المشهد البريطاني تحت قبضة «الإصلاح»

المشهد البريطاني تحت قبضة «الإصلاح»

المشهد البريطاني تحت قبضة «الإصلاح»

 لبنان اليوم -

المشهد البريطاني تحت قبضة «الإصلاح»

بقلم:جمعة بوكليب

شهدت الساحة السياسية البريطانية مؤخراً حدثَين مهمَّين. تمثَّل الأول والأكثر إثارة للاهتمام في تبرُّع رجل أعمال بريطاني مقيم في تايلاند بمبلغ 9 ملايين جنيه إسترليني دفعة واحدة لصالح حزب «الإصلاح» البريطاني اليميني بقيادة نايجل فاراج. الحدث تاريخي، ويُعَدُّ الأول من نوعه في تاريخ التبرعات للأحزاب في بريطانيا.

أما الآخر فلا يقلُّ إثارة عن الأول، ويتمثَّل في مشروع قانون برلماني تقدَّم به نائب من حزب الديمقراطيين الأحرار يوم الثلاثاء المنصرم، يطلب من وزراء الحكومة التفاوض مع الاتحاد الأوروبي بشأن اتفاق يتعلق بالاتحاد الجمركي مع بروكسل. وصوَّت لصالح المشروع 100 نائب من أصل 650 في البرلمان.

تزامن ذلك في اليوم نفسه مع خطاب ألقته زعيمة حزب المحافظين، كيمي بادنوك، في لندن، اعترفت فيه لأول مرة بأن «بريكست» كان أحد ثلاثة عوامل تسبَّبت في إحداث صدمة للاقتصاد البريطاني، والعاملان الآخران هما «كوفيد-19» والأزمة المالية. علماً بأن بادنوك كانت من المؤيدين لـ«بريكست»، وهذه هي المرة الأولى التي تعترف فيها علناً بتأثيره السلبي على الاقتصاد البريطاني.

أحدث التبرُّع المالي غير المسبوق في تاريخ بريطانيا لحزب نايجل فاراج هزَّة غير عادية، وحظي باهتمام إعلامي لافت. وفي الوقت نفسه، رفع فجأةً من حظوظ الحزب اليميني الانتخابية، في وقتٍ هو أحوج ما يكون فيه إلى المال من جهة، ومساعدته من جهة أخرى على تجاوز فضيحة اتهام مدير الحزب في مقاطعة ويلز بتسلّم رشوة من المخابرات الروسية، والحكم عليه بالسجن لمدة عشر سنوات مع التنفيذ.

اللافت للاهتمام أن رجل الأعمال المتبرع بالمال لحزب «الإصلاح» البريطاني، حسب التقارير الإعلامية، لا يريد في المقابل أي شيء من الحزب. وهو أمر لا يتسق ومنطق الأشياء، إذ من المعروف أن علاقات رجال الأعمال بالأحزاب السياسية، سواء في بريطانيا أو غيرها من البلدان، قديمة وقائمة على مبدأ معترف به، وهو «المال مقابل خدمات». أما التبرُّع بمبلغ غير مسبوق من دون مقابل لأي شيء، فكأنه صدقة أو إحسان، أو كذئب يتطوَّع مجاناً لرعاية زريبة أغنام وحمايتها. وتكمن أهمية المال في دول الغرب وأميركا في أنه يفتح أمام أصحابه أبواب الحاكمين، ويتيح لهم اكتساب النفوذ في دواوين الحكومات والتأثير على سياستها لخدمة مصالحهم، أو يقرّبهم من فرص نيل ألقاب شرفية على الأقل.

ما يزال حزب «الإصلاح» البريطاني، منذ أشهر، يتربَّع على قمة نتائج استطلاعات الرأي العام بفارق ملحوظ في النقاط عن الحزبَين الرئيسيين، وقد بدأ الاستعداد لخوض غمار الانتخابات المحلية في شهر مايو (أيار) المقبل. ومن المتوقَّع، حسب آراء المحللين، أن يُحدِث صدمة انتخابية.

ومن المفيد الإشارة إلى أن الانتخابات المحلية المقبلة، حسب آراء المحللين والمعلقين، يتوقَّف عليها مصير رئيس الحكومة السير كير ستارمر، وكذلك مصير زعيمة المحافظين كيمي بادنوك. تشير التوقعات الأولية إلى أن الحزبين الرئيسيين سيتعرضان لخسارة كبيرة لصالح حزبَي «فاراج اليميني» و«الخضر اليساري». وأن الخسارة المتوقعة -ما لم يُتدارَك الموقف- ستؤدي إلى نفاد صبر نواب المقاعد الخلفية في الحزبَين، والسعي لسحب الثقة منهما. ويبدو ذلك مؤخراً أكثر وضوحاً في تململ نواب المقاعد الخلفية في حزب العمال الحاكم منه في حزب المحافظين. ويعود السبب في ذلك إلى تباطؤ الحكومة في إنجاز ما وعدت به في برنامجها الانتخابي، إذ لم يتحقَّق شيء منه على أرض الواقع.

