أعلامٌ تُوحّد وتُفرّق

أعلامٌ تُوحّد وتُفرّق

أعلامٌ تُوحّد وتُفرّق

 لبنان اليوم -

أعلامٌ تُوحّد وتُفرّق

بقلم:جمعة بوكليب

الأعلامُ راياتٌ ابتدعتها الأمم قديماً لتكون رموزاً تُعرّف بجماعات وشعوب وأمم وطوائف وجيوش وتميّزها عن غيرها. المتجمّعون حول راية أو عَلَم يلتقون تحت رمز، معبّرين بذلك عن شعور بالانتماء لما يمثله، سواء أكان بلداً أو عقيدة دينية أو آيديولوجيا. الأناشيد الوطنية جاءت في مرحلة لاحقة لتعزز وتؤكد على معنى الرمز - العَلم، وتزيد في قوة الشعور بالانتماء.

من طبيعة الأنظمة والحركات والأحزاب القومية أنّها شوفينية، تعمل على تضييق معنى الوطن والمواطنة حتى يصنّف كل من لا يجتمع تحت شعاراتها وراياتها خائناً أو غير منتمٍ للوطن. ويتحوّل بقية العالم إلى أعداء. ولذلك السبب، كان للعَلم دورٌ بارز فيها. الحركات والأحزاب الشعبوية اليمينية التي تطفو حالياً في مختلف الساحات الأوروبية وأميركا تدخل ضمن هذا التصنيف.

الرئيس الفرنسي الأسبق الجنرال شارل ديغول في خطاب ألقاه لدى استقالته في عام 1969 حاول التفريق بين مفهوم الوطنية ومفهوم القومية حيث قال: «الوطنية هي أن يأتي حبّ شعبك في المقام الأول. والقومية أن تأتي كراهية الشعوب الأخرى عندك في المقام الأول». القوميون الشوفينيون والشعبويون مزجوا التعريفين عمداً في تعريف واحد، وضيّقوه عِرقيّاً، بإقصاء المهاجرين على اختلافهم، حتى من ولدوا وعاشوا بينهم.

يوم 13 سبتمبر (أيلول) الجاري، شهدت العاصمة البريطانية واحدة من أكبر المظاهرات التي نظمها وقادها اليمين المتطرف، للمطالبة بحرّية التعبير، حسب زعمهم. أكثر من 150 ألف متظاهر حضروا المظاهرة، حسب إحصاءات الشرطة اللندنية.

رغم سيطرة اليمين المتطرف على المظاهرة، من خلال الدعوة لها وتنظيمها، فإنه من الإنصاف القول إن آلافاً آخرين التحقوا بهم من لندن وخارجها لسبب آخر وهو الاحتجاج ضد فشل الحكومة في السيطرة على الهجرة غير القانونية. المظاهرة تميزت بشيئين أثارا الاهتمام والاستغراب في آن. الأول الأعلام. إذ تحولت شوارع لندن إلى غابة كثيفة من أعلام الاتحاد البريطاني، وأعلام إنجلترا-راية القديس جورج البيضاء ويتوسطها طولاً وعرضاً صليب أحمر اللون. الأعلام كانت بأحجام مختلفة، استحوذت على المشهد بشكل لافت. الثاني هو لجوء العديد من المتظاهرين إلى حمل صلبان خشبية كبيرة تحمل العلم البريطاني أو راية القديس جورج. وهي ظاهرة تكاد تكون غير معروفة، لكنها تحمل رسالة خطرة إلى كل من لا ينتمي للدين المسيحي. الأمر الذي استهجنه قادة رجال الدين في بريطانيا من المذهبين البروتستانتي والكاثوليكي وأدانوا الزج بالمسيحية وبالسيد المسيح في مظاهرة سياسية وبأهداف تتعارض والتسامح.

قبل المظاهرة بأسابيع قليلة شهدت الساحة السياسية والإعلامية البريطانية جدالاً كبيراً تمحور حول رمزية عَلم إنجلترا -راية القديس جورج- ومعناه.

إذ حرصت الجماعات اليمينية المناوئة للمهاجرين على الخروج في احتجاجات، اتسم بعضها بالعنف، أمام الفنادق التي تؤوي المهاجرين في عديد من المدن، وتميّز خروجهم برفع أعلام إنجلترا والتلويح بها وبشكل لافت. الأمر الذي أدّى سريعاً إلى تدخل وزيرة الداخلية آنذاك، ووزيرة الخارجية حالياً إيفييت كوبر، في مقابلة تلفزيونية بتأكيدها على رفض تحويل علم إنجلترا إلى رمز عزل وإقصاء في المجتمع البريطاني.

