الحج والنفط والمستقبل

الحج والنفط والمستقبل

الحج والنفط والمستقبل

 لبنان اليوم -

الحج والنفط والمستقبل

عبد الرحمن الراشد

 هناك ما قيمته أكثر من مائة مليار دولار مشاريع تحت التنفيذ اليوم، مرتبطة بالحج والعمرة، في مكة المكرمة والمدينة المنورة، من توسعة للمساجد، والساحات، ونزع الملكيات، وشق الجبال، وبناء المزيد من الطرق والعمارات الشاهقة، وشبكة من القطارات بين المدينتين، وقطارات أنفاق ضخمة.. كلها مجتمعة تمثل ربما أضخم عملية إنشاءات في العالم، وتفتح بابا واسعا لمفهوم السياحة الدينية.

الحج والعمرة هما المناسبتان اللتان لا تحتاجان إلى ترويج أو تسويق، فأعداد الراغبين في أدائهما دائما ستكون أكبر من مساحة المكان، مهما زادت توسعته وتحديثه. ففي العالم أكثر من مليار مسلم، والحج للديار المقدسة فريضة على المرء مرة واحدة في عمره، وكل عام يزداد إلحاح الراغبين في الحج أو العمرة ولا يجدون الفرصة. وهذا يوضح طبيعة التحديات التي تواجه المخططين، كتنظيم وبناء، فالمزيد من المساحات مطلوب، والمزيد من الأموال للتنفيذ والتشغيل والصيانة سيزداد مع الوقت. حاليا، تتمتع المملكة العربية السعودية بمداخيل جيدة من النفط تمكنها من البذل بسخاء لخدمة الحجاج والمعتمرين، وقد وضع الملك عبد الله مشروعا ضخما متكاملا لخدمة الحج ببنيان جعله من أعظم الإنجازات الإنشائية في التاريخ المعاصر.

ولأن فاتورة الحج والعمرة ستكون باهظة جدا، من تشغيل وصيانة، فكيف سيمكن تمويلها مستقبلا، خاصة مع احتمال انخفاض مداخيل النفط، وحتى دون انخفاضها فإن إنفاق الحكومة السنوي ستتنازعه حاجات أخرى لمواطنيها؟

تاريخيا، وحتى قبل الإسلام، وبعده، كان الحج مصدر دخل أساسيا لسكان الديار المقدسة، أما الآن فإنه يقوم بشكل شبه كامل على مخصصات الدولة، ولا بد أن تتغير المعادلة وتعود من جديد فيصبح الحج مصدر تمويل ودخل أساسيا.

كنت منذ سنوات قد تحدثت عن الفرصة الثمينة أمام الحكومة لتحقيق هدفين مهمين؛ المزيد من المعتمرين والمزيد من المداخيل.. بفتح الباب للعمرة تحديدا لملايين المعتمرين من أنحاء العالم، وتنظيمها اقتصاديا، بحيث تغطي تكاليفها. بذلك يمكن استيعاب المزيد، الذي هو مطلب ملح من العالم الإسلامي، وتصحيح الوضع لتكون مصدرا يتكفل بمشاريعها وخدماتها. وبعد أن حققت الدولة معظم أهدافها ببنية تحتية من توسعة الحرمين، وبناء خدمات متكاملة للحجيج والمعتمرين، أصبح بإمكانها أن تخطط لاستيعاب خمسين مليون معتمر سنويا يزورونها على مدى عشرة أشهر، من كل عام. هؤلاء يمكن أن يوفروا ما يعادل نصف مداخيل الدولة من النفط بسعر اليوم، والتي تصل إلى مائتي مليار دولار سنويا. وذلك بدلا من الخمسة ملايين معتمر سنويا، الذين يعتبرون رقما متواضعا، ويكلفون الحكومة مبالغ طائلة. ولا بد أن المصارف المتخمة بالأموال ستتحمس، مع بقية القطاع الخاص، لمشاريع خدمية متكاملة تحقق هذا الغرض، دون حاجة لدعم الحكومة.

أصبح ممكنا تبني سياسة مختلفة، اقتصاديا وإداريا، لتقديم مثل هذه الخدمة الجليلة بعد أن شرعت الحكومة في بناء شبكات المواصلات والنقل والمطارات الحديثة. سيستطيع القطاع السعودي الخاص الاستثمار في كل سلسلة مما يحتاجه الخمسون مليون معتمر من خدمات، ويتم تنظيمها بشكل مبكّر يحقق متطلبات الخدمات الأمنية والاستثمارية والتنظيمية، ويمكّن نصف مليار مسلم من أداء العمرة في كل عشر سنوات. هذه ليست أفكارا خيالية بعد أن أنجزت الكثير من المشاريع التي جعلت ممكنا تحقيق مثل هذه المعجزة السياحية دينيا. وبخلاف ما يشاع، بأن العامل المعطل لمضاعفة أعداد المعتمرين هو المحاذير الأمنية، فإن تأمين سلامة خمسة ملايين معتمر شهريا لن يكون أصعب من رعاية ثلاثة ملايين حاج في خمسة أيام في العام. لا توجد مشكلة حقيقية سوى البنية التحتية، وهذا أصبح من الماضي.

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الحج والنفط والمستقبل الحج والنفط والمستقبل



GMT 19:59 2025 الخميس ,11 كانون الأول / ديسمبر

عودوا إلى دياركم

GMT 19:58 2025 الخميس ,11 كانون الأول / ديسمبر

عفونة العقل حسب إيلون ماسك

GMT 19:57 2025 الخميس ,11 كانون الأول / ديسمبر

المفتاح الأساسي لإنهاء حرب السودان

GMT 19:56 2025 الخميس ,11 كانون الأول / ديسمبر

أميركا تناشد ‏الهند وباكستان تجنب «الانفجار المفاجئ»

GMT 19:55 2025 الخميس ,11 كانون الأول / ديسمبر

تجيير الهزيمة

GMT 19:53 2025 الخميس ,11 كانون الأول / ديسمبر

ليبيا والخطر على الهوية الوطنية والسياسية

GMT 19:52 2025 الخميس ,11 كانون الأول / ديسمبر

أميركا... «أطلس» يُحجّم ومونرو يُقدّم

GMT 19:51 2025 الخميس ,11 كانون الأول / ديسمبر

الهجرة إلى التاريخ في زمن الهزائم

الرقة والأناقة ترافق العروس آروى جودة في يومها الكبير

القاهرة ـ لبنان اليوم

GMT 07:08 2019 الأحد ,31 آذار/ مارس

شهر بطيء الوتيرة وربما مخيب للأمل

GMT 21:00 2021 الإثنين ,08 شباط / فبراير

يبدأ الشهر بيوم مناسب لك ويتناغم مع طموحاتك

GMT 13:38 2019 الثلاثاء ,17 أيلول / سبتمبر

أدوات سهلة وبسيطة تساعدك في تزين وتجميل حمام منزلك

GMT 16:54 2020 الخميس ,03 أيلول / سبتمبر

زيت الزيتون يساعدك في تنظيف المنزل

GMT 20:04 2019 الأربعاء ,24 إبريل / نيسان

مؤسس "حجر فى كل بيت" يكشف أهداف المبادرة الجمالية

GMT 04:06 2013 الإثنين ,09 أيلول / سبتمبر

مصالحة الغلابة!
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
Pearl Bldg.4th floor, 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh, Beirut- Lebanon.
lebanon, lebanon, lebanon