ربع قرن على 11 سبتمبر تشظيات الإرهاب وتحوّلاته

ربع قرن على 11 سبتمبر: تشظيات الإرهاب وتحوّلاته

ربع قرن على 11 سبتمبر: تشظيات الإرهاب وتحوّلاته

 لبنان اليوم -

ربع قرن على 11 سبتمبر تشظيات الإرهاب وتحوّلاته

بقلم : يوسف الديني

ربع قرن تقريباً على أحداث 11 سبتمبر (أيلول) 2001، بدا العالم فيه وكأنه أمام عصر جديد من مواجهة الإرهاب والتطرف. لم يعد السؤال هل يمكن القضاء عليه نهائياً، بل كيف يمكن التنبه الدائم له وإدارة مخاطره. ورد في دراسة لمجلس العلاقات الخارجية عام 2025: «التهديد لم يختفِ، بل تبدل شكله وتوزع جغرافياً وآيديولوجياً». هذه الجملة تختصر ربع قرن من سياسات أمنية وعسكرية واقتصادية وإعلامية لم تنجح في اجتثاث الظاهرة، لكنها نجحت في تحجيمها والحد من قدرتها على إحداث صدمات كبرى بحجم 11 سبتمبر.

التقارير الحديثة تقدم صورة رقمية واضحة. مؤشر الإرهاب العالمي لعام 2025 يذكر أن تنظيم «داعش» والجماعات المتفرعة عنه ظلت الأكثر فتكاً في العالم، حيث امتد نشاطه إلى أكثر من ثلاثين دولة. كما يشير إلى أن عدد الهجمات في الغرب ارتفع للمرة الأولى منذ عام 2017، لكن عدد الوفيات انخفض مقارنة بالعقد السابق. هذا الاتجاه المزدوج يكشف أن الإرهاب يتطوّر إلى نمط «الهجمات الصغيرة المتكررة»، التي لا تقتل أعداداً كبيرة لكنها تترك أثراً نفسياً وإعلامياً عميقاً.

مراكز الأبحاث مثل مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية (CSIS) توضح أن مركز الثقل الإرهابي لم يعد في أفغانستان والعراق فقط، بل تحول صوب أفريقيا والساحل والصومال. في تقرير صدر العام الماضي، جاء أن «70 في المائة من الوفيات الناتجة عن الإرهاب في 2024 وقعت في أفريقيا جنوب الصحراء». هذه الأرقام تكشف انتقال المعركة إلى مناطق هشّة أمنياً وسياسياً، حيث الدولة الضعيفة والمجتمعات المفككة بيئة خصبة لتفشي التطرف والإرهاب.

الصورة ليست جغرافية فحسب، بل آيديولوجية أيضاً. فبحسب وزارة الأمن الداخلي الأميركية، تصاعد التطرف العنيف المحلي في الغرب ليصبح تهديداً موازياً للتيارات «الجهادية». عنف عنصري، حركات يمينية متطرفة، شبكات مؤامراتية رقمية، كلها باتت تتقاطع في أدوات وأساليب مع الحركات «الجهادية». هذا يعني أن الإرهاب لم يعد عدواً قادماً من بعيد كما كان يُنظر إليه بعد 11 سبتمبر، بل صار جزءاً من النسيج الاجتماعي والسياسي للدول الكبرى نفسها خصوصاً مع وجود ملفات ضخمة عالقة تتصل بالهويّات الفرعية والإدماج والتمييز.

التقارير الصادرة عن معهد السياسة الدولية لمكافحة الإرهاب (ICCT) تؤكد بلغة الأرقام التي لا تكذب كيف أن تنظيم «داعش» ما زال نشطاً حتى بعد سقوط خلافته المزعومة، حيث تحوّل إلى شبكة أقاليم معقدة. وفي عبارة لافتة من التقرير «قد تكون دولة الخلافة المكانية قد انتهت، لكن الخلافة الشبكية تتوسع بشكل مطرّد». وهذا هو سر «العطب المزمن» للمقاربات الهشة والتسطيحية لموضوع الإرهاب والتي تعلو أو تخفت تبعاً للتناول الإعلامي وليس الحقائق على الأرض: الآيديولوجيا التي تتكيف مع السياقات، وتتبنى لغة المظلومية والهوية، وتستفيد من الفضاء الرقمي لتجنيد الأفراد وإلهامهم، ما زالت مستمرة. والخبراء في هذا الملف يدركون ذلك وهم يتابعون الهجرات الرقمية لخطاب التطرف بل والأنماط الجديدة من استخدام الذكاء الاصطناعي والدردشة الآلية للتجنيد.

الفضاء الرقمي اليوم هو ساحة المعركة الأساسية. يشير تقرير «سوفان سنتر» لعام 2025 إلى أن من نتائج حالة الاستقطاب خصوصاً بعد أحداث «طوفان الأقصى» وما تلاه إعادة تنشيط دعايات التجنيد عبر الإنترنت، وخلق موجة جديدة من الخطاب العابر للحدود. أصبح من الممكن أن يتأثر شخص يجلس في أوروبا أو آسيا بمقاطع فيديو قصيرة، فيقرر تنفيذ هجوم فردي من دون أي ارتباط تنظيمي مباشر. هذه الظاهرة تُعرف في الأدبيات الأمنية بـ«هجمات ردة الفعل والمحاكاة»، وهي الأخطر لأنها غير قابلة للتنبؤ ومبنية على قرار سريع، ولا تحتاج سوى هاتف ذكي وخطاب عاطفي.

