في مواجهة الحقيقة

في مواجهة الحقيقة

في مواجهة الحقيقة

 لبنان اليوم -

في مواجهة الحقيقة

بقلم:حنا صالح

قبل يومين من حلول الذكرى السنوية الأولى لاتفاق «وقف الأعمال العدائية» في جنوب لبنان، تتسع الاستباحة الإسرائيلية. ليس في الأفق ما يشير إلى وقفٍ حقيقي للنار، بل إن شبح حرب جديدة بات العنصر الضاغط والمخيف. السلاح اللاشرعي لـ«حزب الله» وفصائلَ فلسطينيةٍ (الأصح المتبقي منه) لم يُجمع إلا جزئياً، رغم معطياتٍ عن تدمير مخازن وبنى تحتية عسكرية. الفساد رافق الزمن اللبناني الجديد؛ لأن الإصلاحات، خصوصاً المالية والمصرفية، ما زالت معلقة، والغائب عن الخطاب الرسمي كلُّ ما يتعلق بالمساءلة والمحاسبة وإعادة الحقوق المنهوبة، علماً بأنها الممر الإجباري لاستعادة ثقة الناس. أما ما كُشف عنه مؤخراً بشأن جوانب من اقتصاد «الكاش» ومصادر تمويلٍ مشبوهة وطرقِ تهريب، فهو مقلق وخطير.

عشية الذكرى الـ82 للاستقلال، اختار الرئيس جوزيف عون الجنوب، الذي تحمّل، ويتحمّل، العبءَ الأساسي من النتائج الكارثية لحرب «الإسناد»، ليخاطب اللبنانيين والعالم، محذراً من حالة إنكار لا تعترف بالمتغيرات «لا عندنا، ولا حولنا، ولا في فلسطين، ولا في سوريا» للاستمرار في «ما كان قائماً من تشوهات في مفهوم الدولة وسيادتها»، وليعلن أن «لبنان تعب من اللادولة»، وأن «اللبنانيين كفروا بمشاريع الدويلات»، وأن المسألة «لا تعني فقط حصرَ السلاح وقرارَ الحرب والسلم بيد الدولة»، بل إن المطلوبَ «حصر ولاء اللبناني بوطنه»، وإنه لم يعد مقبولاً «التغول على الحق العام والملك العام والمال العام». جيد التوصيف ودقيق، لكن مبادرة النقاط الخمس المتقدمة عما سبقها اقتصرت على محاولةِ معالجةٍ ميدانيةٍ سياسيةٍ للوضع في منطقة جنوب الليطاني، فجانبت إلى حدٍ ما مندرجات اتفاق وقف النار... مما طرح الأسئلة الجدية عمّا إذا كانت هذه المبادرةُ قادرةً على تحقيق المطلوب لبسط السيادة، واستعادة الاستقرار، وبدء نقل لبنان من حال إلى حال.

ما يردده زوار لبنان أن الأمر يقتضي سحبَ سلاح «حزب الله» من كل لبنان من دون إبطاء، وتجفيفَ الأموال العابرة للحدود، التي سَمح قطاعٌ مصرفي فاسد، ودكاكينُ تحويل الأموال، وحدودٌ لم تُضبط كما ينبغي، بتمرير مليار دولار منها إلى «حزب الله»، وفق ما نقله إلى بيروت الوفد الأميركي لمكافحة الإرهاب... وأنه مع استمرار هذا المشهد، فلا جدوى من البحث عن مساعدات أو استثمار، ما دام هناك سلاح غير شرعي. بهذا السياق، تنبغي قراءة الرد الإسرائيلي: اعتداءات واسعة جنوباً وبِقَاعاً، واستهداف هيثم الطبطبائي القائد العسكري الأبرز لـ«حزب الله»، في الضاحية الجنوبية... وتهديد بضربات واسعة شاملة عقب زيارة البابا بعد أيام!

حتى تاريخه لم تنجح السلطة في الخروج من عقلية «تقطيع الوقت» والانتظار، فيما يعلم القاصي والداني أن «الزمنَ التِّرَمْبِيَّ» لا يحمل جوائز تَرضية للخاسرين. ولبنان في وضع الخاسر؛ دماراً، وتهجيراً، وعودةً للاحتلال الذي أقام منطقة أمنية خالية من البشر... والأنكى أن تل أبيب كرّست هذا الوضع استناداً إلى اتفاق وقف نار جائر مُلزم للبلد؛ يُسأل عنه «الثنائي»: نبيه بري المفاوض من فوق الدستور، ونعيم قاسم الذي بَصَمَ عليه مسبقاً بـ«الصورة والصوت»، وتضمن بنده الرابع: «يحتفظ الطرفان بحق الدفاع عن النفس، ولا يلغي هذا الاتفاقُ هذا الحقَّ». تبعاً لذلك؛ تتمادى إسرائيل في الاعتداءات، رافضةً الانسحاب ما دامت ترى في «حزب الله» عنصر تهديد، بدليل «خطاب ترميم القوة العسكرية»، والارتياح الأرعن للتضخيم الإسرائيلي لهذه القوة، وفوق ذلك؛ المعطيات الأميركية عن ضخ المال الإيراني في عروق «الحزب»!

