في تصديق الكلام وتكذيبه وذكاء المتكلّم وغبائه

في تصديق الكلام وتكذيبه وذكاء المتكلّم وغبائه...

في تصديق الكلام وتكذيبه وذكاء المتكلّم وغبائه...

 لبنان اليوم -

في تصديق الكلام وتكذيبه وذكاء المتكلّم وغبائه

بقلم:حازم صاغية

يُستحسن بقادة «حزب الله» والناطقين بلسانه ومَن يتداولون كلامه ألاّ يكونوا مُصدّقين لهذا الكلام. ذاك أنّ الصحّة الذهنيّة والرجاحة العقليّة تستدعيان ذلك.

صحيح أنّ عدم تصديق القائل ما يقوله، وما يتظاهر بالحماسة له، لا يُعفيه من عيوب أخرى. فهو يبدو، والحال هذه، خبيثاً أو منافقاً يمارس تضليل الآخرين والإضرار بهم على نحو أو آخر. لكنْ يمكن للحزب، في هذه الحال، التعامل مع تلك العيوب بوصفها ضرورات سياسيّة أو تعبويّة لا بدّ منها، وهذا مألوف جدّاً في سٍيَر الأحزاب والقوى غير الديمقراطيّة.

أمّا التصديق، في المقابل، فما من أحد يستطيع الدفاع عنه أو تبريره. إنّه يستدعي فحسب نقل صاحبه إلى أقرب مستشفى.

فمن يقول، وفي الآن ذاته يصدّق، أقوالاً من نوع أنّ «حزب الله» حمى لبنان ودافع عنه، أو أنّه نقله إلى حالة من القوّة والكرامة بعد عهد مديد من الضعف والمهانة، أو أنّ تحالف اللبنانيّين مع إيران شرط لتذليل مصاعبهم ودخولهم المعنى والتاريخ، يكون يردّد الكلام الذي تستحيل برهنته بالعقل مثلما تستحيل بالتجربة والحواسّ. والحقّ أنّ التجربة والعقل لا يبرهنان إلاّ عكس هذا الكلام.

بيد أنّ المعروفَ كونُ الخرافات تُستدعى وتُصدّق في مواجهة أحداث تبدو غير معقولة أو غير قابلة للتعقّل. وفي حالتنا المحدّدة يغدو مفهوماً أن يلجأ إلى المعجزات والخوارق مَن يواجه انتصار إسرائيل عليه بعدّة فكريّة سبق أن لقّنتْه، مرّة بعد مرّة، أنّ عدوّه ذاك «أوهن من بيت العنكبوت».

لكنّنا، هنا، نجدنا أمام بُعد آخر يُملي التصديق، هو الدور الإيرانيّ. فمصلحة إيران، وهي من يقول الأشياء نفسها التي يقولها الحزب، تتطلّب تصديق الأخير لما يقال. ذاك أنّ تصديقاً كهذا يعزّز ما تحتاج طهران إلى تصديره للعالم كامتلاكها «أوراقاً قويّة»، فضلاً عن رعايتها قضيّةً تستحقّ الدفاع عنها كما تحظى بالشعبيّة في أوساط اللبنانيّين.

ولنا أن نتوقّع مزيداً من تصديق ما لا يُصدّق ما دامت إيران، وفق بعض رسميّيها، «تستعدّ لحرب بكامل طاقتها». ولنا، في المقابل، أن نتوقّع الأمر نفسه إذا ما استكملت «حركة حماس» موافقتها على خطّة ترمب.

لكنْ لا بدّ دوماً من التمييز بين قائل وقائل، أو بين ناقل لخرافة وناقل آخر للخرافة نفسها.

فمثلاً حين يقول علي لاريجاني، عضو «مجلس تشخيص مصلحة النظام» الإيرانيّ، كلاماً كهذا، وهو غالباً ما يفعل، يكون شديد الذكاء، وهو ما لا يصحّ في نعيم قاسم أو محمّد رعد حين يقولانه. أمّا مصدر ذكاء لاريجاني فكونه ينتفع بتصديق قاسم ورعد وتابعيهما ما لا يصدّقه هو.

وهذا إنّما يشبه كذب السلطات الجائرة على شعوبها التي تروح تردّد ما ينبغي لها أن تردّده ممّا تعرف السلطات المذكورة أنّه كذب. وكلّما زادت درجة صنع السلطة لعقل الشعب تزايدت نسبة تصديق الشعب لأقوال السلطة. فالكوريّون الشماليّون مثلاً أشدّ استعداداً، وبلا أيّ قياس، لتصديق فرادة كيم جونغ أون واستثنائيّته من استعداد البريطانيّين أو السويديّين لتصديق النعوت نفسها إذا ما أُطلقت على قادتهم.

