احتراماً للقانون الدولي

احتراماً للقانون الدولي

احتراماً للقانون الدولي

 لبنان اليوم -

احتراماً للقانون الدولي

بقلم : يوسف الديني

في خضم التصعيد الإقليمي القابل للتجدد بين إيران وإسرائيل، وبعد الغارات الأميركية التي استهدفت من دون أن تنجح بالكامل منشآت نووية، أو مواقع سيادية، تتخذ دول كبرى في العالم السني مثل السعودية وتركيا ومصر وعموم دول الاعتدال، مواقف ثابتة تعبّر عن رفضها لأي تدخل عسكري أو خرق للسيادة. هذه المواقف لا تصدر عن عداء ديني أو آيديولوجي لليهود؛ أو إظهار التعاطف مع إيران، بل عن منطلقات مبدئية واستراتيجية تتمثل في احترام القانون الدولي، وسيادة الدول، وتفضيل المقاربات الدبلوماسية، ورفض أوهام «الشرق الأوسط الجديد» الذي لا يحمل جديداً سوى الخراب المعاد إنتاجه. السعودية، التي تقود اليوم قطار التنمية الإقليمي، تجاوزت ثنائية محور «الممانعة أو الاعتدال»، وتحولت إلى أنموذج للمنطقة في السعي نحو تحقيق الرفاه والانتقال من اقتصاد ريعي إلى دولة استثمار، وتحول اجتماعي منغمس في بناء الإنسان السعودي والاستثمار فيه، وتمكين الشباب، والانفتاح على العالم وفق مرجعية وطنية هي رؤية 2030.

الرياض دائماً تذكر الجميع بالثمن الباهظ الذي دفعته المنطقة منذ غزو العراق، مروراً بحروب التدخلات السريعة، وصولاً إلى الانسحاب الفوضوي من أفغانستان، إذ ليس لدول المنطقة «ذاكرة قطط» لأنَّها تدرك بوعيها السياسي آثار تلك التجارب العبثية، وتدرك أن «تفكيك الدول» لم يأتِ يوماً بنتائج أفضل من النظم التي كان يُراد إسقاطها. فالبديل في كل مرة كان الفوضى، والطائفية، وانتشار الميليشيات، وخراب المؤسسات، وملايين اللاجئين الذين لم تجد لهم الأمم المتحدة مأوى حتى الآن. في هذا السياق، يأتي الموقف الجديد لمحور ما يمكن تسميته «محور السيادة» بوصفه مرآة لحسابات الدولة، لا انفعالات اللحظة. فرغم التنافس مع طهران، وصراع النفوذ على مناطق أخرى وتعقيدات الوضع في غزة، لم تنزلق هذه الدول إلى مواجهة مفتوحة مع إيران، مدركةً أن هذا سيخلق فوضى عارمة لا يمكن السيطرة عليها، ويضيف ساحة اضطراب جديدة إلى حدودها.

