التاريخ يعيد نفسه في ليبيا

التاريخ يعيد نفسه في ليبيا

التاريخ يعيد نفسه في ليبيا

 لبنان اليوم -

التاريخ يعيد نفسه في ليبيا

بقلم:جمعة بوكليب

هناك مَثلٌ عربي قديم يقول: «أهلَكَ لا تَهْلَكْ»، يؤكد أنَّ الهلاكَ مصيرُ المرء من دون حماية ونُصرة أهله. هناك مشكلةٌ صغيرة تتعلَّق بتعريف الأهل، حين يتعلَّق النقاش بولاة الأمور. هل المقصود بالكلمة الأقربون من العائلة والعشيرة والقبيلة فقط أم كل أبناء الوطن؟ الفرق واضح بين المعنيين. الأول يُضيّقها، بحصرها فقط في أقرباء الدم، في حين أن الآخر يتسع متجاوزاً ذلك.

في صيف عام 1975، تمكّن العقيد معمر القذافي في ليبيا من حسم الصراع في مجلس قيادة الثورة، بالتخلص من رفاقه المنافسين له في المجلس، ونجاحه في إفشال انقلاب عسكري كانوا يدبرونه ضده. بعدها، خلا له الجو لكي يبسط نفوذه بالكامل على المجلس والجيش والبلاد ويستفرد بالسلطة، ويصبح الصقر الوحيد.

وفي تحليل ما حدث من تغييرات عقب تلك المعركة الدموية، أن العقيد القذافي بعد وقت من تدبر الأمر في رأسه، هداه تفكيره إلى المثل المذكور أعلاه. فالتجأ إلى الاستعانة بأهله. أي اقحام بعض أبناء عمومته في توطيد أركان حكمه ضماناً لبقائه. ثم اضطر إلى توسيع الدائرة قليلاً، بإقحام مناطق أخرى، وإحياء روابط دم قديمة.

بذلك الاختيار، وطَّد القذافي أركان حكمه.

تلك المعادلة المختلّة أدخلت ليبيا حقبة مناطيقية جهوية معتمة في تاريخها السياسي. خلالها تمّ إحياء ما كان قائماً في فترة الاستعمار الإيطالي من تحالفات جهوية سهّلت على الإيطاليين القضاء على حركة المقاومة ضدهم في غرب البلاد. في ليبيا ما بعد 2011، بدأ وكأن التاريخ يعيد نفسه، إذ أصبح أمراء الحرب ينتهجون النهج نفسه الذي كان سائداً قبل 2011، بعد أن كانت ليبيا توشك أن تكون لكل الليبيين من دون استثناء، تسلطت عليها الميليشيات والعصابات الإرهابية من كل حدب وصوب وظلت تتقاسم أموال البلاد من دون رحمة، استشرى الفساد، وعمَّت الفوضى، وهُرّب الوقود والدواء والغذاء إلى خارج الحدود. وأضحت البلاد كلها في متناول هذه العصابات التي جعلت حياة الناس بائسة ومتردية.

المراقب للمشهد الليبي الحالي يلاحظ وبوضوح، أن اللعبة المقيتة والخاسرة نفسها تتكرر حالياً وحرفياً شرقاً وغرباً.

من الممكن القول إن ما فعله القذافي في ليبيا حدث أيضاً في بريطانيا، خلال فترة حكم مارغريت ثاتشر في الثمانينات من القرن الماضي؛ حيث تبنّت سياسة مشابهة وبتغييرات تتفق وخصوصية الوضع البريطاني واختلافه عن نظيره في ليبيا. أي استبدال العامل الجهوي بالعامل الحزبي. وأذكر أن الكاتب الصحافي البريطاني هوغو يانغ كان أول من نبّه إليه في كتابه المعنون: «واحدٌ منّا». الكتاب أثار ضجة كبيرة، ونال جوائز عدة.

في ليبيا، في مرحلة ما بعد القذافي، بدا التاريخ كأنه يعيد نفسه كما أشرنا، وبشكل درامي؛ إذ اختارت النخب السياسية الجديدة السير على الطريق نفسه الذي اختطه القذافي.

في برقة وفزان الأمر ماثل للعيان، وفي طرابلس واضح وضوح الشمس.

حكومة طرابلس تفتقر إلى القوة العسكرية للتغلب على بقية المنافسين، والاستحواذ على الحكم، ولهذا السبب، لجأ رئيسها مؤخراً إلى تعويض ذلك بالعامل الجهوي، مع جماعات مسلحة من مدينة مصراتة. وفي زيارة قام بها إلى المدينة عقب أيام عيد الأضحى المبارك اتّفق معهم على تأسيس غرفة عمليات عسكرية مشتركة، تضطلع بمهمة القضاء على كل الأجسام المسلحة غير الرسمية في طرابلس. المفارقة أن رئيس حكومة طرابلس يدعو ويطالب بتخليص العاصمة من الجماعات المسلحة باللجوء إلى استخدام أخرى مسلحة من خارجها.

توريط مدينة مصراتة، من خلال التحالف مع بضع جماعات مسلحة منها، يدفعها إلى حفرة عداء مع طرابلس لا مخرج منها. الهدف غير المصرح به من العملية هو الحفاظ على بقاء حكومة الوحدة في الحكم، هذا أولاً. أما ثانياً، فهو السعي إلى خلق حالة فوضى واضطراب، تعوق أي جهود أممية لتشكيل حكومة جديدة لفترة زمنية محددة وبمهمة عقد انتخابات نيابية ورئاسية.

 

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

التاريخ يعيد نفسه في ليبيا التاريخ يعيد نفسه في ليبيا



GMT 14:55 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

بدعة النزاهة

GMT 12:21 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

نريد نتائج لا تنظيرًا

GMT 12:20 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

مرشحو الرحيل

GMT 12:19 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

مادورو على توقيت ترمب

GMT 12:18 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

القزويني والمياه الرقمية المُلوّثة

GMT 12:17 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

الفاشر وتغيّر قلوب الرجال

GMT 12:15 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

النشاز الإسرائيلي في الدبلوماسية الأميركية

GMT 12:14 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

الإلغاء لا يحل مشكلة القوائم

الرقة والأناقة ترافق العروس آروى جودة في يومها الكبير

القاهرة ـ لبنان اليوم

GMT 12:25 2020 الثلاثاء ,04 شباط / فبراير

أخطاؤك واضحة جدّاً وقد تلفت أنظار المسؤولين

GMT 13:01 2020 الإثنين ,29 حزيران / يونيو

يبدأ الشهر مع تلقيك خبراً جيداً يفرحك كثيراً

GMT 06:15 2023 الثلاثاء ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

توقعات الأبراج اليوم الثلاثاء 21 نوفمبر/تشرين الثاني 2023

GMT 22:22 2016 الأربعاء ,10 شباط / فبراير

عطر Bamboo من Gucci الرقّة والقوّة في مزيج واحد

GMT 13:00 2021 الإثنين ,18 كانون الثاني / يناير

رحلة الى عالم أوميجا رؤية استباقيّة لمستقبل صناعة الساعات

GMT 05:00 2020 الإثنين ,05 تشرين الأول / أكتوبر

أصوات 20 ألف جزائري تحدد مصير جزيرة قرب أستراليا

GMT 21:50 2014 الإثنين ,02 حزيران / يونيو

"إل جي" تكشف رسميًا عن هاتفها "G3"
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
Pearl Bldg.4th floor, 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh, Beirut- Lebanon.
lebanon, lebanon, lebanon