«حزب الله» والجيش رأس السكّين

«حزب الله» والجيش... رأس السكّين

«حزب الله» والجيش... رأس السكّين

 لبنان اليوم -

«حزب الله» والجيش رأس السكّين

بقلم : فهد سليمان الشقيران

لم يكن تفجير مدينة صور في جنوب لبنان مفاجئاً لمن تتبع تصريحات مسؤولي «حزب الله». يأتي التفجير منسجماً مع المناخ الذي رسموه للأتباع... تصعيد ضد الجيش والمؤسسة واستهزاء بمفهوم الدولة. وبالتزامن مع مناخٍ تصعيدي خطير، يُستهدف، على حين غرّة، جنودٌ من الجيش اللبناني يؤدون مهامّهم الموكلة إليهم، والمتمثلة في إزالة ذخائر من داخل منشأة عسكرية تابعة لـ«حزب الله» في جنوب لبنان.

بدت معالجةُ الحادث ولملمتُه في البيانات الرسمية واضحتين من أجل ضمان عدم نشوب فتنة. يعبّر الحادث الإرهابي عن صراع إراداتٍ حقيقي في لبنان. وبمقارنةٍ سريعةٍ للأفكار التي طُرحت في ظرفِ أيامٍ فقط، نعثر على مشروعين يذكّران بالنظرية الهندسية: الخطّان المستقيمان لا يلتقيان أبداً، ومن خصائص هذين الخطين أن المسافة بينهما ثابتة، ولا توجد أي نقطةٍ مشتركة؛ يسيران حتى النهاية، ولكن مع استحالة الالتقاء.

من تلك «المشروعات» ما طرحه القيادي في «حزب الله» محمد رعد، وخلاصته أن تسليم السلاح أمرٌ مستحيل، وأنه إذا سلّم «حزب الله» السلاح، فعلى الجيش تسليم سلاحه أيضاً، وأن هذا المبدأ يعني الاستسلام، وأن نزع السلاح مثل تسليم الشرف، وأنه لو خيّر بين التسليم أو الموت، لاختار الموت... هذا؛ فضلاً عن الأوهام والتخيّلات التي لا تمتّ إلى الواقع ولا السياسة بصلة.

على الضفّة الأخرى، ثمة مشروعٌ ثانٍ طرحه كل من قائد «القوات اللبنانية» سمير جعجع، ورئيس «حزب الكتائب» سامي الجميل... نظريات مدنيّة قوامها التمسّك بمفهوم الدولة، وحصر السلاح بيد الدولة والمؤسسات الأمنية والجيش، والدخول في نقاشٍ بشأن المستقبل المنشود. والجميّل ذكّر «حزب الله» بما حدث عام 1990 حين أقصي تيار مسيحي جارف عن ممارسة العمل السياسي، وقال لـ«حزب الله» إنه «مع ذلك؛ نريدكم أن تتحولوا إلى حزبٍ سياسي يحترم الدستور، وينضوي تحت الدولة وتشريعاتها».

بين هذين المشروعين، بدا صراع الإرادات على أشدّه، وهذا مفهوم، خصوصاً أن لبنان يعيش فرصة تاريخية، لو فوّتها، فلن تتكرر إلا بعد عشرات السنين. إنها فرصة سانحة لمن يريد بناء الدولة. وما كان سلاح «حزب الله» فقط هو الإشكال الوحيد، بل هو مجرّد رأس جبل الجليد. ثمة طوام كبرى تسبب فيها... فبينما كانت الدولة تبذل جهداً حثيثاً لإزالة لبنان من «اللائحة الرمادية»، فإذا بالاتحاد الأوروبي يقرر وضعه على اللائحة السوداء. «الحزب»، في ذروة استهتاره بالدولة، افتتح «مؤسسة القرض الحسن» بترخيص «جمعيّة خيرية» مع أن «المؤسسة» تجري أعمالاً مصرفيّة، وهذه ليست فقط مخالفة للقانون، بل وجريمة ماليّة كبيرة.

إن فكرة تأسيس دولة ليست مستحيلة؛ ما الذي ينقص المجتمع اللبناني حتى يلحق بركب الدول من حوله التي عانت الأمرّين في بدايات التأسيس، ولكنها بعد جهدٍ حثيث وقوّة في الإرادة وصلت إلى ما تصبو إليه؟!

