1947 و1947 المقلوبة

1947 و1947 المقلوبة...

1947 و1947 المقلوبة...

 لبنان اليوم -

1947 و1947 المقلوبة

بقلم:حازم صاغية

منذ عمليّة السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023 المشؤومة والحرب التي استدعتها، تخوض إسرائيل والميليشيات ذات الهوى الإيرانيّ حرباً موازية تستهدف السياسة في حاضرها كما في مستقبلها. فالأطراف المذكورة جميعاً تمارس، على نطاق موسّع ومتطرّف، ما يُسمّى في بعض الحروب الأهليّة «قصفاً عشوائيّاً». ذاك أنّه إذا كانت السياسة تقود فاعليها إلى العمل على شقّ جبهة الخصوم وتفتيتها، وعلى كسب ما تيّسر منهم، فالقصف العشوائيّ الذي يستهدفهم جميعاً، من غير تمييز، يفضي إلى توحيد الخصوم ممّن يتعرّضون كلّهم للقصف إيّاه الذي يصدر عن العدوّ إيّاه. وللسبب هذا رأى البعض أنّ ذاك القصف العشوائيّ ينطوي على حبّ المحاربين للحرب أكثر من حبّهم أيّ شيء آخر، مثلما ينطوي على رغبة في إبقاء العدوّ عدوّاً واحداً موحّداً.

تندرج في الخانة هذه الأفعال الإسرائيليّة التي تستهدف الكلّ بلا استثناء، وهو ما يصحّ تعريفاً في الإبادة التي يشهدها قطاع غزّة، وفي أعمال الاستيطان وفرز الأرض واحتمالات الضمّ في الضفّة الغربيّة، وصولاً إلى الإغارة على قطر التي وُصفت بحقٍّ بأنّها إغارة على السياسة ومبدأ التفاوض. ذاك أنّ السلوك هذا، على اختلاف صِيَغه وأشكاله، يجمع بين نبذ السياسة ومعاملة الجميع ككلّ واحد: يصحّ الأمر في مساواة المدنيّ بالعسكريّ، والطفل والمرأة والشيخ بالمقاتل، وحركتي «حماس» و«الجهاد الإسلاميّ» بالسلطة الوطنيّة، وأخذ العرب غير الممانعين بجريرة العرب الممانعين... ولم يكن تشبيه بنيامين نتانياهو نفسِه إسرائيلَ بـ «إسبارطة كبرى» غير إعلان عن هذه القطيعة مع العالم بعد استثناء إدارة دونالد ترمب وحدها منه.

وفي الخانة ذاتها تندرج أفعال الميليشيات الموصوفة بالمقاوِمة على تعدّدها، والتي افتتحت حربها بعمليّة تأخذ الصالح بالطالح. وما ينمّ عن رمزيّة حادّة الدلالة أنّ الميليشيات تلك، كلٌّ منها بطريقتها، تواظب على التمسّك بسلاح، صار معظمه خردة، يطيل أمد القتل وتعطيل السياسة، مواظبتها على التمسّك بصوت ولغة حربيّين وعدوانيّين.

وبالفعل لئن نجحت عمليّة 7 أكتوبر في حشد عموم الإسرائيليّين وراء الحرب، فإنّ الردّ الإسرائيليّ عليها ينجح اليوم في تصليب المواقف العربيّة المعتدلة ونقلها إلى مواقع أشدّ تطرّفاً، وأحياناً أكثر استعداداً لتفهّم أفعال الممانعين.

والحال أنّ ما نشهده هو، بمعنى ما، نتاج عقود من تطوير الهويّات الضدّيّة التي تنطوي على زعم الاستحواذ الكامل على كلّ شيء، وزعم الحقّ فيه، مقابل إنكار أيّ شيء على الطرف المقابل. وقد راح بناء هذه الهويّات يتوطّد وتتكامل عناصره في موازاة الصعود المتواصل الذي أحرزه اليمين القوميّ والدينيّ في إسرائيل، لا سيّما منذ مقتل اسحق رابين في 1995، وباستيلاء قوى الممانعة، بقيادة طهران ودمشق، على تمثيل فلسطين وقضيّتها.

ولئن حمل أصحاب السلوكين المذكورين نظرة إلى «الآخر» بوصفه أقلّ استحقاقاً للحياة، فيما استبعد واحدهما كلّ رغبة في العيش معه، فإنّ نهاية الصراع التي يقترحها الطرفان هي من صنف يتفاوت بين الإفنائيّ والإخضاعيّ المُذلّ. ولربّما كان من مفارقات التاريخ أنّ «صلح فرساي»، الذي أذلّ ألمانيا وكان واحداً من أسباب صعود النازيّة وتحوّل اللاساميّة عقيدةً رسميّة، هو ما تحاول الدولة العبريّة أن تفرض على جوارها ما يفوقه سوءاً.

