فلسطين بين الجغرافية… والسياسيّة

فلسطين بين الجغرافية… والسياسيّة

فلسطين بين الجغرافية… والسياسيّة

 لبنان اليوم -

فلسطين بين الجغرافية… والسياسيّة

بقلم : خيرالله خيرالله

عاجلا أم آجلا، سيكون المطروح كيف ترجمة خيار الدولتين الذي وافق عليه العالم باستثناء أميركا وإسرائيل على أرض الواقع؟ كيف جعل فلسطين على الخريطة الجغرافية للمنطقة بعدما وضعها شعبها على الخريطة السياسيّة. بدأ ذلك باللقاء الأوّل الذي انعقد في بيروت بين ياسر عرفات ووزير الخارجيّة الفرنسي جان سوفانيارغ في العام 1974. مهد اللقاء لذهاب “أبو عمّار” إلى الأمم المتحدة حيث ألقى خطابا أمام الجمعية العمومية للمنظمة الدولية أضاع الكثير من مفاعيله بعد غرق الفلسطينيين في وحول حرب لبنان بين 1975 و1982. ذهب الفلسطينيون ضحية البحث الدائم لياسر عرفات عن أرض يقيم فيها بعد الخروج من الأردن. ذهب الفلسطينيون أيضا ضحية طموحات النظام العلوي في سوريا (نظام حافظ الأسد) الذي كان يريد استخدام الفلسطينيين لوضع اليد عليهم كورقة سورية وعلى لبنان في الوقت ذاته. من يتذكّر قول حافظ الأسد أنّ “القرار الفلسطيني المستقلّ بدعة”… وأنّ لبنان وسوريا “شعب واحد في بلدين”؟

لن تكون هذه الترجمة لاختيار العالم، في معظمه، أن تكون للفلسطينيين دولة سهلة. لا يمكن الاستخفاف بالصعوبات على الرغم من أنّ الاعترافات الدولية بالدولة الفلسطينية تعبير في غاية القوّة والوضوح عن مدى العزلة الدوليّة لإسرائيل التي تبدو مصرّة على متابعة حرب غزّة بهدف إزالتها من الوجود وتهجير سكان القطاع. يبدو الهدف الإسرائيلي في نهاية المطاف التخلص من شيء اسمه القضيّة الفلسطينية. يكون ذلك عبر الانقضاض لاحقا على الضفّة الغربيّة المحتلّة بحجة أن قيام دولة فلسطينية “يشكل تهديدا لإسرائيل وجائزة  للإرهاب” على حدّ تعبير رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو وعدد لا بأس به من الوزراء في حكومته.

كان يمكن بقاء العالم يتفرّج على المأساة غزّة، لولا الموقف الشجاع الذي اتخذته المملكة العربيّة السعوديّة ودول أخرى مثل دولة الإمارات والأردن ومصر بادرت إلى طرح خيار الدولة الفلسطينيّة بالتنسيق مع فرنسا

من هذا المنطلق، لا بدّ من منع إسرائيل من استخدام ورقة “حماس” التي كانت في كل وقت عائقا في وجه المشروع الوطني الفلسطيني الذي جاء العالم من أجل إحيائه. شئنا أم أبينا، امتلك اليمين الإسرائيلي، الساعي إلى إزالة غزّة من الوجود ولا يزال يمتلك حجة قويّة تتمثّل في احتفاظ “حماس” برهائن إسرائيلية. هذه الرهائن موجودة لدى “حماس” منذ هجوم “طوفان الأقصى” الذي شنته الحركة على مستوطنات غزة قبل أقلّ بقليل من عامين. إنّه الهجوم الذي برّر الحرب على غزّة وجعل العالم يقف موقف المتفرّج من مأساة إنسانيّة لا مثيل لها في القرن الواحد والعشرين.

كان يمكن بقاء العالم يتفرّج على المأساة غزّة، لولا الموقف الشجاع الذي اتخذته المملكة العربيّة السعوديّة ودول أخرى مثل دولة الإمارات والأردن ومصر بادرت إلى طرح خيار الدولة الفلسطينيّة بالتنسيق مع فرنسا. صار العالم كلّه، تقريبا، مع خيار الدولتين الذي تدفع السعودية وفرنسا في اتجاهه. لكن يبقى السؤال الأساسي ما العمل مع إدارة دونالد ترامب التي تدعم اليمين الإسرائيلي في رفضه للدولة الفلسطينية؟

 يرتدي اعتراف بريطانيا ممثلة بحكومة العمالي كير ستارمر أهمّية خاصة في حال أخذنا في الاعتبار أن “وعد بلفور” الذي هو في أساس قيام إسرائيل صدر عن الحكومة البريطانيّة ممثلة بوزير الخارجية اللورد آرثر بلفور في العام 1917.