المشكلة الأساسية التي تبدّت الآن على نحوٍ غير مسبوق لبّها أن الصراع الآن في لبنان هو بين «محور الحياة» و«محور الموت»، وهذه ليست شتيمة، وإنما توصيف حقيقي، وحين يتحدّث قادة الأحزاب العلمانية أو المدنيّة عن الحياة والمشروعات والحرب على الفساد، والتعليم والطبابة والخدمات اليوميّة... يدخل المشروع الآخر ليتحدّث عن تفضيل خيار الموت على قوّة الدولة، ويثقّف مشاهديه بأدبيات الانتحار في حال أُجبر على الاختيار، ومن ثم الذهاب نحو أدبيات التهديد وتربية الأحقاد واجترار ذاكرة الانتقام. هنا نفهم أن الالتقاء بين هذين المشروعين شبه مستحيل، وأي تقاربٍ بين الإرادتين يحتاج إلى معجزة.

الخلاصة؛ أن بناء الدول يحتاج إلى إرادات مُنتصرة، تستطيع أن تفرض الأمر المدني الواقع من أجل مصلحة الجميع، ومن ثمّ، فعلى الآخرين الانضواء خلف هذه المسيرة، فالتاريخ قام على التغالب، وكل الدول التي نجحت في العالم استطاع عقلاؤها السيطرة على إرادات التمرّد والعنف والموت، وهذه من سنن التدافع البشري. إن كثافة الحديث عن الحوار والطاولات والتمرينات والاشتقاقات اللغوية... سوف تقتل المشروع السياسي المزمع في لبنان، وتجعل هذه الفرصة التاريخية والهبّة الدولية العالية مجرّد هشيمٍ تذروه الرياح.

 

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«حزب الله» والجيش رأس السكّين «حزب الله» والجيش رأس السكّين



GMT 17:06 2025 السبت ,20 كانون الأول / ديسمبر

«الانتقالي» فتح عشَّ الانفصاليين

GMT 17:05 2025 السبت ,20 كانون الأول / ديسمبر

تمنيات للجزائر

GMT 17:04 2025 السبت ,20 كانون الأول / ديسمبر

زيتونة فلسطينية تناجي ياسر عرفات

GMT 17:03 2025 السبت ,20 كانون الأول / ديسمبر

مخالب «داعش» ما زالت تخمش

GMT 17:02 2025 السبت ,20 كانون الأول / ديسمبر

خلوة صير بني ياس... التفكير الهادئ في زمن الاضطراب

GMT 17:01 2025 السبت ,20 كانون الأول / ديسمبر

«موجز القوة» ومستقبل العسكرية الأميركية

GMT 17:00 2025 السبت ,20 كانون الأول / ديسمبر

نظرية ماكس فيبر... وأسباب تفوّق الملَكية

GMT 16:59 2025 السبت ,20 كانون الأول / ديسمبر

الأيام الجهمة

الرقة والأناقة ترافق العروس آروى جودة في يومها الكبير

القاهرة ـ لبنان اليوم

GMT 18:05 2025 السبت ,20 كانون الأول / ديسمبر

غارة إسرائيلية تستهدف بلدة الطيبة جنوبي لبنان
 لبنان اليوم - غارة إسرائيلية تستهدف بلدة الطيبة جنوبي لبنان

GMT 10:52 2020 السبت ,29 شباط / فبراير

مناخا جيد على الرغم من بعض المعاكسات

GMT 13:47 2020 الإثنين ,29 حزيران / يونيو

أجواء إيجابية لطرح مشاريع تطوير قدراتك العملية

GMT 09:19 2025 الخميس ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

آبل تُطلق قريباً ميزة لهواتف آيفون

GMT 15:13 2022 السبت ,07 أيار / مايو

اتيكيت تقديم الطعام في المطاعم

GMT 10:51 2020 الأحد ,26 إبريل / نيسان

انضمام هند جاد لـ "راديو9090" خلال شهر رمضان

GMT 20:33 2025 الخميس ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

زلزال بقوة 6,6 درجات يضرب غرب إندونيسيا

GMT 11:49 2017 الإثنين ,18 أيلول / سبتمبر

تعرف علي توقعات أحوال الطقس في الكويت الإثنين

GMT 18:15 2023 الإثنين ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

يوفنتوس أوقف مفاوضات تمديد عقد فلاهوفيتش

GMT 04:34 2021 الثلاثاء ,05 كانون الثاني / يناير

كشف أسرار جديدة ومميزة عن التيروصورات الطائرة

GMT 13:41 2020 الثلاثاء ,02 حزيران / يونيو

تغييرات مفاجئة تحدث لك خلال هذا الشهر

GMT 10:00 2019 الأربعاء ,22 أيار / مايو

ترامب في زيارة رسمية إلى أيرلندا للمرة الأولى
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
Pearl Bldg.4th floor, 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh, Beirut- Lebanon.
lebanon, lebanon, lebanon