أما العلاقة مع إسرائيل وكل ما يسوق له من فرص السلام، فلا يمكن أن يدخل ضمن خانة المفكر فيه مع هذا التوغل في غزة والضفة، والاستخدام الوحشي المفرط للقوة ضد الأطفال والمدنيين، وهذا موقف يتطابق فيه الرأي السياسي والمجتمعي، ولا يعبر عن كره أو معاداة للسامية، أو عدم رغبة في السلام، بل هو ينطلق من احترام قرارات الشرعية الدولية، والحفاظ على أهل غزة والفلسطينيين وحقهم المشروع والعادل. المعادلة الجديدة التي تتبناها «دول محور السيادة» لا تقوم على حب طهران أو كره تل أبيب؛ بل على رؤية صلبة تقول: لا يمكن للمنطقة أن تستمر رهينة تناقضات دولية لا تخدم سكانها. فالجيل الجديد في الشرق الأوسط لا يعرف حروب 1967، ولا اتفاقيات 1978، ولا يشعر بأن الصراع العربي - الإسرائيلي يختزل حياته، هذا الجيل - الذي يشكل غالبية السكان - يريد العمل، والتعليم، والإنترنت، وسوقاً حرة، لا تستهلكها العقوبات ولا تدمّرها الانفجارات، ومع ذلك، لا يمكن أن يظل حبيس «العدمية» القاسية التي تفرزها لغة الأرقام ومنطق الصورة في عالم شديد التواصل اليوم تجاه ما يحدث ضد الأبرياء في غزة وفلسطين. هذا التحول الجيلي في الأولويات، والموقف الاستراتيجي في الدول، يعكس لحظة فارقة قابلة للاستثمار تقول بوضوح: الشرق الأوسط لم يعُد ذلك الإقليم القابل للتلاعب، ولا البيدق الذي يُحرّك في صراع القوى الكبرى. فالدول الإقليمية لم تعُد تعاني عقدة «الحماية الغربية»، ولا ترى في كل منافسة إقليمية تهديداً وجودياً؛ بل تملك من الثقة والرؤية ما يجعلها تتحدث بنديّة، وتفاوض على المصالح، وتضع الحدود لما يُقبل وما يُرفض. ما تطلبه دول محور «السيادة» - رغم الخلافات بينها - ليس مستحيلاً: احترام سيادة الدول، وكبح التوسع العسكري، وتحجيم الميليشيات، وإعادة الروح إلى القانون الدولي. وليس من العقل في شيء أن تبقى منطقة تمتد من كابل إلى غزة، ساحة مفتوحة للضربات والتجارب، بينما تتفرج الأمم المتحدة، وتغيب التفاهمات الكبرى، ويعلو صوت المدافع على صوت التنمية. أما على الجانب الأميركي، فالسؤال اليوم لم يعُد عن كيفية التعامل مع إيران أو الدفاع عن إسرائيل، بل: ماذا تريد واشنطن من المنطقة؟ وهل تدرك أن حلفاءها الإقليميين لم يعودوا أدوات تنفيذ؛ بل شركاء في صنع القرار، يملكون مقارباتهم، وأولوياتهم، وهموم شعوبهم؟ وإذا كانت إسرائيل تسعى لتوسيع نفوذها بحجج «الأمن» أو بأوهام شرق أوسط جديد، فإن الأمن لا يُصان بالقصف، ولا تُبنى الشرعية على أنقاض القانون. كما أن الحجج التي حاولت إسرائيل تسويقها لم تعُد تقنع أحداً، فالمنطقة اليوم أكثر وعياً، وأكثر انفتاحاً، وأكثر واقعية. من يُرِد الأمن، فليصنع السلام. ومن يُرِد السلام، فليعترف بأن للآخرين سيادة لا يجوز انتهاكها، وحقوقاً لا يمكن القفز عليها. والحال أن المواقف الإقليمية الرافضة للتدخلات الخارجية لا يمكن اختزالها في شعارات آيديولوجية. إن السعودية وتركيا ومصر وغيرها من دول الإقليم، تقول بوضوح: نريد شرقَ أوسط جديداً، لكنه لا يُبنى على الأنقاض، ولا يُدار بالمظلات العسكرية، ولا يُختزل في خطوط حمراء ترسمها واشنطن أو تل أبيب؛ بل نريد شرقَ أوسط تُصنع فيه النهضة من الداخل، وتحترم فيه الهويات، وتعلو فيه رايات التنمية على دمار الجغرافيا السياسية. إنها ليست مسألة حب أو كره؛ إنها مسألة وعي إقليمي يتجذّر، واحترام للقانون الدولي الذي طالما استُخدم أداة للمصالح، لا مرجعية للعدالة.

 

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

احتراماً للقانون الدولي احتراماً للقانون الدولي



GMT 14:55 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

بدعة النزاهة

GMT 12:21 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

نريد نتائج لا تنظيرًا

GMT 12:20 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

مرشحو الرحيل

GMT 12:19 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

مادورو على توقيت ترمب

GMT 12:18 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

القزويني والمياه الرقمية المُلوّثة

GMT 12:17 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

الفاشر وتغيّر قلوب الرجال

GMT 12:15 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

النشاز الإسرائيلي في الدبلوماسية الأميركية

GMT 12:14 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

الإلغاء لا يحل مشكلة القوائم

الرقة والأناقة ترافق العروس آروى جودة في يومها الكبير

القاهرة ـ لبنان اليوم

GMT 09:49 2020 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

يحاول أحد الزملاء أن يوقعك في مؤامرة خطيرة

GMT 13:56 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

تستفيد ماديّاً واجتماعيّاً من بعض التطوّرات

GMT 13:06 2020 الجمعة ,01 أيار / مايو

أبرز الأحداث اليوميّة

GMT 16:31 2019 الأربعاء ,01 أيار / مايو

فرص جيدة واحتفالات تسيطر عليك خلال هذا الشهر

GMT 12:08 2020 الثلاثاء ,02 حزيران / يونيو

شؤونك المالية والمادية تسير بشكل حسن

GMT 12:37 2020 الإثنين ,29 حزيران / يونيو

ابرز الأحداث اليوميّة

GMT 15:17 2020 الجمعة ,10 إبريل / نيسان

يحمل هذا اليوم آفاقاً واسعة من الحب والأزدهار

GMT 16:49 2021 الإثنين ,15 شباط / فبراير

تضطر إلى اتخاذ قرارات حاسمة

GMT 11:57 2020 الثلاثاء ,02 حزيران / يونيو

لا تكن لجوجاً في بعض الأمور

GMT 14:59 2020 الجمعة ,10 إبريل / نيسان

عليك أن تتجنب الأنانية في التعامل مع الآخرين

GMT 15:32 2024 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية مميزة توفر متعة التزلج في فصل الشتاء

GMT 16:53 2018 الجمعة ,21 كانون الأول / ديسمبر

سعد الحريري يتوقع تشكيل حكومته الجديدة مساء الجمعة

GMT 10:29 2017 الخميس ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

الشمبانزي قادرة على تقييم المخاطر وتحذير أقرانها

GMT 20:51 2019 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

طائرة الجزائر يواجه الكاميرون في الالعاب الأوليمبية 2020
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
Pearl Bldg.4th floor, 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh, Beirut- Lebanon.
lebanon, lebanon, lebanon