لا بديل اليوم عن مواجهة حقيقية لأبعاد عودة الاحتلال وأخطار الانزلاق إلى حرب مدمرة. هذه الأخطار لا تُواجَه إلا بالتوحد خلف الدولة؛ حمايةً للبلد وللأرواح، وبينها أفراد «حزب الله»، بعدما كشف قتل هيثم الطبطبائي عن زيف ادعاء ترميم القدرات ومعالجة الخروقات وسقوط السلاح اللاشرعي. إن تحصين البلد مسؤولية السلطة المدعوّة إلى تنفيذ اتفاق وقف النار لجهة نزع السلاح في كل لبنان، كما «تفكيك جميع البنى التحتية والمواقع العسكرية ومصادرة جميع الأسلحة»، وفق ما فَصّل ذلك البندُ السابع من الاتفاق. والمعنى حلُّ البنى الميليشياوية وتلك التي تتستر بلباس كَشْفِيّ؛ لوضع لبنان على مسار تطبيق القرار الدولي «1701»، ليكون مؤهلاً لخوض مواجهة دبلوماسية لتحرير الأرض واستعادة الأسرى وفرض العودة الآمنة.

آن أوان رفضِ دعوات التمسك بالسلاح، وادعاءِ «الحق في المقاومة»، خلافاً لقرار مجلس الوزراء يوم 5 أغسطس (آب) الماضي، مع ما يقتضيه ذلك من حزم لوقف المفاعيل الكارثية لحرب «الإسناد»... لأنه فقط إذَّاك يمكن تفويت مخطط العدو الإسرائيلي الذي يُخشى أن يكون قد أدرج البنى الرسمية ضمن أهدافه؛ مما يدمر مقومات قيام الدولة بذريعة القضاء على خطر مستقبلي عليه (...). إنه الوقت لِصَدّ محاولات أخذ البلد في اتجاه معاكس لمسار المنطقة، فقد سقط زمن السلاح اللاشرعي الذي غطى الفساد وشكّلَ نوعاً من «البزنس» لتدفق الأموال «النظيفة».

واليوم، بعد قمة شرم الشيخ ولقاءات واشنطن الأميركية - السعودية، تعيش المنطقة مساراً أميركياً لتغيير جيوسياسي قد يمنح لبنان فرصة لاستعادة الأرض وبدء النهوض الحقيقي... إنها الفرصة التي ينبغي عدم تضييعها. حان وقت مغادرة المواقف الرمادية التي تُهدد البلد بالعزلة وتُعطل قيامَ الدولةِ القادرةِ والمرجعِ لكل المواطنين، فيغيب الاستقرار، وتُضرب الحريات، وتضيع الحقوق، ويبتعد الأمان، ويسود أكثر فأكثر قانون «الإفلات من العقاب».

 

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

في مواجهة الحقيقة في مواجهة الحقيقة



GMT 21:13 2025 السبت ,27 كانون الأول / ديسمبر

درب السلام

GMT 21:12 2025 السبت ,27 كانون الأول / ديسمبر

لَا أَحسَبُ الشَّرَّ جَاراً!

GMT 21:10 2025 السبت ,27 كانون الأول / ديسمبر

من الوحدة الشاملة إلى براكين الدَّم والتَّشظّي

GMT 21:10 2025 السبت ,27 كانون الأول / ديسمبر

«داعش» وأعياد نهاية العام

GMT 21:07 2025 السبت ,27 كانون الأول / ديسمبر

المسيحية الصهيونية... من الهرطقة إلى تبرير الإبادة

GMT 21:06 2025 السبت ,27 كانون الأول / ديسمبر

المعنى الغائب في أكثر صراعات العالم حضوراً

GMT 21:05 2025 السبت ,27 كانون الأول / ديسمبر

حين قرأ كسينجر لحسن البنا

GMT 21:04 2025 السبت ,27 كانون الأول / ديسمبر

«ماغا»... رأب الصدع أم نهاية الائتلاف؟

الرقة والأناقة ترافق العروس آروى جودة في يومها الكبير

القاهرة ـ لبنان اليوم

GMT 04:11 2025 الخميس ,08 أيار / مايو

البرج الطالع وتأثيره على الشخصية والحياة

GMT 16:08 2024 الخميس ,24 تشرين الأول / أكتوبر

الأمير فيصل بن فرحان يترأس وفد السعودية في قمة "بريكس بلس"

GMT 07:38 2023 الثلاثاء ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

أفضل 10 عطور رقيقة للعروس

GMT 19:43 2021 الخميس ,07 كانون الثاني / يناير

الأردني محمد الدميري يتفوق على السوري عمر السومة

GMT 19:02 2022 الجمعة ,07 كانون الثاني / يناير

ساؤول يتطلع إلى استعادة أفضل مستوياته مع تشيلسي

GMT 20:30 2021 الإثنين ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

أثيوبيا تنفي شنّ هجوم على السودان وتحمل متمرّدين المسؤولية

GMT 08:19 2019 الأربعاء ,09 كانون الثاني / يناير

تغريم امرأة تركية خرقت "واجب الإخلاص" لطليقها وهربت مع صهره

GMT 23:04 2021 الأربعاء ,13 كانون الثاني / يناير

إصابة تريزيجيه بفيروس كورونا وابتعاده عن مباريات أستون فيلا

GMT 06:35 2017 الأربعاء ,13 كانون الأول / ديسمبر

التلميذ.. ونجاح الأستاذ
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
Pearl Bldg.4th floor, 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh, Beirut- Lebanon.
lebanon, lebanon, lebanon