ثمَّة مبدأ متَّفق عليه في بريطانيا، وهو أن العام الأول من عمر أي حكومة جديدة يكون عام إصدار القوانين وتمريرها عبر البرلمان بغرفتَيه، وأن العام الثاني من عمرها يكون مخصَّصاً لتنفيذ تلك القوانين وتطبيقها، بحيث تُثمر خلال السنوات الثلاث الباقية من عمر البرلمان، وتمنح الحكومة فرصة الفوز في الانتخابات الجديدة.

وتتفق التقارير الإعلامية على اختلافها على أن العد التنازلي قد بدأ للزعيم العمالي ستارمر، وأن قوائم جديدة بأسماء مرشَّحين للحلول مكانه قد بدأت الظهور والتداول بين النواب.

كل هذه التطورات مجتمعة ترسم مشهداً سياسياً بريطانياً معتماً. إنها لا تشير فقط إلى تحوُّل في مزاج الناخب البريطاني المرهق بتكاليف المعيشة وأزمة السكن وتفاقم الهجرة بأشكالها، بل تُثير خشيةً من أنها تنذر ضمنياً بنهاية حقبة سياسية بدأت منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، أي بتفكيك هيكلي لمؤسسة الحكم في بريطانيا، كما عرفناها لعقود. الانتخابات المحلية في مايو 2026 لن تكون مثل سابقاتها، مجرد بالون اختبار لقياس شعبية الحكومة، بل ربما ستكون صافرة النهاية لجيل من القادة السياسيين، وبداية لعهد قد يكتب فيه نايجل فاراج المشهد البريطاني القادم.

 

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

المشهد البريطاني تحت قبضة «الإصلاح» المشهد البريطاني تحت قبضة «الإصلاح»



GMT 22:09 2025 الأحد ,14 كانون الأول / ديسمبر

سنوات الهباء

GMT 21:09 2025 الأحد ,14 كانون الأول / ديسمبر

حضرموت ومنطق الدولة

GMT 20:52 2025 الأحد ,14 كانون الأول / ديسمبر

عن هجاء «النظام الطائفي» في لبنان

GMT 20:51 2025 الأحد ,14 كانون الأول / ديسمبر

الغرب يعالج مشاكله... على حساب الآخرين!

GMT 20:49 2025 الأحد ,14 كانون الأول / ديسمبر

أفكار حول التطوّر التقني وحيرة الإنسان

GMT 20:48 2025 الأحد ,14 كانون الأول / ديسمبر

بدور نسجت تاريخها

GMT 20:45 2025 الأحد ,14 كانون الأول / ديسمبر

على وزن المطار السري

GMT 20:40 2025 الأحد ,14 كانون الأول / ديسمبر

البحث عن تفسير

الرقة والأناقة ترافق العروس آروى جودة في يومها الكبير

القاهرة ـ لبنان اليوم
 لبنان اليوم - الجزر وفيتامين A عنصران أساسيان لصحة العين وتحسين الرؤية

GMT 13:42 2020 الإثنين ,29 حزيران / يونيو

يحذرك هذا اليوم من المخاطرة والمجازفة

GMT 10:45 2020 السبت ,29 شباط / فبراير

التصرف بطريقة عشوائية لن يكون سهلاً

GMT 17:53 2020 الثلاثاء ,27 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج العذراء الإثنين 26 تشرين الثاني / أكتوبر 2020

GMT 16:53 2021 الثلاثاء ,05 كانون الثاني / يناير

فساتين زفاف من جيني بايكهام لخريف 2021

GMT 16:44 2018 الثلاثاء ,23 كانون الثاني / يناير

تسريب صور مخلة للآداب للممثلة السورية لونا الحسن

GMT 21:23 2019 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

جبران باسيل يلتقي وكيل وزارة الخارجية الأميركية

GMT 16:36 2019 الثلاثاء ,22 كانون الثاني / يناير

النجمة يستعير لاعب الترجي التونسي شاونا

GMT 12:17 2019 الثلاثاء ,28 أيار / مايو

بوتين والسيسي يترأسان أول قمة روسية إفريقية

GMT 11:37 2017 الخميس ,05 تشرين الأول / أكتوبر

إنفوغراف 21
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
Pearl Bldg.4th floor, 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh, Beirut- Lebanon.
lebanon, lebanon, lebanon