بين نظامي هيئة تحرير الشام… ونظام آل الأسد
أخر الأخبار

بين نظامي "هيئة تحرير الشام"… ونظام آل الأسد

بين نظامي "هيئة تحرير الشام"… ونظام آل الأسد

 لبنان اليوم -

بين نظامي هيئة تحرير الشام… ونظام آل الأسد

بقلم : خيرالله خيرالله

بين نظام “هيئة تحرير الشام” ونظام آل الأسد لا يزال المستقبل السوري معلّقا. لم تستطع “هيئة تحرير الشام” التي استطاعت القضاء على النظام العلوي في سوريا تحرير البلد من عقلية فرضها حافظ الأسد الذي حكم البلد مباشرة بين 1970 و2000 ثمّ عبر ابنه بشّار بين منتصف العام 2000 وأواخر العام 2024.

تعاني سوريا حاليا من مخلفات عقل مريض، لكنه شيطاني وفي غاية الدهاء، هو عقل حافظ الأسد. اعتقد الأسد الأب طوال عهده الذي استمرّ ثلاثين عاما أن التفاهمات التي توصّل إليها مع إسرائيل ستجعل النظام الأقلّوي، الذي أسّسه، سيستمر “إلى الأبد”، خصوصا بعدما استطاع توريث البلد لابنه بشّار.

في الواقع، تكمن المشكلة الأساسية للنظام الجديد، الذي قام في ضوء فرار بشّار الأسد إلى موسكو في الثامن من كانون الأوّل – ديسمبر 2024، في أنّ هذا النظام لم يخرج من عقدة حافظ الأسد، بل يحاول استعادة تجربته من زاوية مختلفة، زاوية الأكثريّة السنّية بدل الأقليّة العلوية. لا مجال لأيّ بحث في نظام ديمقراطي حقيقي يقوم على المساواة بين المواطنين السوريين. هذا ما كشفت عنه الأحداث الأخيرة في محافظة السويداء حيث تعرّضت الأقلّية الدرزية إلى حملة تستهدف إخضاعها تشبه إلى حدّ كبير الحملات التي شنهّا حافظ الأسد من أجل إخضاع السنّة في المدن السورية الكبرى. تبقى المجازر التي ارتكبها في حماة في شباط – فبراير من العام 1982 المثال الأبرز لسلوك حافظ الأسد وكيفية تعاطيه مع أبناء الشعب السوري من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب ومن أقصى الشرق إلى أقصى الغرب.

يمكن اعتبار مثل هذا التوجه، الذي يستعيده النظام السوري الجديد، بالغ الخطورة. لا لشيء سوى لأن السؤال الأساسي المطروح هل يمثل النظام الجديد بالفعل أكثرية داخل الأكثريّة السنّية؟ هل لديه نموذج حضاري يقدّمه إلى الشعب السوري بكلّ مكوناته، غير نموذج استعادة تجربة حافظ الأسد التي كانت كلفتها الأولى تكريس الاحتلال الإسرائيلي للجولان في مقابل ضمان بقاء النظام؟

مقارنة بالضباط السوريين الآخرين، من جيله، كان حافظ الأسد سياسيا استثنائيا. لم يخض في حياته معركة عسكرية واحدة ناجحة، بل وظّف المعارك العسكريّة من أجل تحقيق طموحات سياسية. كان ذلك بدءا بتسليم الجولان إلى إسرائيل في العام 1967 عندما كان لا يزال وزيرا للدفاع. مهّد ذلك لتوليه السلطة كاملة ابتداء من 16 تشرين الثاني – نوفمبر 1970 عندما منع سلاح الجو السوري من توفير تغطية لقوات برّية سوريّة وأخرى مدرعة توجّهت إلى الأردن من أجل نصرة الفدائيين الفلسطينيين الذين دخلوا في مواجهة مع الجيش الأردني.

خلافا لغيره من الضباط السوريين وقتذاك، على رأسهم صلاح جديد، كان حافظ الأسد يعرف أنّه لم يكن مسموحا بتحليق سلاح الجو السوري. كلّ ما في الأمر أنّه ربح سياسيا، عن طريق ضمان مستقبله على رأس هرم السلطة في سوريا، بدل أن يخوض معركة عسكريّة خاسرة سلفا.

