الشرق الأوسط والهُدن المؤقتة

الشرق الأوسط والهُدن المؤقتة

الشرق الأوسط والهُدن المؤقتة

 لبنان اليوم -

الشرق الأوسط والهُدن المؤقتة

بقلم :ناصيف حتّي*

يبدو الشرق الأوسط على مفترق طرق بين الاستقرار والمزيد من الدمار. يعيش الإقليم على صفيح ساخن من الحروب/ الأزمات المفتوحة في الزمان والمكان والمترابطة بدرجات مختلفة وبشكل مباشر أو غير مباشر بسبب الجغرافيا السياسية، وكذلك بشكل خاص بسبب الاجتماع، وتحديداً العقائد الهوياتية المختلفة والعابرة للدول الوطنية. فهذه الأخيرة عادة ما تسهم في التعبئة العقائدية والسياسية التضامنية بدرجات مختلفة، وتوظف في لعبة صراع القوى في المنطقة، الأمر الذي يزيد من تعقيدات الوضع الإقليمي.

يشهد الشرق الأوسط ثلاثية هُدن مؤقتة باسم العمل على وقف إطلاق النار الكلي والشامل، أو باسم التهيئة للتوصل إلى ذلك. وقف إطلاق النار أمر ضروري بالطبع، ولكن في حالة بعض الصراعات وخصوصياتها يبقى المطلوب والضروري العمل على التوصل إلى تسوية سياسية لضمان عدم العودة مجدداً إلى الحرب المفتوحة أياً كانت درجة حدتها أو حجم مسرحها الجغرافي.

أولى هذه الحروب، الحرب الإسرائيلية على غزة التي تحمل معها حرباً بشكل آخر، حتى الآن، على الضفة الغربية: عنوان هذه الحرب إلغاء الهوية الوطنية للشعب الفلسطيني، باعتبار أنه على أرض غيره، وتهجيره ولو بشكل تدريجي تحت عناوين مختلفة، وتكريس ضم الضفة الغربية، وقيام «إسرائيل الكبرى». التوصل إلى هدنة مؤقتة في غزة يندرج في هذه السياسة: سياسة شراء الوقت لخلق واقع جديد على الأرض الفلسطينية، الأمر الذي يعني عملياً تسخين الأوضاع على الأرض ليأتي الانفجار مجدداً في مرحلة لاحقة؛ إذ تكفي «شرارة» من هنا أو هناك لإعادة الانفجار من جديد...

ثاني هذه الحروب، الحرب الإسرائيلية على لبنان بعد 17 عاماً من الهدوء تحت عنوان مرجعية قرار مجلس الأمن 1701 (الذي جاء لتكريس وقف إطلاق النار بعد حرب تموز 2006). القرار الذي أحدث وكرس وأدار تفاهم أمر واقع على الأرض في الجنوب. صاعق التفجير لتلك الحرب كان قرار «حزب الله» بفتح جبهة الجنوب تحت عنوان «وحدة الساحات» تضامناً مع «حماس»، وأيضاً مع ما يحمله ذلك من مكسب على صعيد الصراع الاستراتيجي في المنطقة، الأمر الذي وفر فرصة ذهبية لإسرائيل للرد عبر تصعيد مفتوح في المكان والقوة النارية بغية تحقيق الهدف الإسرائيلي الأساسي بإنهاء «حزب الله» عسكرياً، الأمر الذي خلق تعقيدات مزدوجة على الصعيدين الداخلي والخارجي. يجري ذلك في وقت ولبنان في أمسِّ الحاجة إلى إعادة تفعيل دور الدولة، في المضمون وليس في الشكل بالطبع، على كافة الأصعدة السيادية والإصلاحية المختلفة، وذلك لولوج باب الإصلاح الشامل والضروري لإنقاذ «المركب اللبناني» من الغرق.

ثالث هذه الحروب، الحرب الإسرائيلية على إيران والتي شاركت فيها واشنطن، ثم فرضت على إسرائيل وقفها. إنه أيضاً منطق الهدنة الذي لن يتحول إلى العمل على وقف دائم وفعلي للحرب التي من الممكن أن تقوم بها إسرائيل مرة أخرى ما دام «الملف النووي الإيراني» لم يأخذ طريقه إلى الحل. المفاوضات المباشرة حول الطاولة ما زالت معلقة بسبب التناقض بين الهدفين الأميركي والإسرائيلي، رغم بعض التمايز بينهما، من جهة والإيراني من جهة أخرى: صفر تخصيب في إيران بالنسبة لواشنطن مع القبول بتخصيب تحت السقف المقبول دولياً ولكن خارج إيران. وبالطبع موقف إسرائيل أكثر تشدداً في هذا المجال خوفاً من تحويل النووي المدني إلى عسكري من خلال زيادة مستوى التخصيب المطلوب لذلك سراً. بينما تؤكد إيران على حق التخصيب حسبما تسمح به الاتفاقيات الدولية المعنية بهذا الأمر وعلى أراضيها...