وعقب ذلك سارع رئيس الحكومة السير كير ستارمر بالتدخل بتأكيده هو الآخر على افتخاره بعلم إنجلترا، ورفضه أن يتحوّل إلى رمز للإقصاء والعزل العرقي.

الذين يرفعون العَلم الإنجليزي أو علم الاتحاد البريطاني من اليمين المتطرف كانوا يعنون بالتلويح به معنىً مختلفاً عما يعنيه خصومهم اليساريون. الأولون يعنون به أن إنجلترا لسكانها الأصليين فقط، الذين تشملهم راية القديس جورج بالرعاية والحماية والانتماء. والآخرون يعنون به أن علم الاتحاد البريطاني رمز لكل من يعيشون في الجزر البريطانية، مهما اختلفت أعراقهم وألوان جلودهم.

المثير للانتباه أن نشطاء اليمين المتطرف حرصوا في البداية على رفع علم القديس جورج - علم إنجلترا. ثم حين تعرضوا للانتقاد صاروا يرفعون كذلك علم الاتحاد البريطاني. وفي الوقت ذاته حرص خصومهم في البداية على التظاهر رافعين أعلام الاتحاد البريطاني، ثم انتبهوا إلى أن الإقصائيين المناوئين للمهاجرين يرفعون راية القديس جورج، فقرروا رفعها أيضاً مع عَلم الاتحاد البريطاني، كي لا تتحول إلى راية إقصاء وعزل!

اللافت للاهتمام أن التنافس حول معنى راية القديس جورج أدى بوسائل الإعلام البريطانية إلى نشر تقارير سلطت الكثير من الضوء على القديس جورج، وكشفت أنّه من أصول شرق أوسطية، ولم يضع قدماً في بريطانيا. والأهمُّ أنّه ليس أبيض البشرة.

 

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أعلامٌ تُوحّد وتُفرّق أعلامٌ تُوحّد وتُفرّق



GMT 14:55 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

بدعة النزاهة

GMT 12:21 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

نريد نتائج لا تنظيرًا

GMT 12:20 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

مرشحو الرحيل

GMT 12:19 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

مادورو على توقيت ترمب

GMT 12:18 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

القزويني والمياه الرقمية المُلوّثة

GMT 12:17 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

الفاشر وتغيّر قلوب الرجال

GMT 12:15 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

النشاز الإسرائيلي في الدبلوماسية الأميركية

GMT 12:14 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

الإلغاء لا يحل مشكلة القوائم

الرقة والأناقة ترافق العروس آروى جودة في يومها الكبير

القاهرة ـ لبنان اليوم

GMT 09:49 2020 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

يحاول أحد الزملاء أن يوقعك في مؤامرة خطيرة

GMT 13:56 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

تستفيد ماديّاً واجتماعيّاً من بعض التطوّرات

GMT 13:06 2020 الجمعة ,01 أيار / مايو

أبرز الأحداث اليوميّة

GMT 16:31 2019 الأربعاء ,01 أيار / مايو

فرص جيدة واحتفالات تسيطر عليك خلال هذا الشهر

GMT 12:08 2020 الثلاثاء ,02 حزيران / يونيو

شؤونك المالية والمادية تسير بشكل حسن

GMT 12:37 2020 الإثنين ,29 حزيران / يونيو

ابرز الأحداث اليوميّة

GMT 15:17 2020 الجمعة ,10 إبريل / نيسان

يحمل هذا اليوم آفاقاً واسعة من الحب والأزدهار

GMT 16:49 2021 الإثنين ,15 شباط / فبراير

تضطر إلى اتخاذ قرارات حاسمة

GMT 11:57 2020 الثلاثاء ,02 حزيران / يونيو

لا تكن لجوجاً في بعض الأمور

GMT 14:59 2020 الجمعة ,10 إبريل / نيسان

عليك أن تتجنب الأنانية في التعامل مع الآخرين

GMT 15:32 2024 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية مميزة توفر متعة التزلج في فصل الشتاء

GMT 16:53 2018 الجمعة ,21 كانون الأول / ديسمبر

سعد الحريري يتوقع تشكيل حكومته الجديدة مساء الجمعة

GMT 10:29 2017 الخميس ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

الشمبانزي قادرة على تقييم المخاطر وتحذير أقرانها

GMT 20:51 2019 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

طائرة الجزائر يواجه الكاميرون في الالعاب الأوليمبية 2020
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
Pearl Bldg.4th floor, 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh, Beirut- Lebanon.
lebanon, lebanon, lebanon