◄ استعانة النظام السوري بالعشائر العربيّة من أجل قمع الدروز علامة ضعف وليست علامة قوة فهذه العشائر ليست سوى أداة يمكن أن تستعين بها أي قوة خارجية تريد ضرب التركيبة السورية المعقدة

منذ قيام نظام آل الأسد، لم تكن هناك أيّ رغبة في استعادة الجولان لا بالوسائل العسكرية ولا بالوسائل السياسيّة. رفض حافظ الأسد ثم ابنه بشّار أيّ عرض، بما في ذلك العرض الجدي أيام إسحق رابين (رئيس الوزراء الإسرائيلي) في العام 1995، من أجل إنهاء الاحتلال الإسرائيلي للجولان. كانت المعادلة، التي يفترض بالنظام السوري الجديد الانقلاب عليها، واضحة. تقوم معادلة الأسد الأب، المطلوب الانقلاب عليها وليس الاستعانة بها، على لعب الجيش السوري دور حرس الحدود في الجولان المحتل. يبدو ذلك واضحا كلّ الوضوح في نقاط التفاهم الست التي توصل إليها حافظ الأسد مع هنري كيسنجر (وزير الخارجية الأميركي) في أيار – مايو 1974. نقاط التفاهم، تلك، جزء لا يتجزّأ من اتفاق فك الاشتباك الذي وقّعته سوريا مع إسرائيل لاحقا. يتحدّث الرئيس السوري أحمد الشرع في كلّ مناسبة عن العودة إلى اتفاق فكّ الاشتباك متجاهلا أنّه كان مجرّد حجة لدى حافظ الأسد لوضع يده على البلد وتكريس قيام نظام عائلي مدعوم إسرائيليا.

من الطبيعي، بل من الضروري بحث النظام السوري الجديد عن معادلة مختلفة. الطبيعي أكثر أن يبدأ البحث عن معادلة تقوم على تعزيز الوحدة الوطنيّة السوريّة بديلا من البحث عن استعادة تجربة حافظ الأسد.

لا وجود لمعادلة جديدة ترفض أن تأخذ في الاعتبار وجود إسرائيل ودورها في حصول التغيير السوري بعدما أخلّ بشّار الأسد بتعهدات التزم بها والده. لكن لا وجود لمعادلة جديدة من دون التخلي عن وهم قدرة “هيئة تحرير الشام” على أن تكون مستقبل سوريا من دون مصالحة حقيقية مع مكونات المجتمع السوري المتنوع. يبدأ ذلك بالدروز وسنّة المدن ويصل إلى المسيحيين، مرورا بالعلويين والإسماعيليين والأكراد. يستحيل أن تكون سوريا رهينة “هيئة تحرير الشام” ورغبتها في تكرار تجربة نظام عائلة الأسد ممثلة بالأب والابن.

لا تبشر الطريقة التي تعاطى بها النظام السوري الجديد مع الدروز، وقبلها مع المسيحيين، بالخير. الأمر الوحيد الأكيد أنّه يستحيل على الرئيس أحمد الشرع نقل سوريا إلى العالم الحضاري، إقليميا ودوليا، من دون التخلي عن فكرة أنّ قسما من الأكثرية السنّية، يستطيع تحريك العشائر العربية في محافظة السويداء، لتدجين الدروز… وتجاهل دورهم التاريخي في قيام ما سمّي الجمهوريّة العربيّة السورية نتيجة اتفاق سايكس – بيكو (1916) وانهيار الدولة العثمانية مطلع عشرينات القرن الماضي.

