مطرقة ترمب على خريطة العالم

مطرقة ترمب على خريطة العالم

مطرقة ترمب على خريطة العالم

 لبنان اليوم -

مطرقة ترمب على خريطة العالم

عبد الرحمن شلقم
بقلم : عبد الرحمن شلقم

القارة العجوز كما يسمونها، هي من صنعت الولايات المتحدة، منذ اكتشافها على يد بحارة أوروبيين. وفي حربها مع المستعمر البريطاني من أجل الاستقلال، اعتمدت على الدعم الفرنسي، واهتدت بكثير من أفكار الثورة الفرنسية، في قواعد إقامة الدولة الجديدة. عند اشتعال الحرب العالمية الثانية، واجتياح الجيوش الألمانية النازية لفرنسا، وقصف لندن بطيرانها العسكري، ثم الهجوم على الاتحاد السوفياتي، أيقن رئيس الوزراء البريطاني، أن صمود شعبه في وجه القوة النازية، لن يطول ولا سبيل لكسر المشروع العدواني الألماني، إلا بدعم أميركي واسع عسكرياً ومالياً وسياسياً. ارتبط تشرشل بعلاقة صداقة مع الرئيس الأميركي آنذاك فرنكلين روزفلت، لكنه لم يتمكن من إقناعه بدعم بريطانيا في حربها مع هتلر. الرئيس روزفلت وكان من الحزب الديمقراطي الأميركي، وحكم الولايات المتحدة أربع مرات، ولم يغادر البيت الأبيض إلا بسبب الوفاة، رفض في البداية تقديم الدعم العسكري لبريطانيا، بسبب المعارضة الشعبية في أميركا لذلك. جاءت ضربتا القدر اللتان حققتا أمل ونستون تشرشل. الأولى الهجوم الياباني على ميناء بيرل هاربر الأميركي، والثانية الهجوم الألماني على الاتحاد السوفياتي. اندفعت الولايات المتحدة بقوة عسكرية هائلة متحالفة مع بريطانيا وقوات فرنسا الحرة التي يقودها شارل ديغول. فتحت صفحة جديدة في مسار التاريخ. بعد هزيمة ألمانيا في الحرب العالمية الثانية، بقوة الآلة العسكرية الأميركية، قام الرئيس الأميركي هاري ترومان الذي خلف الرئيس روزفلت، بإعادة إعمار أوروبا المدمرة، عبر مشروع مارشال، وأصبح غرب القارة العجوز، تابعاً للولايات المتحدة.

الآن تفتح الولايات المتحدة، صفحة أخرى في كتاب علاقتها مع أوروبا بشرقها وغربها، بيد الرئيس دونالد ترمب. محركه الأساسي الحرب الروسية على دولة أوكرانيا. الحروب تصنع التحولات التاريخية الكبيرة. في السنوات الثلاث الماضية، قدمت الولايات المتحدة، ومعها دول الاتحاد الأوروبي، دعماً عسكرياً ومالياً ضخماً لأوكرانيا، وفرضت عقوبات واسعة على روسيا.

في حملته الانتخابية الرئاسية، تعهد دونالد ترمب، بإنهاء الحرب الروسية - الأوكرانية في أربع وعشرين ساعة، وأنه لو كان رئيساً لأميركا قبل اشتعال تلك الحرب، لما نشبت أصلاً. مباشرة بعد فوزه في الانتخابات الرئاسية، شرع ترمب يهوي بمطرقته، على الجانب الأوكراني، وعرض حلَّه الذي يعدّه حاسماً، وهو أن تقبل أوكرانيا بالتنازل عن الأرض التي احتلتها روسيا، وأضاف أن على الرئيس زيلينسكي أن يغادر السلطة، لأنه ديكتاتور قاد بلاده إلى الدمار، فهو من تسبب في تلك الحرب الدامية. الرئيس ترمب طالب أوكرانيا بأن تعوض الولايات المتحدة، على كل ما قدمته لها من دعم مالي وعسكري، عبر المعادن التي تختزنها أرض أوكرانيا. مطرقة ترمب هوت أيضاً على جبل التاريخ الطويل، من التحالف بين الولايات المتحدة وأوروبا، التي تجمع على إدانة الغزو الروسي لأوكرانيا، وتجنح إلى استمرار دعمها عسكرياً ومالياً. بدأ القادة الأوروبيون يراجعون علاقاتهم الاستراتيجية العسكرية والاقتصادية والسياسية مع الولايات المتحدة. ارتفعت أصوات أوروبية تدعو إلى إقامة جيش أوروبي، يحقق الاستقلال العسكري عن حلف «الناتو» الذي تهيمن عليه الولايات المتحدة. لم يعد خافياً أن الرئيس دونالد ترمب، ينتهج سياسة الانسحاب من المنظمات الدولية، وفق مبدأ «أميركا أولاً». انسحب من منظمة الصحة العالمية، ومن اتفاق باريس للمناخ، وأوقف برنامج المساعدات الأميركية لكل الدول، باستثناء مصر وإسرائيل. هل سيوقف الرئيس دونالد ترمب دفع المساهمة الأميركية لمنظمة الأمم المتحدة، التي تبلغ نحو ربع ميزانيتها، وبذلك تصبح معاقة مالياً، وتدخل في دائرة النهاية؟ من دون شك؛ فإن العالم يتحرك نحو تشكل آخر، وذلك ما عبر عنه وزير الخارجية الروسي لافروف، في كلمته أمام مجلس الدوما الروسي، في الأسبوع الماضي.