فالكائن المصنوع الذي يصدّق ويمتثل هو «الرجل الصغير» بحسب المحلّل النفسيّ الألمانيّ وليم رايخ. والأخير كان قد أصدر، مع انتهاء الحرب العالميّة الثانية، كتاباً هو مقالة مسهبة سمّاها «اسمع أيّها الرجل الصغير» يخاطب فيها «الشخص العاديّ» ويحرّضه على مواجهة القوى المجتمعيّة والبسيكولوجيّة التي تبقيه في حالة إخضاع وتطابق مع محيطه المباشر. فـ»الرجل الصغير» في بحثه عن الأمان والتطابق إنّما يتخلّى عن استقلاليّته وفرديّته ويتبرّع بها لوجوه ولمؤسّسات سلطويّة قد تكون سياسيّة أو دينيّة أو مسلّماتٍ قِيَميّة تستحوذ على عقله وعواطفه. فمثل هذه الأطراف، التي غالباً ما تخاطب الغرائز الأدنى، تجعل «الرجل الصغير» مساهماً نشطاً في اضطهاد نفسه وتدمير عقله ومصالحه.

مع هذا فرايخ لم يكن متشائماً بـ «الرجل الصغير» الذي يندفع إلى تصديق ما لا يُصدّق. فهو رأى أنّ في وسع الأفراد أن ينعتقوا ويتحرّروا من قيودهم ويستعيدوا ذاتيّاتهم ليعيشوا أحراراً على النحو الذي يليق بهم. وهذا ينطوي بالضرورة على تطوير الشجاعة التي تحمل صاحبها على التفكير بنقديّة وباستقلاليّة عن الحشد الذي يحيط به.

ورايخ، لهذا، يدعو إلى ثورة في العقل تفضي إلى صحوة توقظ الفرد على إمكاناته واستعداداته المعطّلة، والتي شارك هو نفسه في تعطيلها. فالحرّيّة لا تقتصر على غياب الاضطهاد الخارجيّ، إذ هي أيضاً القدرة على التفكير والتصرّف بصورة مستقلّة، وكثيرون هم الذين حظوا بالحرّيّة السياسيّة ليقعوا بسرعة في أشكال من العبوديّة الذهنيّة والعاطفيّة.

وبالعودة إلى «حزب الله» واستعداده تصديق ما لا يُصدّق، تبقى الكارثة الأكبر غياب القياس على العقل والتجارب، وتالياً غياب المحاسبة على وعود قُطعت، وهذا فضلاً عن عدم الرغبة في استعادة التفكير الحرّ. ذاك أنّ الولاء العصبيّ، أي الولاء لـ»الأهل» الذين يصادرون العقل، هو الأوّل والأخير.

 

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

في تصديق الكلام وتكذيبه وذكاء المتكلّم وغبائه في تصديق الكلام وتكذيبه وذكاء المتكلّم وغبائه



GMT 14:55 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

بدعة النزاهة

GMT 12:21 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

نريد نتائج لا تنظيرًا

GMT 12:20 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

مرشحو الرحيل

GMT 12:19 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

مادورو على توقيت ترمب

GMT 12:18 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

القزويني والمياه الرقمية المُلوّثة

GMT 12:17 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

الفاشر وتغيّر قلوب الرجال

GMT 12:15 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

النشاز الإسرائيلي في الدبلوماسية الأميركية

GMT 12:14 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

الإلغاء لا يحل مشكلة القوائم

الرقة والأناقة ترافق العروس آروى جودة في يومها الكبير

القاهرة ـ لبنان اليوم

GMT 22:24 2021 الأحد ,10 كانون الثاني / يناير

تتمتع بالنشاط والثقة الكافيين لإكمال مهامك بامتياز

GMT 00:05 2020 السبت ,24 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج الجوزاء الإثنين 26 تشرين الثاني / أكتوبر 2020

GMT 20:45 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

أفضل الوجهات العربية لقضاء خريف معتدل ومليء بالتجارب الساحرة

GMT 08:41 2018 السبت ,15 كانون الأول / ديسمبر

أحمد في ورطة؟

GMT 18:57 2025 الأحد ,05 تشرين الأول / أكتوبر

موديلات عبايات لصيف 2025 ستجعلك تبدين أصغر سناً

GMT 13:03 2020 الإثنين ,07 كانون الأول / ديسمبر

زاهى حواس يكشف طلب الرئيس السادات عندما زار المتحف المصرى

GMT 14:57 2021 الإثنين ,04 تشرين الأول / أكتوبر

حريق داخل بسطة خضار بداخلها غالونات بنزين ومازوت في بعبدا

GMT 23:57 2020 الأربعاء ,08 إبريل / نيسان

5 نصائح تمكنك من الانسجام والتفاهم مع شريك حياتك

GMT 22:53 2021 الإثنين ,08 آذار/ مارس

انا والكورونا و المرأة في يومها العالمي

GMT 16:11 2022 الجمعة ,20 أيار / مايو

لبنان يوجه ضربة مزدوجة لطهران
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
Pearl Bldg.4th floor, 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh, Beirut- Lebanon.
lebanon, lebanon, lebanon