نريد تطوير التعليم لا تجميله

نريد تطوير التعليم لا تجميله

نريد تطوير التعليم لا تجميله

 لبنان اليوم -

نريد تطوير التعليم لا تجميله

عبد الرحمن الراشد

في السعودية شيء مهم يستوجب التقدير والتذكير، فللمرة الرابعة يستثنى التعليم بامتيازات إضافية ضخمة، قرر الملك عبد الله بن عبد العزيز تخصيصها، وهو يفعلها من جديد خارج ميزانية الحكومة؛ فقد فتح باب الابتعاث للخارج، حتى وصل عدد الطلاب السعوديين الذين أرسلتهم الحكومة للخارج إلى الآن فوق المائة والعشرين ألف سعودي وسعودية، يدرسون في جامعات العالم. وفي أقل من عشر سنوات، رفع عدد الجامعات الحكومية من سبع إلى سبع وعشرين. والثالثة وضع مخصصا ضخما خارج الميزانية لتطوير التعليم، عشرة مليارات ريال في المرة الأولى (نحو ثلاثة مليارات دولار). وبعد أن استهلكت عاد وخص التطوير بثمانين مليار ريال أخرى (نحو خمسة وعشرين مليار دولار). أيضا، يفترض أن تنفق فقط على تطوير التعليم، وذلك فوق ميزانية وزارة التربية والتعليم السنوية، وقدرها مائة وواحد وعشرون مليار ريال، ويذهب معظمها مرتبات ونفقات ثابتة.
الثمانون مليار ريال الإضافية مبلغ ضخم بكل الحسابات المالية، هدفه تغيير وجه التعليم، بتطويره يتم تطوير البلد، والانتقال إلى تاريخ جديد، وإلى دولة تقوم على العلم، وعلى مواطنيها. هذا هو بترول السعودية الحقيقي ومستقبلها، وليست المباني الضخمة والشوارع الفسيحة، التي تصبح خرابا عندما يصبح سعر برميل النفط دولارا واحدا، ولا يبقى إلا عقل الإنسان وقدرته على الإبداع والتطوير والإنتاج.
ولحسن الحظ أن التعليم هو أساس مشروع الملك عبد الله بن عبد العزيز النهضوي. اهتم به أكثر من أي قطاع آخر، ولا عذر للتقاعس أو التعثر.
وهذا يبرر لنا أن نطلب الكثير من الإيضاح حول ماهية المشروع الجديد وتفاصيله، كيف يمكن نقل التعليم من حالته العادية ليغير واقع البلاد ومستقبلها؟ المعلومات التي قرأتها خطوط عامة، لا تكفي للحكم عليه، تلخص مجالات إنفاق المخصص الذي أعلنه الملك لتطوير التعليم. ولا بد من القول إنها جميعا أفكار تعكس «حاجات قطاع التعليم»، مهمة لكنها لا تطور التعليم ولا المتعلمين، ولا تبدو لي المخصصات أنها بالأولوية التي نرجوها. العشرة مليارات الماضية ذهب كثير منها لبناء مدارس، ولم يتعلم أحد شيئا جديدا. وفي المشروع الجديد تتكرر الأفكار، المزيد من المباني الحديثة. إنما هذه المشاريع العقارية لا يمكن أن تحل مشكلة التعليم، النوعي والموجه. وللتذكير فأعظم المدارس في العالم ليست مباني فخمة، وأهم الجامعات في العالم مبانيها أقل من جامعاتنا من ذوات فنادق الخمسة نجوم، فالتعليم محتوى نوعي!
في الفاتورة سيذهب أضخم بند، 35 مليار ريال، للبناء والترميم وشراء أراض ونزع عقارات، أما العلاج الوحيد الشافي القادر على تغيير المملكة، أي التعليم الإلكتروني، فقد خصص له أكثر قليلا من مليار ريال لتجهيز ربع مليون فصل بتقنيات الفصول الذكية ومليار آخر لبناء ومد الشبكات! الذي نريده، ونطالب به بإلحاح، أن ينفق معظم الثمانين مليارا على «تطوير التعليم». وأنا لا أنتقص من حاجة البلاد لبناء مدارس جديدة لثلث الخمسة ملايين طالب وطالبة، ولا فتح نواد في الأحياء، أو رياض أطفال، وغيرها من قائمة المشتريات الطويلة والمبررة. وإذا كان الطالب لا يتعلم شيئا فعلا مفيدا، فلا قيمة للثلاجات والمكيفات والملاعب دون مناهج وعلوم وتقنيات جيدة وحديثة.
تغيير الوضع القائم يعني: تطوير المناهج، وتأهيل المعلمين، وتمكين التلاميذ من التحول من التعليم إلى التعلم. التعليم الإلكتروني سيسد النقص في القدرات المدرسية، المعامل والمختبرات والمكتبات، وسيعوض عن ضعف المدرسين، وسيوحد بين إمكانيات القرى الفقيرة والمدن الغنية، وسيهون من الفصول المزدحمة، وسيربط التعليم المحلي القديم بالعالمي المتطور والمتغير دائما، وسيضيق المسافة بين التلاميذ الصغار الأكثر تطورا تقنيا من مدرسيهم الأقل علما منهم، وسيقرب بين ألعاب الفيديو أكثر تطورا عقليا من المناهج الورقية الموروثة من القرن الماضي! سيمكن من تعليم العلوم، الفيزياء والكيمياء والرياضيات، والبقية الصعبة على مجتمع التعليم.
هذا إذا أردنا أن نسير خلف كوريا الجنوبية، لا أن نبقى مجرد دولة نفطية تعيش على عقول الغير وسواعدهم. خلال العقود الثلاثة كانت التهم تركل بين اللاعبين مثل كرة القدم، بين لوم للمناهج والمعلمين والوسائل. السوق تلوم الجامعات، وهي تلوم التعليم العام، والنتيجة فشل مستمر، ولا يصلح ملايين الخريجين لسوق العمل، بل لا يصلحون لأي شيء، وقد حان الوقت للتطوير. بالتحول نحو التعليم الحديث، الإلكتروني، راجعوا تجارب دول شمال أوروبا، ابحثوا عن النماذج الناجحة. هنا يمكن للمال أن يشتري وسائل التعليم.
لا أعتقد أن من المفيد تضييع وقتنا في تسييس الحديث، رأيي أن جريمة التعليم ليست محاولة اختطافه، ولا المباني المتهالكة، بل أسوأ من ذلك، إهمال تطويره سواء بسبب جهل القائمين عليه أو نقص الاهتمام به، وقف حتى صار من الماضي الذي لا يساير علوم العصر وحاجاته. لهذا أكل الزمن على المدارس، والمناهج، والمعلمين، ولا يمكن تضييق المسافة البعيدة إلا بالانتقال النوعي. ووزير التربية والتعليم الأمير خالد الفيصل إداري محارب، تعامل مع الشباب دائما في مشواره الإداري الطويل. وهذه البداية بمشروع تطوير التعليم أثارت حماس الجميع، مشروع قادر حقا على تغيير المملكة العربية السعودية. خمسة ملايين طالب وطالبة سيكبرون وسيكونون شعبا مؤهلا ناجحا، البلاد تعتمد عليهم لا هم يعتمدون عليها.

