الإصْلاحُ الاقتصَاديُّ عندَ العَربِ فِي الجَاهليَّة

الإصْلاحُ الاقتصَاديُّ عندَ العَربِ فِي الجَاهليَّة

الإصْلاحُ الاقتصَاديُّ عندَ العَربِ فِي الجَاهليَّة

 لبنان اليوم -

الإصْلاحُ الاقتصَاديُّ عندَ العَربِ فِي الجَاهليَّة

بقلم:تركي الدخيل

كَانَ آدمُ سميث مِنْ أَبرَزِ مَنْ عَزَّزَ فِكْرَةَ «الإصْلَاح الاقتصادي» وَأهميَّتِهِ في كِتَابِهِ «ثروة الأمم» الّذِي نَشَرَهُ عَامَ 1776م، لَكِنَّ هَذِهِ الفِكْرَةَ تَبْدُو قَدِيمَةً؛ فَقَدْ ذُكِرتْ فِي الشِّعْرِ الجَاهِلِيّ، وَجَاءَتْ فِي شِعْرِ المُتَلَمِّسِ، وَذَلِكَ فِي قَولِهِ:

قَلِيلُ المَالِ تُصْلِحُهُ فَيَبْقَى

وَلَا يَبْقَى الْكَثِيرُ مَعَ الفَسَادِ

وَالمُتَلَمِّسُ (تُوُفِّيَ نَحْوَ 50 ق.هـ = نحو 569م)، واسْمُهُ: جَرِيرُ بنُ عَبْدِ المَسِيحِ مِنْ بَنِي ضُبَيعَةَ، شَاعِرٌ جَاهِلِيٌّ شَهِيرٌ؛ ذَكَرَهُ الجُمَحِيُّ فِي الطَّبَقَةِ السَّابِعَةِ مِنْ شُعَرَاءِ الجَاهِلِيَّةِ، وَقَالَ: مُحْكِمٌ مُفلِقٌ، فِي أشْعَارِهِ قِلَّة، وَهُوَ خَالُ طَرَفَةَ بنِ العَبْدِ. وَإنَّمَا سُمِّيَ المُتَلَمِّسَ لِقَوْلِهِ:

فَهَذَا أَوانُ العِرْضِ جُنَّ ذُبابُهُ

زَنابِيرُهُ والأزْرَقُ المُتَلَمِّسُ

قَالَ الخَلِيلُ بنُ أَحْمَدَ: أَحْسَنُ مَا قَالَهُ المُتَلَمِّسُ:

وَأَعلَمُ عِلمَ حَقٍّ غَيرَ ظَنٍّ

وَتَقْوَى اللهِ مِنْ خَيْرِ العَتَادِ

لَحِفْظُ المَالِ أَيْسَرُ مِنْ بُغَاهُ

وَسَيْرٍ فِي البِلَادِ بِغَيْرِ زَادِ

وَإِصْلَاحُ القَلِيْلِ يَزِيْدُ فِيْهِ

وَلَا يَبْقَى الكَثِيْرُ مَعَ الفَسَادِ

وَيَبْدُو البَيْتُ بِصِيغَةٍ مُخْتَلِفَةٍ فِيمَا ذَكَرَ الفَرَاهِيدِي، عَنِ الصِّيغَةِ الّتِي ذَكَرْنَاهَا بِدَايَةً.

قَالَ عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ، رَضِيَ اللهُ عَنْهُ:

«لَا يَقِلُّ مَعِ الإصْلَاحِ شَيْءٌ وَلَا يَكْثُرُ مَعَ الإِفْسَادِ شَيْءٌ».

وَقَدْ قَالَ الشَّمَّاخُ بنُ ضِرَار:

لَمَالُ المَرْءِ يُصْلِحُهُ فَيُغْنِي

مَفَاقِرَهُ أَعَفُّ مِنَ القُنُوعِ

والقُنُوعُ: المَسألةُ. كَمَا قَالَ الأَصْمَعِيُّ. وَالمَعْنَى: أعفُّ مِنَ المَسْألَةِ.

وَذَكَرَ بَيْتَ القَصِيدِ، ابنُ قُتَيْبَةَ فِي «عيون الأخبار»: مِنَ «الأبياتِ الّتِي لَا مِثلَ لَهَا»، فَقَالَ: وَبَيْتُ المُتَلَمِّسِ فِي المَالِ وَتَثْمِيرِهِ. وَأَوْرَدَ البَيْتَ.

وَذَكَرَ أبُو بَكْرٍ الخَوَارِزْمِيّ، شَطْرَ بَيْتِ المُتَلَمِّسِ، فِي كِتَابِهِ: (الأمثَال المُولَّدة): «قَلِيلُ المَالِ تُصْلِحُهُ فَيَبْقَى».

وَنَقَلَ أَحْمَدُ الدّينُوريُّ:

أَنَّ الأَصْمَعِيَّ قَالَ: «أَحْسَنُ مَا قِيلَ فِي حِفْظِ الْمَالِ، قَوْلُ الْمُتَلَمِّسِ:

قَلِيلُ الْمَالِ تُصْلِحُهُ فَيَبْقَى

وَلا يَبْقَى الْكَثِيرُ مَعَ الْفَسَادِ

وَقَالَ أبُو عَلِيّ بنُ المُظَفَّرِ الحَاتِمِي، فِي «حلية المحاضرة»: وَأَشْرَدُ مَثَلٍ قِيلَ فِي حِفْظِ المَالِ وَتَثْمِيرِهِ قَوْلُ المُتَلَمِّسِ. وَأَوْرَدَ البَيْتَ.