في النهاية، تظل استعانة النظام السوري الجديد بالعشائر العربيّة من أجل قمع الدروز علامة ضعف وليست علامة قوة. يعود ذلك إلى أن هذه العشائر ليست سوى أداة يمكن أن تستعين بها، مستقبلا، أيّ قوة خارجية تريد ضرب التركيبة السورية المعقدة. هذه لعبة يمكن أن ترتد على النظام الجديد الذي يعتقد أنّ في استطاعته التحكّم بها…

 

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

بين نظامي هيئة تحرير الشام… ونظام آل الأسد بين نظامي هيئة تحرير الشام… ونظام آل الأسد



GMT 22:48 2025 الأربعاء ,13 آب / أغسطس

هل تذوب الثلوج في ألاسكا؟

GMT 22:48 2025 الأربعاء ,13 آب / أغسطس

حتى لا تقع البلدان النامية في فخاخ الديون

GMT 22:47 2025 الأربعاء ,13 آب / أغسطس

هجاء الطوائف... وهشاشة الوطن

GMT 22:46 2025 الأربعاء ,13 آب / أغسطس

لبنان بين «الفيجِيلنتي» المحلّي والإقليمي

GMT 22:45 2025 الأربعاء ,13 آب / أغسطس

فشل يقود إلى فشل

GMT 22:45 2025 الأربعاء ,13 آب / أغسطس

الطريق المسدود؟

GMT 22:44 2025 الأربعاء ,13 آب / أغسطس

قمة ألاسكا... عن الدلالات والماورائيات

GMT 22:43 2025 الأربعاء ,13 آب / أغسطس

جزار سربرنيتسا وأساتذته اللبنانيون!

جورجينا تثير اهتمام الجمهور بعد موافقتها على الزواج وتخطف الأنظار بأجمل إطلالاتها

الرياض ـ لبنان اليوم

GMT 22:56 2025 الأربعاء ,13 آب / أغسطس

الإكثار من النوم يسبب آلام الظهر
 لبنان اليوم - الإكثار من النوم يسبب آلام الظهر

GMT 14:33 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

بعد أن أصبح ١٨٪ من السكان عجائز وانخفضت القوى العاملة

GMT 14:19 2020 الجمعة ,01 أيار / مايو

أبرز الأحداث اليوميّة

GMT 21:25 2021 الأحد ,10 كانون الثاني / يناير

لا تتردّد في التعبير عن رأيك الصريح مهما يكن الثمن

GMT 14:55 2019 الثلاثاء ,02 إبريل / نيسان

يحذرك من ارتكاب الأخطاء فقد تندم عليها فور حصولها

GMT 15:06 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

يجعلك هذا اليوم أكثر قدرة على إتخاذ قرارات مادية مناسبة

GMT 21:05 2021 الأحد ,10 كانون الثاني / يناير

تطرأ مسؤوليات ملحّة ومهمّة تسلّط الأضواء على مهارتك

GMT 14:28 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

تمرّ بيوم من الأحداث المهمة التي تضطرك إلى الصبر

GMT 18:42 2021 الخميس ,30 كانون الأول / ديسمبر

طريقة سهلة لصبغ الشعر في المنزل للعام الجديد

GMT 09:53 2020 الأربعاء ,05 شباط / فبراير

التفرد والعناد يؤديان حتماً إلى عواقب وخيمة

GMT 18:52 2021 الأربعاء ,22 كانون الأول / ديسمبر

الجامعة اللبنانية وزعت نبذة عن رئيسها الجديد بسام بدران

GMT 23:52 2020 الإثنين ,14 كانون الأول / ديسمبر

أحذية KATRINE HANNA بإلهام من الطبيعة والخيال

GMT 16:07 2025 الثلاثاء ,17 حزيران / يونيو

ضربة إيرانية تغلق جميع منشآت التكرير في حيفا

GMT 05:03 2022 الأربعاء ,06 تموز / يوليو

أفكار بسيطة في الديكور لجلسات خارجية جذّابة

GMT 23:14 2019 الثلاثاء ,12 آذار/ مارس

يوسف عنبر مدربًا للمنتخب السعودي

GMT 17:53 2020 الثلاثاء ,27 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج العذراء الإثنين 26 تشرين الثاني / أكتوبر 2020

GMT 13:59 2020 الأحد ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج العقرب الأحد 1 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 01:31 2023 الأربعاء ,22 آذار/ مارس

هزة أرضية في بحر لبنان

GMT 08:28 2022 الإثنين ,11 إبريل / نيسان

موديلات متنوعة لأحذية السهرة لإطلالة أنيقة
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
lebanon, lebanon, lebanon