لقد تعرّضت الأطراف الممانعة لضربات نوعيّة لا تُحصى، وبات كلامها عن «إزالة إسرائيل» و«من النهر إلى البحر» أقرب إلى مسخرة تثير الشفقة على أصحابها. والراهن أنّ كلّ ما يلوح في الأفق يشير إلى أنّ نهايات بائسة تنتظر الأطراف المذكورة. وبدورها فإنّ الدول التي اعترفت وتعترف بدولة فلسطين، تجاوباً مع المبادرة السعوديّة – الفرنسيّة، يؤكّد معظمها أنّ «حماس» لن يتّسع لها مستقبل فلسطين والمنطقة.

لكنْ ماذا عن نتنياهو الذي بات التخلّص منه ومن حكومته شرطاً شارطاً لوقف الموت والعودة إلى السياسة؟ فإذا صحّ القول بخطأ عربيّ تأسيسيّ في 1947، جرّاء رفض قرار التقسيم وإقامة دولتين، علماً بأنّ القرار كان يحظى بدعم دوليّ إجماعيّ، فها نحن اليوم نعيش 1947 مقلوبةً تنتجها الخطيئة الإسرائيليّة في رفضها المطلق لقيام دولة للفلسطينيّين غدت تحظى بدعم دوليّ شديد الاتّساع. ومن قبيل الاستطراد، فإنّ ما يحصل في غزّة بات مستقلاًّ عمّا يحصل في لبنان وسوريّا وإيران، إذ هو الآن تصفية حساب صافية ومجرمة مع الفلسطينيّين وحقوقهم، لا صلة لها بتفكيك «محور الممانعة» الذي لا يثير تفكيكُه أيّة شفقة عليه.

والعالم، ما خلا إدارة ترمب، يبدي اليوم عدم الاستعداد لتحمّل استمرار المأساة هذه، بكلفتها الإنسانيّة الباهظة، ولكنْ أيضاً بأكلافها على الأصعدة جميعاً. بيد أنّ عدم التحمّل لا يزال أقرب إلى الإعلان عن حسن نوايا، فيما المُلحّ، أقلّه لوقف القتل، الانتقال إلى إجراءات فاعلة ومؤثّرة. فهذه إن لم تنجح في الضغط على نتنياهو، أمكنَها الضغط على المجتمع الإسرائيليّ كي يسرّع التخلّص منه ويباشر تعافيه هو الآخر

 

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

1947 و1947 المقلوبة 1947 و1947 المقلوبة



GMT 14:55 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

بدعة النزاهة

GMT 12:21 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

نريد نتائج لا تنظيرًا

GMT 12:20 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

مرشحو الرحيل

GMT 12:19 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

مادورو على توقيت ترمب

GMT 12:18 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

القزويني والمياه الرقمية المُلوّثة

GMT 12:17 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

الفاشر وتغيّر قلوب الرجال

GMT 12:15 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

النشاز الإسرائيلي في الدبلوماسية الأميركية

GMT 12:14 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

الإلغاء لا يحل مشكلة القوائم

الرقة والأناقة ترافق العروس آروى جودة في يومها الكبير

القاهرة ـ لبنان اليوم

GMT 22:24 2021 الأحد ,10 كانون الثاني / يناير

تتمتع بالنشاط والثقة الكافيين لإكمال مهامك بامتياز

GMT 00:05 2020 السبت ,24 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج الجوزاء الإثنين 26 تشرين الثاني / أكتوبر 2020

GMT 20:45 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

أفضل الوجهات العربية لقضاء خريف معتدل ومليء بالتجارب الساحرة

GMT 08:41 2018 السبت ,15 كانون الأول / ديسمبر

أحمد في ورطة؟

GMT 18:57 2025 الأحد ,05 تشرين الأول / أكتوبر

موديلات عبايات لصيف 2025 ستجعلك تبدين أصغر سناً

GMT 13:03 2020 الإثنين ,07 كانون الأول / ديسمبر

زاهى حواس يكشف طلب الرئيس السادات عندما زار المتحف المصرى

GMT 14:57 2021 الإثنين ,04 تشرين الأول / أكتوبر

حريق داخل بسطة خضار بداخلها غالونات بنزين ومازوت في بعبدا

GMT 23:57 2020 الأربعاء ,08 إبريل / نيسان

5 نصائح تمكنك من الانسجام والتفاهم مع شريك حياتك

GMT 22:53 2021 الإثنين ,08 آذار/ مارس

انا والكورونا و المرأة في يومها العالمي

GMT 16:11 2022 الجمعة ,20 أيار / مايو

لبنان يوجه ضربة مزدوجة لطهران
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
Pearl Bldg.4th floor, 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh, Beirut- Lebanon.
lebanon, lebanon, lebanon