 

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

نريد تطوير التعليم لا تجميله نريد تطوير التعليم لا تجميله



GMT 14:55 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

بدعة النزاهة

GMT 12:21 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

نريد نتائج لا تنظيرًا

GMT 12:20 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

مرشحو الرحيل

GMT 12:19 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

مادورو على توقيت ترمب

GMT 12:18 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

القزويني والمياه الرقمية المُلوّثة

GMT 12:17 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

الفاشر وتغيّر قلوب الرجال

GMT 12:15 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

النشاز الإسرائيلي في الدبلوماسية الأميركية

GMT 12:14 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

الإلغاء لا يحل مشكلة القوائم

الرقة والأناقة ترافق العروس آروى جودة في يومها الكبير

القاهرة ـ لبنان اليوم

GMT 09:49 2020 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

يحاول أحد الزملاء أن يوقعك في مؤامرة خطيرة

GMT 13:56 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

تستفيد ماديّاً واجتماعيّاً من بعض التطوّرات

GMT 13:06 2020 الجمعة ,01 أيار / مايو

أبرز الأحداث اليوميّة

GMT 16:31 2019 الأربعاء ,01 أيار / مايو

فرص جيدة واحتفالات تسيطر عليك خلال هذا الشهر

GMT 12:08 2020 الثلاثاء ,02 حزيران / يونيو

شؤونك المالية والمادية تسير بشكل حسن

GMT 12:37 2020 الإثنين ,29 حزيران / يونيو

ابرز الأحداث اليوميّة

GMT 15:17 2020 الجمعة ,10 إبريل / نيسان

يحمل هذا اليوم آفاقاً واسعة من الحب والأزدهار

GMT 16:49 2021 الإثنين ,15 شباط / فبراير

تضطر إلى اتخاذ قرارات حاسمة

GMT 11:57 2020 الثلاثاء ,02 حزيران / يونيو

لا تكن لجوجاً في بعض الأمور

GMT 14:59 2020 الجمعة ,10 إبريل / نيسان

عليك أن تتجنب الأنانية في التعامل مع الآخرين
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
Pearl Bldg.4th floor, 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh, Beirut- Lebanon.
lebanon, lebanon, lebanon