قَالَ فِي «التَّذكرة الحَمْدُونِيَّة»: «وَمِنْ مَحَبَّتِهِمْ لِلْمَالِ وَالغِنَى أَمَرُوا بِإِصْلَاحِهِ، وَمِنْهُ البَيْتُ السَّائِرُ»، وَذَكَرَ البَيْتَ.

قَالَ البُلَغَاءُ: إِنَّ فِي إصْلَاح مَالِكَ جَمَالَ وَجهكَ، وَبَقَاءَ عِزِّكَ، وَنَقَاءَ عِرْضِكَ، وَسَلَامَةَ دِينكَ، وَطِيبَ عَيْشِكَ، وَبِنَاءَ مَجْدِكَ، فَأصْلِحْهُ إِنْ أردْتَ هَذَا كُلَّهُ.

وَفِي الْمَثَلِ: «احفظْ مَا فِي الْوِعَاء بِشدِّ الوِكَاء»، يُضْربُ فِي الْحَثِّ عَلَى أَخْذِ الْأَمْرِ بِالحَزْمِ.

وَقِيلَ: مَنْ أصْلَحَ مَالَه فَقَدْ صَانَ الأَكْرَمَين: الدِّينَ وَالْعِرضَ.

وَقِيلَ: التَّدْبِيرُ يُثمرُ التَّيْسِيرَ، والتَّبذِيرُ يُبردُ الْكَثيرَ، وَلَا جودَ مَعَ تَبذيرٍ، وَلَا بُخلَ مَعَ اقتصَادٍ، والاعْتدَالُ فِي الْجُودِ أَحْسَنُ مِنَ الاعْتدَاءِ علَى الْمَوْجُودِ، وّالرّزْقُ مَقْسُومٌ مَحْدُودٌ، فَمَرزُوقٌ وَمَحْدُودٌ. كَمَا ذَكَرَ أبُو الفَتْحِ العَبَّاسِي فِي (مَعَاهِدِ التَّنْصِيصِ عَلَى شَوَاهِدِ التَّلْخِيصِ).

 

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الإصْلاحُ الاقتصَاديُّ عندَ العَربِ فِي الجَاهليَّة الإصْلاحُ الاقتصَاديُّ عندَ العَربِ فِي الجَاهليَّة



GMT 14:55 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

بدعة النزاهة

GMT 12:21 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

نريد نتائج لا تنظيرًا

GMT 12:20 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

مرشحو الرحيل

GMT 12:19 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

مادورو على توقيت ترمب

GMT 12:18 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

القزويني والمياه الرقمية المُلوّثة

GMT 12:17 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

الفاشر وتغيّر قلوب الرجال

GMT 12:15 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

النشاز الإسرائيلي في الدبلوماسية الأميركية

GMT 12:14 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

الإلغاء لا يحل مشكلة القوائم

الرقة والأناقة ترافق العروس آروى جودة في يومها الكبير

القاهرة ـ لبنان اليوم

GMT 12:56 2020 الإثنين ,29 حزيران / يونيو

أبرز الأحداث اليوميّة

GMT 09:59 2024 الخميس ,26 أيلول / سبتمبر

أبرز العطور التي تتناسب مع أجواء الخريف

GMT 06:09 2020 الثلاثاء ,02 حزيران / يونيو

تقرير يكشف فوائد السمسم على صحة الجسم والبشرة

GMT 09:33 2025 الأحد ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

نانسي عجرم تتألق بصيحة الجمبسوت الشورت

GMT 10:11 2020 الأحد ,06 كانون الأول / ديسمبر

النواب الجدد

GMT 13:30 2016 الخميس ,01 كانون الأول / ديسمبر

"التكنولوجيا المريضة" آخر ما حرّف في كرة القدم

GMT 06:51 2012 الثلاثاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

700 جهاز كل دقيقة مبيعات "آي فون" في الصين

GMT 12:55 2018 الإثنين ,24 أيلول / سبتمبر

الجمعيات والمرافق الرياضية

GMT 14:42 2012 الأربعاء ,12 كانون الأول / ديسمبر

رانوكيا يتصدر قائمة أفضل المدافعين في أوروبا

GMT 12:26 2018 الإثنين ,24 كانون الأول / ديسمبر

"فولكس فاجن" تكشف عن سيارة كهربائية بسعر رخيص

GMT 20:49 2021 الإثنين ,04 كانون الثاني / يناير

نفوق أكثر من 1700 طائر مهاجر بسبب إنفلونزا الطيور في الهند

GMT 12:54 2020 الأربعاء ,15 كانون الثاني / يناير

الحريري يؤكد أنه لن يقبل أن يكون شاهد زور على مهمات مشبوهة

GMT 23:19 2020 الأحد ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

شغب وطعن واعتقالات.. مشاهد من ليلة متوترة في واشنطن
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
Pearl Bldg.4th floor, 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh, Beirut- Lebanon.
lebanon, lebanon, lebanon