سرقةُ متحف «اللوفر» ليست الأولى ولا الأخيرة

سرقةُ متحف «اللوفر» ليست الأولى ولا الأخيرة

سرقةُ متحف «اللوفر» ليست الأولى ولا الأخيرة

 لبنان اليوم -

سرقةُ متحف «اللوفر» ليست الأولى ولا الأخيرة

بقلم:جمعة بوكليب

الذين يعرفون النزعة السوريالية في الأدب والفنّ يعرفون بلا شك مؤسسها الفرنسي الشاعر أندريه بريتون. ولو كان الأخير حيّاً بيننا هذه الأيام، لكان اقتنع بأن السرقة الأخيرة بمتحف «اللوفر» الفرنسي (يوم الأحد 19 أكتوبر/تشرين الأول المنصرم) ربما فاقت في غرائبيتها بعض ما أبدعه الفنانون والشعراء السورياليون.

متحف «اللوفر» الذي حفظ لنا روايات وقصص وتواريخ من سبقونا وإنجازاتهم وإبداعاتهم تحوّل بذاته، عقب السرقة، إلى رواية تتناقلها الألسن ووسائل الإعلام.

السرقة المذكورة ليست الأولى، وبالتأكيد لن تكون الأخيرة، إلا أنها تثبت صحة ما يؤكده مثل شعبي ليبي قديم يؤكد أن «السارق يغلب العَسّاس». وتؤكد أيضاً على حقيقة - إما متجاهلة أو متناساة - وهي أن ما يحدث في الواقع من أمور وغرائب أكثر فانتازيا من شطحات الخيال في الروايات والقصص الأدبية. وهي تفضي إلى استنتاج مفاده أن البساطة في التفكير والسرعة في التنفيذ قادرتان، كما اتضح، على صنع ما يشبه المعجزات. فاللصوص تجاوزوا كل حسابات المنطق والتعقيد، فكان فعلهم، في بساطته ودهائه، أقرب إلى ضرب من الخيال السوريالي. هذه ليست دعوة مفتوحة للتشجيع على امتهان السرقة، وليست كذلك مَدحاً مجّانياً للصوص الأربعة الذين تمكنوا في عشر دقائق من سرقة مجوهرات تقدّر قيمتها السُّوقية بنحو ثمانية وثمانين مليون يورو، وقيمتها التاريخية لا تقدّر بثمن، من متحف «اللوفر» في باريس في الأيام الماضية، في وضح النهار، وتحت أعين كاميرات المراقبة الإلكترونية؛ كونهم تصرفوا وكأنهم عمال صيانة جاءوا لأداء مهمة مكلفين بها. وفي خلال عشر دقائق أنهوا ما جاءوا لأجله.

موعد السرقة، وفقاً لتقارير إعلامية، تزامن مع اقتراب «عيد الهالوين» حيث يرتدي الأطفال أزياء غريبة ومخيفة احتفالاً به. التقارير ذكرت أن الأطفال في فرنسا عقب انتشار قصة السرقة، سارعوا إلى اقتناء وارتداء الأزياء نفسها التي ارتداها اللصوص وقت ارتكابهم الجريمة.

المتاحف على اختلافها فضاءات مفتوحة للجمهور، ومحتوياتها عرضة للسرقة. التقارير تذكر أن عدد المتاحف التي تعرضت للسرقة منذ عام 2017 بلغ 20 متحفاً. متحف «اللوفر»، وفق التقارير الإعلامية، فضاء بمساحة 70 ألف متر مربع، ويحتوي على 30 ألف قطعة فنّية؛ أي إنّه يُعدّ الأكبر مساحة وقيمة بين متاحف العالم وأكثرها شُهرة. وتعرّض مرّات عدة للسرقة. لذلك السبب، يتوقع المرء أن يكون أكثرها تجهيزاً لحراسة الكنوز الفنية الأثرية التي يضمها في صالاته وبين جدرانه. لكن السرقة الأخيرة أبانت العكس. وكشفت أن اللصوص يعرفون هذه الحقيقة، واستغلّوها بمهارة، وفرّوا هاربين بكنز من الجواهر التاريخية الثمينة، سواء أكانوا على علم بقيمتها التاريخية أم لا.