الولايات المتحدة قوة عسكرية وصناعية وعلمية غير مسبوقة. شكلت التكوين العالمي منذ الحرب العالمية الثانية، منذ الرئيسين فرنكلين روزفلت وهاري ترومان. الاتحاد السوفياتي كان القوة الوحيدة التي شكلت المقارع السياسي والعسكري لأميركا، وبعد انهياره انفردت الولايات المتحدة، بالتحكم في القرارات الدولية الأكثر أهمية. موازين القوة في عالم اليوم، تتحرك ببروز قوى كبيرة أخرى، وفي مقدمتها الصين الشعبية التي حققت تقدماً اقتصادياً هائلاً، ولها وجود منافس للولايات المتحدة وأوروبا. التقارب الصيني - الروسي والكوري الشمالي، له فاعليته الكبيرة التي ستسهم في إعادة رسم خريطة القوة العالمية. الرئيس دونالد ترمب سيهزُّ كثيراً من المسلمات السياسية والاقتصادية، التي عاش فيها العالم وتعايش معها لسنوات طويلة، دعا إلى ضم كل من كندا وغرينلاند إلى بلاده، وهدد بالهيمنة على قناة بنما، وغيَّر اسم خليج المكسيك إلى خليج أميركا. لا نستبعد أن يكون الرئيس الأميركي الثالث، الذي يضع بصمات جديدة على خريطة العالم، بعد الرئيسين روزفلت وترومان، اللذين رسما خريطة العالم في القرن العشرين، وفرضا السيطرة الأميركية على اليابان بعد ضربها بالقنبلة الذرية، وعلى كوريا الجنوبية وأوروبا الغربية، كما فرضت الولايات المتحدة نمطيها السياسي والاقتصادي على هذه الدول.

 

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مطرقة ترمب على خريطة العالم مطرقة ترمب على خريطة العالم



GMT 14:55 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

بدعة النزاهة

GMT 12:21 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

نريد نتائج لا تنظيرًا

GMT 12:20 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

مرشحو الرحيل

GMT 12:19 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

مادورو على توقيت ترمب

GMT 12:18 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

القزويني والمياه الرقمية المُلوّثة

GMT 12:17 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

الفاشر وتغيّر قلوب الرجال

GMT 12:15 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

النشاز الإسرائيلي في الدبلوماسية الأميركية

GMT 12:14 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

الإلغاء لا يحل مشكلة القوائم

الرقة والأناقة ترافق العروس آروى جودة في يومها الكبير

القاهرة ـ لبنان اليوم

GMT 09:49 2020 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

يحاول أحد الزملاء أن يوقعك في مؤامرة خطيرة

GMT 13:56 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

تستفيد ماديّاً واجتماعيّاً من بعض التطوّرات

GMT 13:06 2020 الجمعة ,01 أيار / مايو

أبرز الأحداث اليوميّة

GMT 16:31 2019 الأربعاء ,01 أيار / مايو

فرص جيدة واحتفالات تسيطر عليك خلال هذا الشهر

GMT 12:08 2020 الثلاثاء ,02 حزيران / يونيو

شؤونك المالية والمادية تسير بشكل حسن

GMT 12:37 2020 الإثنين ,29 حزيران / يونيو

ابرز الأحداث اليوميّة

GMT 15:17 2020 الجمعة ,10 إبريل / نيسان

يحمل هذا اليوم آفاقاً واسعة من الحب والأزدهار

GMT 16:49 2021 الإثنين ,15 شباط / فبراير

تضطر إلى اتخاذ قرارات حاسمة

GMT 11:57 2020 الثلاثاء ,02 حزيران / يونيو

لا تكن لجوجاً في بعض الأمور

GMT 14:59 2020 الجمعة ,10 إبريل / نيسان

عليك أن تتجنب الأنانية في التعامل مع الآخرين

GMT 15:32 2024 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية مميزة توفر متعة التزلج في فصل الشتاء

GMT 16:53 2018 الجمعة ,21 كانون الأول / ديسمبر

سعد الحريري يتوقع تشكيل حكومته الجديدة مساء الجمعة

GMT 10:29 2017 الخميس ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

الشمبانزي قادرة على تقييم المخاطر وتحذير أقرانها

GMT 20:51 2019 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

طائرة الجزائر يواجه الكاميرون في الالعاب الأوليمبية 2020
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
Pearl Bldg.4th floor, 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh, Beirut- Lebanon.
lebanon, lebanon, lebanon