء شاهد عليه.

وبعيداً جدّاً من الصور الرومنطيقيّة التي رسمها الأدب، فقد أقدم الاتّحاد السوفياتيّ والولايات المتّحدة، في هذه الغضون، على جرح نرجسيّة الفضاء الخارجيّ وقمره مما أسبغه البشر عليهما، أو افترضوه فيهما.

ففي 1957 أرسلت موسكو الكلبة لايكا، ولايكا كلمة روسيّة تعني النبّاحة، إلى الفضاء الخارجيّ والدوران حول الأرض، وبعدها بأربع سنوات أرسلت واشنطن الشمبانزي، المدعوّة هام، لأداء الوظيفة نفسها، واستكشاف قابليّات الحياة وإمكانها هناك.

وبعد عشرين عاماً على رحلة لايكا، افتتح المخرج الأميركيّ الكبير جورج لوكاس ما بات يُعرف بـ»حروب النجوم». وكان لأفلامه الملحميّة تلك أن صارت جزءاً وطيداً من الثقافة الشعبيّة في العالم كلّه، وهذا بعدما تشعّبت فأطلّت، فضلاً عن السينما، من التلفزيونات وألعاب الفيديو والروايات والكتب المصوّرة وسواها. لكنّ العنف الكثير هنا، أكان على شكل معارك حربيّة أو معارك فرديّة، كان مضادّاً للعنف، أو أنّ هذا ما أراده منه لوكاس الذي وصف عمله الأوّل بأنّه «فيلم مصنوع لجيل يكبر من دون خرافات».

بيد أنّ ما حصل عام 1984 لم يكن ينتمي إلى توسّل الفضاء الخارجيّ لتحويل العنف إلى ألعاب. فعامذاك، أعلن الرئيس الأميركيّ رونالد ريغان عن «مبادرة الدفاع الاستراتيجيّة» التي عُرفت شعبيّاً بـ»حرب النجوم». أمّا الهدف المعلن فحماية الولايات المتّحدة من أيّ هجوم عليها قد تشنّه صواريخ نوويّة باليستيّة، وتالياً تعطيل دور السلاح النوويّ. وقد قدّر مراقبون ودارسون كثيرون أنّ هذا البرنامج السخيّ كشف عجز السوفيات عن المنافسة وكان له دوره في تقصير عمر الإمبراطوريّة السوفياتيّة.

وعلى هامش ما جرى في ذاك العالم وما يجري، تتدافع النظريّات التي تشرح وتنقد وتراجع. فهناك من يخبرنا أنّ الرأسماليّة أمّمت الفضاء الخارجيّ وأكملت تتجيره، مراهنة على جني الأرباح من إطلاق الأقمار الصناعيّة ومن مشاريع للسياحة في الفضاء وأفعال مشابهة. أمّا الشركات الكبرى، كـ «سبايس إكس» لإيلون ماسك و»بلو أوريجينز» لجيف بيزوس، فلا تقول إلاّ أنّ «فضاء جديداً» يحلّ محلّ الفضاء القديم لحقبة الحرب الباردة، حيث كانت الدول مصدر القرار ومنفّذ المشروع.

ويقودنا العقل إلى إيثار ما تفعله التقنيّة على ما تقوله الرومنطيقيّة، سيّما وأنّ الأولى تتطوّر بالعلم وتطوّره، كما تتيح للبشر فرصاً غير مسبوقة في الثراء والبحبوحة. لكنْ مع انتقال وحدة الغنى من البليون إلى الترليون، وانتقال وحدة الفقر من العوز إلى الجوع، يكاد واحدنا يضبط نفسه متلبّساً بشيء من التعاطف مع أفكار شبه رومنطيقيّة، تعادي التقنيّة وتعاني خُوافها. فكيف إذا صحّت رواية ماكرون من أنّ الفضاء إيّاه اصبح «ساحة معركة»؟

 

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

 عن حروب القمر والنجوم والفضاء الخارجيّ  عن حروب القمر والنجوم والفضاء الخارجيّ



GMT 14:55 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

بدعة النزاهة

GMT 12:21 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

نريد نتائج لا تنظيرًا

GMT 12:20 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

مرشحو الرحيل

GMT 12:19 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

مادورو على توقيت ترمب

GMT 12:18 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

القزويني والمياه الرقمية المُلوّثة

GMT 12:17 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

الفاشر وتغيّر قلوب الرجال

GMT 12:15 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

النشاز الإسرائيلي في الدبلوماسية الأميركية

GMT 12:14 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

الإلغاء لا يحل مشكلة القوائم

الرقة والأناقة ترافق العروس آروى جودة في يومها الكبير

القاهرة ـ لبنان اليوم

GMT 12:25 2020 الثلاثاء ,04 شباط / فبراير

أخطاؤك واضحة جدّاً وقد تلفت أنظار المسؤولين

GMT 13:01 2020 الإثنين ,29 حزيران / يونيو

يبدأ الشهر مع تلقيك خبراً جيداً يفرحك كثيراً

GMT 06:15 2023 الثلاثاء ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

توقعات الأبراج اليوم الثلاثاء 21 نوفمبر/تشرين الثاني 2023

GMT 22:22 2016 الأربعاء ,10 شباط / فبراير

عطر Bamboo من Gucci الرقّة والقوّة في مزيج واحد

GMT 13:00 2021 الإثنين ,18 كانون الثاني / يناير

رحلة الى عالم أوميجا رؤية استباقيّة لمستقبل صناعة الساعات

GMT 05:00 2020 الإثنين ,05 تشرين الأول / أكتوبر

أصوات 20 ألف جزائري تحدد مصير جزيرة قرب أستراليا

GMT 21:50 2014 الإثنين ,02 حزيران / يونيو

"إل جي" تكشف رسميًا عن هاتفها "G3"
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
Pearl Bldg.4th floor, 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh, Beirut- Lebanon.
lebanon, lebanon, lebanon