الأرقام مجدداً تدعم هذا الاتجاه في قراءة الحالة العنفية، فبين عامي 2020 و2024، تراجعت الهجمات الكبرى ذات التخطيط المعقد بنسبة 60 في المائة، لكن الهجمات الفردية ارتفعت بنسبة 35 في المائة في أوروبا وأميركا الشمالية. هذه المفارقة تعني أن التهديد العنفي بات «أقل مركزية وأكثر فوضوية».

الفجوة بين الأجيال أيضاً عنصر مهم. جيل ما بعد 11 سبتمبر لم يعد يحمل الذاكرة الصادمة نفسها التي شكلت مناعة نسبية لدى من عاشوا الحدث، وهذا ما تؤكده دراسة نشرت في الولايات المتحدة هذا العام وخلصت إلى أن 62 في المائة من الشباب تحت سن 25 لا يعرفون تفاصيل دقيقة عن 11 سبتمبر، ويرونه مجرد «حدث تاريخي» بعيد. هذا الضعف في الذاكرة الجمعية يفتح الباب أمام دعايات جديدة تُقدَّم بلباس معاصر ولغة شبابية.

إذن، أين يقف العالم بعد 25 عاماً؟ يمكن تلخيص الاتجاهات الكبرى في أربع نقاط. أولاً: الإرهاب يتشظى ويتذرر ولا ينكمش أو يتراجع، من مركزية «القاعدة» إلى لا مركزية «داعش» ثم إلى فروع وتجليات مرنة في أفريقيا وآسيا مع تزايد ظاهرة «الذئاب المنفردة». من جهة ثانية، التطرف لم يعد عابراً للحدود فقط بل أصبح داخلياً أيضاً، يضرب في قلب الغرب كما في الأطراف وبأشكال تتجاوز الأطر التقليدية الدينية والمذهبية منها، وأيضاً الفضاء الرقمي صار هو البيئة الحاضنة التي تعوّض فقدان الأرض الميدانية.

الأكيد أن الإرهاب أصبح مرضاً مزمناً، لا يمكن استئصاله، بل فقط تحجيم أعراضه وإدارة مخاطره، والمستقبل لا يبشّر بانتهاء الظاهرة، لكنه قد يشهد تحولات جديدة في أشكالها. من المتوقع أن تتزايد الهجمات النوعية في مناطق لا تحظى باهتمام كبير على حساب العمليات الضخمة ذات البعد الإعلامي والتي قد تجلب استهداف التنظيمات التي بدأت تسعى إلى توطين مقاتليها في البلدان المستهدفة، ومن هنا يمكن فهم تحول أفريقيا إلى أخطر مسرح اليوم في مسألة المجاميع المسلحة مع احتمال استمرار بروز «داعش-خراسان» كأكثر الفروع تهديداً. كما أن التداخل بين التطرف السياسي المحلي والعابر للحدود سيجعل المواجهة أكثر تعقيداً، لأن الخطر سيكون في الداخل والخارج في آن واحد.

حدث 11 سبتمبر كان نقطة سوداء في تاريخ العالم، لكنه أيضاً فتح نوافذ اليقظة والانتباه على ما كان كامناً في العتمة.

 

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ربع قرن على 11 سبتمبر تشظيات الإرهاب وتحوّلاته ربع قرن على 11 سبتمبر تشظيات الإرهاب وتحوّلاته



GMT 14:55 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

بدعة النزاهة

GMT 12:21 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

نريد نتائج لا تنظيرًا

GMT 12:20 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

مرشحو الرحيل

GMT 12:19 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

مادورو على توقيت ترمب

GMT 12:18 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

القزويني والمياه الرقمية المُلوّثة

GMT 12:17 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

الفاشر وتغيّر قلوب الرجال

GMT 12:15 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

النشاز الإسرائيلي في الدبلوماسية الأميركية

GMT 12:14 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

الإلغاء لا يحل مشكلة القوائم

الرقة والأناقة ترافق العروس آروى جودة في يومها الكبير

القاهرة ـ لبنان اليوم

GMT 22:24 2021 الأحد ,10 كانون الثاني / يناير

تتمتع بالنشاط والثقة الكافيين لإكمال مهامك بامتياز

GMT 00:05 2020 السبت ,24 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج الجوزاء الإثنين 26 تشرين الثاني / أكتوبر 2020

GMT 20:45 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

أفضل الوجهات العربية لقضاء خريف معتدل ومليء بالتجارب الساحرة

GMT 08:41 2018 السبت ,15 كانون الأول / ديسمبر

أحمد في ورطة؟

GMT 18:57 2025 الأحد ,05 تشرين الأول / أكتوبر

موديلات عبايات لصيف 2025 ستجعلك تبدين أصغر سناً

GMT 13:03 2020 الإثنين ,07 كانون الأول / ديسمبر

زاهى حواس يكشف طلب الرئيس السادات عندما زار المتحف المصرى

GMT 14:57 2021 الإثنين ,04 تشرين الأول / أكتوبر

حريق داخل بسطة خضار بداخلها غالونات بنزين ومازوت في بعبدا

GMT 23:57 2020 الأربعاء ,08 إبريل / نيسان

5 نصائح تمكنك من الانسجام والتفاهم مع شريك حياتك

GMT 22:53 2021 الإثنين ,08 آذار/ مارس

انا والكورونا و المرأة في يومها العالمي

GMT 16:11 2022 الجمعة ,20 أيار / مايو

لبنان يوجه ضربة مزدوجة لطهران
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
Pearl Bldg.4th floor, 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh, Beirut- Lebanon.
lebanon, lebanon, lebanon