اتهام الإعلام بالتهويل

اتهام الإعلام بالتهويل

اتهام الإعلام بالتهويل

 لبنان اليوم -

اتهام الإعلام بالتهويل

عبد الرحمن الراشد
بقلم - عبد الرحمن الراشد

الأكيد أنه لو امتنع كل شخص عن المخالطة الاجتماعية، لما انتشر «كورونا». ولو أن أحداً لم يخرج من المدينة الموبوءة، ووهان، لما صار «كورونا» وباءً.

كثيرون يلومون الإعلام على التعامل مع جائحة «كورونا المستجد»، وهي هواية مفضلة عند مَن لا يعمل فيه. يتهمونه بنشر الرعب في قلوب الناس، فتهدد المدن بالفوضى، من التدافع على الأسواق فارتفاع الأسعار، بل وانقطاع الإمدادات، وأن بث الهلع يدمر حياة الناس.
وفي هذا شيء من الصحة، إنما في التهمة مبالغة وتناقض في آن.
فرسالة الحكومات للناس «أن تحجر على نفسها في بيوتها»، من أجل سلامتهم. أغلبيتهم لم تفعل في البداية، مع وقف العمل، ملأ الناس الشواطئ والأسواق والمقاهي. جاءت النتيجة أسوأ مما خطط له. فاضطرت معظم الحكومات إلى إغلاق المحلات ووقف الخدمات. وحتى هذه لم تمنع نسبة من الناس من ممارسة حياتها العادية، واستمرّت التجمعات. مع مرور الوقت وارتفاع الإصابات، اتضح، بما لا يدع مجالاً للشك، أن هناك علاقة بين الخروج والتخالط وارتفاع الإصابات، لتفرض الجهات الرسمية الحظر الجزئي. وبعد تمعّن، تبين أن مدناً وأحياء انتشر فيها الوباء أكثر من غيرها بسبب التهاون واللامبالاة، لهذا تم استهدافها بالحظر الكامل الذي يمنع الخروج. لا نتوقع من الإعلام وسط هذه الإجراءات التي لا سابقة لها في العالم أن يقوم بدور المطمئن وتسويق الوهم بأن كل شيء على ما يرام، وترديد ما يقوله البعض بان «كورونا» لا يستحق هذه الفرقعة الإعلامية والإجراءات الحكومية المتشددة.
الرئيس الأميركي دونالد ترمب الذي اختار في البداية خطاب التهوين، وعندما وصلت إليه الإحصائيات التي تشير إلى كارثة كبرى ستصيب نيويورك، خرج للعلن وحذر بأنه سيفرض الحجر الكامل على المدينة، وبعدها بيوم تراجع. الحقيقة ليس لأن كل أهل نيويورك المكتظة بالسكان التزموا البقاء في منازلهم، بل لأن الحكومة لا تملك ما يكفي من العسكر لإجبار عشرة ملايين إنسان على عدم الخروج، بخلاف الصين؛ ففي مقاطعة هوبي، عاصمتها ووهان التي انطلق منها الفيروس، لجأت السلطات إلى القوة العسكرية لوقف الحياة العادية، وانتشر الجيش مسلحاً في الأحياء، وتم إغلاق كامل المدينة الموبوءة، وتم منع الناس بالقوة من الخروج، وجُرّ من بيته كل من عُرِف أنه يعاني من أعراض المرض للمستشفيات أو الحجر الصحي. ولو لم تفعل الصين ذلك، لربما صار عدد المصابين عشرات الملايين.
ما علاقة ذلك بالإعلام والتهمة الملصقة به؟ في ظل عدم استعداد معظم الحكومات أو عجزها عن مجاراة الصين، فإن التوعية والتحذيرات الصحية من أهم وسائل الوقاية، وإلا فإن الكارثة ستكبر. إن التهاون في إيصال رسائل إعلامية واضحة إلى ملايين الناس نتيجتها كارثية. ومن دونها، فإن العديد من أفراد المجتمع لن يتفاعل، وستستمر المقاهي والتسوق والتجمع ونشر الفيروسات على نطاق واسع جداً. لا بد أن تكون المعلومات صحيحة وصادقة مهما كانت صادمة. الخوف من «تخويف» الناس نتيجته سلبية، وهذه مسؤولية خطيرة في زمن الكوارث الكبرى. القرارات الحكومية القاسية تعكس القلق عند صُنّاع القرار، لأنهم يملكون معلومات كافية عن الآتي، وهنا يختلف القادة في تحملهم المسؤولية وإصدار القرارات الضرورية. ولا يمكن للإعلام بدوره أن يقنع الناس بتقبل النصح والتوجيهات دون أن يصارحهم مهما كانت الحقيقة مؤلمة. بوريس جونسون رئيس وزراء بريطانيا الذي ألقى خطاباً مكتوباً بعناية، قال كلاماً كثيراً، لكن المستمعين له استوقفتهم جملة روّعت الناس عندما رددتها وسائل الإعلام: «المزيد من العائلات ستفقد أحبة لها». واتهمه البعض باللامسؤولية لأن لندن، في اليوم التالي، صارت مدينة أشباح، وتوقفت حركتها التجارية. الحقيقة نعرفها اليوم، مرّ على الخطاب نحو عشرين يوماً، وفي المستشفيات 25 ألف مصاب، وحتى جونسون وعدد من قيادات حكومته أصيبوا أيضاً. الحقيقة أننا نواجه كارثة أخطر مما قلنا ويُقال.
ووظيفة الإعلام أن ينقل الأخبار مهما كانت سيئة أو مروّعة.

 

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

اتهام الإعلام بالتهويل اتهام الإعلام بالتهويل



GMT 00:53 2021 الأربعاء ,13 كانون الثاني / يناير

فخامة الرئيس يكذّب فخامة الرئيس

GMT 21:01 2020 الأربعاء ,23 كانون الأول / ديسمبر

بايدن والسياسة الخارجية

GMT 17:00 2020 الخميس ,17 كانون الأول / ديسمبر

أخبار عن الكويت ولبنان وسورية وفلسطين

GMT 22:48 2020 الثلاثاء ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

عن أي استقلال وجّه رئيس الجمهورية رسالته؟!!

GMT 18:47 2020 الأربعاء ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب عدو نفسه

الرقة والأناقة ترافق العروس آروى جودة في يومها الكبير

القاهرة ـ لبنان اليوم

GMT 12:25 2020 الثلاثاء ,04 شباط / فبراير

أخطاؤك واضحة جدّاً وقد تلفت أنظار المسؤولين

GMT 13:01 2020 الإثنين ,29 حزيران / يونيو

يبدأ الشهر مع تلقيك خبراً جيداً يفرحك كثيراً

GMT 06:15 2023 الثلاثاء ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

توقعات الأبراج اليوم الثلاثاء 21 نوفمبر/تشرين الثاني 2023

GMT 22:22 2016 الأربعاء ,10 شباط / فبراير

عطر Bamboo من Gucci الرقّة والقوّة في مزيج واحد

GMT 13:00 2021 الإثنين ,18 كانون الثاني / يناير

رحلة الى عالم أوميجا رؤية استباقيّة لمستقبل صناعة الساعات

GMT 05:00 2020 الإثنين ,05 تشرين الأول / أكتوبر

أصوات 20 ألف جزائري تحدد مصير جزيرة قرب أستراليا

GMT 21:50 2014 الإثنين ,02 حزيران / يونيو

"إل جي" تكشف رسميًا عن هاتفها "G3"
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
Pearl Bldg.4th floor, 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh, Beirut- Lebanon.
lebanon, lebanon, lebanon