جاء في الرسالة القصيرة التي وجهها بلفور إلى اللورد ليونيل روتشيلد أحد زعماء الحركة الصهيونية الآتي:

بغض النظر عن الموقف الأميركي الداعم لإسرائيل، يوجد زخم دولي في اتجاه الاعتراف بأن لا حل آخر غير حل الدولتين

“عزيزي اللورد روتشيلد، يسرني جدا أن أبلغكم بالنيابة عن حكومة جلالته، التصريح الآتي الذي ينطوي على العطف على أماني اليهود والصهيونية، وقد عرض على الوزارة وأقرته: إن حكومة صاحب الجلالة تنظر بعين العطف إلى تأسيس وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين، وستبذل غاية جهدها لتسهيل تحقيق هذه الغاية، على أن يُفهم جليا أنه لن يؤتى بعمل من شأنه أن ينتقص من الحقوق المدنية والدينيّة التي تتمتع بها الطوائف غير اليهودية المقيمة الآن في فلسطين ولا الحقوق أو الوضع السياسي الذي يتمتع به اليهود في البلدان الأخرى”.

الأكيد أن بريطانيا 1917 ليست بريطانيا 2025. كانت بريطانيا في1917 في طريقها إلى أن تكون سلطة الانتداب على فلسطين في ضوء بدء انهيار الدولة العثمانية. الأكيد أيضا أنّها لم تستطع منع الحركة الصهيونية من المسّ بـ”الحقوق المدنية والدينيّة للطوائف غير اليهوديّة المقيمة الآن في فلسطين” كما جاء في وعد بلفور. على الرغم من ذلك، يبدو واضحا أن بريطانيا، على العكس من الولايات المتحدة، باتت تدرك أنّ لا خيار آخر غير العودة إلى السياسة بديلا من الحرب ومن إزالة غزّة من الوجود ومن بدء حملة لفرض واقع ذي طابع احتلالي في الضفّة الغربيّة.

بغض النظر عن الموقف الأميركي الداعم لإسرائيل، يوجد زخم دولي في اتجاه الاعتراف بأن لا حل آخر غير حل الدولتين. لكن من أجل ألّا  يكون هذا الاعتراف العالمي مجرد تحرّك رمزي، من المفيد التنبه إلى أن قيام دولة إسرائيل بعد 31 عاما من وعد بلفور لم يكن ممكنا لولا الأخطاء العربيّة التي من بينها ذهاب مفتي فلسطين أمين الحسيني إلى برلين وإعلان وقوفه مع هتلر في أثناء الحرب العالميّة الثانية. يضاف إلى ذلك رفض الجانب العربي قرار التقسيم الصادر عن الأمم المتحدة في العام 1947، أي القرار الذي نصّ على أقامة دولة يهودية وأخرى فلسطينية في فلسطين.

بات العالم كلّه تقريبا مع خيار الدولتين. لكنّ العودة إلى هذا الخيار تتطلّب تفادي الأخطاء العربيّة التي سمحت لإسرائيل بالتوسع، بعد قيامها، بعدما راهن الضابط الريفي جمال عبد الناصر، على هزيمة إسرائيل. تسبب ناصر، من بين ما تسبّب به، في حرب 1967… أي باحتلال الضفّة الغربية التي لا تزال إسرائيل تعتبرها الجائزة الكبرى في ظلّ موقف أميركي أقلّ ما يمكن وصفه به أنّه متواطئ مع الاحتلال… بتسهيلات من “حماس” وتصرفاتها ومن سلطة وطنيّة مترهّلة لم تعرف يوما كيف التصرف مع ما يدور في غزّة!

 

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

فلسطين بين الجغرافية… والسياسيّة فلسطين بين الجغرافية… والسياسيّة



GMT 14:55 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

بدعة النزاهة

GMT 12:21 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

نريد نتائج لا تنظيرًا

GMT 12:20 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

مرشحو الرحيل

GMT 12:19 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

مادورو على توقيت ترمب

GMT 12:18 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

القزويني والمياه الرقمية المُلوّثة

GMT 12:17 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

الفاشر وتغيّر قلوب الرجال

GMT 12:15 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

النشاز الإسرائيلي في الدبلوماسية الأميركية

GMT 12:14 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

الإلغاء لا يحل مشكلة القوائم

الرقة والأناقة ترافق العروس آروى جودة في يومها الكبير

القاهرة ـ لبنان اليوم

GMT 12:25 2020 الثلاثاء ,04 شباط / فبراير

أخطاؤك واضحة جدّاً وقد تلفت أنظار المسؤولين

GMT 13:01 2020 الإثنين ,29 حزيران / يونيو

يبدأ الشهر مع تلقيك خبراً جيداً يفرحك كثيراً

GMT 06:15 2023 الثلاثاء ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

توقعات الأبراج اليوم الثلاثاء 21 نوفمبر/تشرين الثاني 2023

GMT 22:22 2016 الأربعاء ,10 شباط / فبراير

عطر Bamboo من Gucci الرقّة والقوّة في مزيج واحد

GMT 13:00 2021 الإثنين ,18 كانون الثاني / يناير

رحلة الى عالم أوميجا رؤية استباقيّة لمستقبل صناعة الساعات

GMT 05:00 2020 الإثنين ,05 تشرين الأول / أكتوبر

أصوات 20 ألف جزائري تحدد مصير جزيرة قرب أستراليا

GMT 21:50 2014 الإثنين ,02 حزيران / يونيو

"إل جي" تكشف رسميًا عن هاتفها "G3"
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
Pearl Bldg.4th floor, 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh, Beirut- Lebanon.
lebanon, lebanon, lebanon