الحلول القانونية والشرعية التي تستند إلى الشرعية الدولية وقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة وأعمالها كلياً تسمح بتوفير الضمانات الدولية الضرورية لاحترامها والعمل بها. وللتذكير، فإن إعادة إحياء عملية السلام على أساس المرجعيات الدولية المعروفة والتي تخرقها إسرائيل بشكل كامل ودائم، والتوصل إلى حل الدولتين يسمحان بتوفير السلام المطلوب.

بالنسبة إلى لبنان، فإن المطلوب العمل على العودة إلى أعمال اتفاقية الهدنة لعام 1949، وهي مسؤولية دولية، وبشكل خاص تستدعي دوراً فاعلاً من القوى الدولية المنخرطة بقوة في «الملف اللبناني»، إلى أن يتحقق السلام الشامل والدائم الذي هو مصلحة وطنية لبنانية أساسية. وبالنسبة للنووي الإيراني، فسياسات بناء الثقة وأحكام منطق الدولة في العلاقات بين الدول واحترام القرارات والقوانين الدولية فيما يتعلق بالتخصيب النووي تسهم في تسوية هذا الملف الساخن.

فهل سيبقى منطق الهدن والحروب المتقطعة يحكم تطور الأوضاع في هذه الملفات الساخنة والضاغطة في الإقليم، أم ستلج المنطقة باب الحلول الشاملة ولو ضمن مقاربات تدريجية كالحلول المبنية على القواعد والقوانين والأعراف الدولية الناظمة للعلاقات بين الدول وعلى القرارات الأممية ذات الصلة لفتح الباب على مصراعيه أمام بناء شرق أوسط جديد. سؤال يبقى مطروحاً والتطورات القادمة ستدل على الطريق الذي سيأخذه الإقليم مستقبلاً.

 

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الشرق الأوسط والهُدن المؤقتة الشرق الأوسط والهُدن المؤقتة



GMT 14:55 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

بدعة النزاهة

GMT 12:21 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

نريد نتائج لا تنظيرًا

GMT 12:20 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

مرشحو الرحيل

GMT 12:19 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

مادورو على توقيت ترمب

GMT 12:18 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

القزويني والمياه الرقمية المُلوّثة

GMT 12:17 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

الفاشر وتغيّر قلوب الرجال

GMT 12:15 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

النشاز الإسرائيلي في الدبلوماسية الأميركية

GMT 12:14 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

الإلغاء لا يحل مشكلة القوائم

الرقة والأناقة ترافق العروس آروى جودة في يومها الكبير

القاهرة ـ لبنان اليوم

GMT 09:49 2020 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

يحاول أحد الزملاء أن يوقعك في مؤامرة خطيرة

GMT 13:56 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

تستفيد ماديّاً واجتماعيّاً من بعض التطوّرات

GMT 13:06 2020 الجمعة ,01 أيار / مايو

أبرز الأحداث اليوميّة

GMT 16:31 2019 الأربعاء ,01 أيار / مايو

فرص جيدة واحتفالات تسيطر عليك خلال هذا الشهر

GMT 12:08 2020 الثلاثاء ,02 حزيران / يونيو

شؤونك المالية والمادية تسير بشكل حسن

GMT 12:37 2020 الإثنين ,29 حزيران / يونيو

ابرز الأحداث اليوميّة

GMT 15:17 2020 الجمعة ,10 إبريل / نيسان

يحمل هذا اليوم آفاقاً واسعة من الحب والأزدهار

GMT 16:49 2021 الإثنين ,15 شباط / فبراير

تضطر إلى اتخاذ قرارات حاسمة

GMT 11:57 2020 الثلاثاء ,02 حزيران / يونيو

لا تكن لجوجاً في بعض الأمور

GMT 14:59 2020 الجمعة ,10 إبريل / نيسان

عليك أن تتجنب الأنانية في التعامل مع الآخرين

GMT 15:32 2024 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية مميزة توفر متعة التزلج في فصل الشتاء

GMT 16:53 2018 الجمعة ,21 كانون الأول / ديسمبر

سعد الحريري يتوقع تشكيل حكومته الجديدة مساء الجمعة

GMT 10:29 2017 الخميس ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

الشمبانزي قادرة على تقييم المخاطر وتحذير أقرانها

GMT 20:51 2019 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

طائرة الجزائر يواجه الكاميرون في الالعاب الأوليمبية 2020
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
Pearl Bldg.4th floor, 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh, Beirut- Lebanon.
lebanon, lebanon, lebanon