بعد أسبوع من الإغلاق، قرر المسؤولون عن المتحف فتح أبوابه مجدداً أمام الجمهور، وتركوا لأجهزة الأمن الفرنسية تدبير الأمر وملاحقة اللصوص. الأجهزة الأمنية بدورها وصلت إلى قناعة بأن اللصوص لن يمكنهم بيع الجواهر المسروقة على حالها؛ لأنها معروفة، وأنهم سيلجأون إلى تايلاند أو الهند بغرض قطعها قطعاً صغيرة بغرض التمويه حتى يسهل بيعها. هل هذا يعني أن القلائد التاريخية صارت في حكم العدم؟

من جهة أخرى، فإن رجال الأمن الفرنسيين على عواتقهم تقع مسؤولية القبض على اللصوص واسترجاع المسروقات إن أمكن. في نشرات أخبار يوم الأحد الماضي، علمنا أن الأجهزة الأمنية الفرنسية استطاعت القبض على مشتبَهين؛ أحدهما اعتُقل في مطار شارل ديغول لدى محاولته مغادرة فرنسا، وقيل إنه لص بسجل معروف، ومن أصل نيجيري، وكان في طريقه إلى الجزائر. بداية مشجّعة لمهمة بدت لكثيرين وكأنها مطاردة أشباح.

لا ننسَ دور المؤرخين في الأمر؛ إذ يُتوقع منهم تولي مهمة التفسير والشرح، وربما التبرير، لتأخذ رواياتهم مكانها إلى جانب صور القطع المسروقة في صفحات التاريخ. وبذلك، فبدلاً من حُليّ كانت تزين أعناق أميرات وزوجات قادة عظام، تتحول الجواهر المسروقة إلى حُليّ تزين الصفحات، مما يعني أن سرقتها من متحف «اللوفر» لن تمحوها من ذاكرة التاريخ، وفي ذلك عزاء.

 

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

سرقةُ متحف «اللوفر» ليست الأولى ولا الأخيرة سرقةُ متحف «اللوفر» ليست الأولى ولا الأخيرة



GMT 14:55 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

بدعة النزاهة

GMT 12:21 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

نريد نتائج لا تنظيرًا

GMT 12:20 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

مرشحو الرحيل

GMT 12:19 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

مادورو على توقيت ترمب

GMT 12:18 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

القزويني والمياه الرقمية المُلوّثة

GMT 12:17 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

الفاشر وتغيّر قلوب الرجال

GMT 12:15 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

النشاز الإسرائيلي في الدبلوماسية الأميركية

GMT 12:14 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

الإلغاء لا يحل مشكلة القوائم

الرقة والأناقة ترافق العروس آروى جودة في يومها الكبير

القاهرة ـ لبنان اليوم

GMT 22:24 2021 الأحد ,10 كانون الثاني / يناير

تتمتع بالنشاط والثقة الكافيين لإكمال مهامك بامتياز

GMT 00:05 2020 السبت ,24 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج الجوزاء الإثنين 26 تشرين الثاني / أكتوبر 2020

GMT 20:45 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

أفضل الوجهات العربية لقضاء خريف معتدل ومليء بالتجارب الساحرة

GMT 08:41 2018 السبت ,15 كانون الأول / ديسمبر

أحمد في ورطة؟

GMT 18:57 2025 الأحد ,05 تشرين الأول / أكتوبر

موديلات عبايات لصيف 2025 ستجعلك تبدين أصغر سناً

GMT 13:03 2020 الإثنين ,07 كانون الأول / ديسمبر

زاهى حواس يكشف طلب الرئيس السادات عندما زار المتحف المصرى

GMT 14:57 2021 الإثنين ,04 تشرين الأول / أكتوبر

حريق داخل بسطة خضار بداخلها غالونات بنزين ومازوت في بعبدا

GMT 23:57 2020 الأربعاء ,08 إبريل / نيسان

5 نصائح تمكنك من الانسجام والتفاهم مع شريك حياتك

GMT 22:53 2021 الإثنين ,08 آذار/ مارس

انا والكورونا و المرأة في يومها العالمي

GMT 16:11 2022 الجمعة ,20 أيار / مايو

لبنان يوجه ضربة مزدوجة لطهران
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
Pearl Bldg.4th floor, 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh, Beirut- Lebanon.
lebanon, lebanon, lebanon