حتى لا تقع البلدان النامية في فخاخ الديون

حتى لا تقع البلدان النامية في فخاخ الديون

حتى لا تقع البلدان النامية في فخاخ الديون

 لبنان اليوم -

حتى لا تقع البلدان النامية في فخاخ الديون

بقلم : د. محمود محيي الدين

في سلسلتها عن عالم الديون، حذرت «الأونكتاد»، التابعة للأمم المتحدة من توحش أزمة الاستدانة الخارجية للبلدان النامية، وكيف أنها تضاعفت في حجمها مرتين منذ سنة 2010، لتصل إلى نحو 31 تريليون دولار، بتكاليف للديون زادت بنحو 10 في المائة في السنة الماضية مقارنةً بالسابقة عليها. وبنفقات عامة على الفوائد فقط، أي من دون سداد أصل الدين، تتجاوز في موازنات بلدان نامية ما تنفقه على التعليم أو الصحة العامة، وفي حالات أكثر مما تنفقه عليهما معاً.

وليس هذا هو التقرير الأول، ولن يكون الأخير، الذي جاء بمثل هذه التحذيرات الصادمة عن مخاطر أزمة الديون. ولا أحسب أن ما يسمى «النظام الدولي»، بقياداته المنغمسة في ممارسات مقوِّضة لأسسه المتقادمة، سيعالج هذه الأزمة تلقائياً أو يحشد لها ما تستوجبه. فقد صدرت تقارير منذرة بما هو أخطر على السلم والأمن الدوليين فلم يتحرك لها ساكن، إلا بعد فوات الأوان. ألا نتذكر كيف أهملت تقارير «مجلس متابعة الاستعدادات العالمية» لمواجهة الأوبئة والجوائح؟ وكان منها تقرير «العالم في خطر»، بتوصياته السبع للتصدي للجوائح في عام 2019، فكان مصيرها الإهمال حتى أصاب العالم هلع أزمة كورونا في عام 2020، بضحاياها وتداعياتها الإنسانية والاقتصادية، وتبعاتها حتى اليوم.

من الدروس المستفادة من الأزمات السابقة وتقاريرها، ألّا تنتظر البلدان النامية منحاً بالاهتمام من سدنة «نظام» يُمضون ما تبقى لهم من زمن الهيمنة القديم في افتعال معارك، وإرباك الساحة الدولية بما قد يطيل، في ظنهم، أمد السطوة.

ومن المبادرات التي يجب أن تسابق الزمن في تفعيلها منصة مشتركة لتوحيد صف البلدان المدينة، وتنسق مواقفها في المؤسسات الدولية، وتتصدى لما تعانيه فيها من تحيز وتفاوت، وتيسِّر تلقيها المعرفة عن مستجدات الاستثمار والتمويل والديون الدولية وأسواقها، تمكِّنها من الحصول على الدعم الفني لمؤسسات اتخاذ القرار الاقتصادي، ومنها وزارات المالية والبنوك المركزية خاصة، وتُذكي قدراتها التفاوضية مع مقرضيها.

وقد كان من مخرجات مؤتمر إشبيلية لتمويل التنمية، الذي اختتم أعماله في شهر يوليو (تموز) الماضي، ما نصَّ صراحةً على الالتزام بإنشاء «منصة للمقترضين لمشاركة الخبرات، وتنسيق المواقف، وتدعيم صوت المقترضين». كما جاء في التوصية السابعة من تقرير «مجموعة خبراء الديون بالأمم المتحدة» نصاً: «تأسيس منتدى للمقترضين لتبادل المعرفة والخبرات، وتقديم المشورة، وتدعيم فاعلية تمثيلهم وأصواتهم في المحافل والفعاليات الدولية».

ويجدر إطلاق مسمى «نادي مستثمري التنمية المستدامة» على هذه المنصة أو المنتدى. ولهذا المسمى الذي تَطوَّر في أثناء نقاش مع الاقتصادي هومي خاراس، الخبير المرموق بمعهد بروكنغز، دلالة بأن الاقتراض دولياً يجب أن يستند إلى ضرورة الاستثمار في مشروع من مشاريع التنمية، ولا يبرَّر إلا بجدواها، والقدرة على سداده، وأنه يأتي في إطار توليفة من التمويل تستدعيه، بعد مقارنة كل البدائل وتكاليفها وعوائدها. ويقيناً إذا ما استرشد بمثل هذه المعايير لما وقعت بلدان نامية في فخاخ الديون الدولية مرة بعد مرة.

ينبغي أن يكون لهذا النادي بناء مؤسسي كفء وفعال. ويجب أن يكون مقتصراً في مكونه الرئيسي على أعضاء مؤسِّسين من كل أقاليم عالم الجنوب من غير المقرضين، ويمكن أن تكون له دائرة أوسع من الدول الأخرى، والمؤسسات كمراقبين، وتكون له لجنة تسيير، لفترات محددة، من وزراء المالية ومحافظي البنوك المركزية، يراعى فيها تنوع التمثيل الجغرافي، وأحجام الدول، من دون غبن أو انحياز. كما يجب أن تعتمد على سكرتارية فنية متخصصة من الأكفاء، تكون حلقة الوصل بين الأعضاء ومجموعة الخبراء والمتخصصين العالميين الذين سيستعان بهم في مهام المؤسسة لخدمة أعضائها في المجالات المشار إليها سواء لإدارة الديون، أو لمنع الأزمات والتصدي لها حال حدوثها.

وتتعدد الصور الممكنة لتأسيس هذا الكيان الجديد، وأفضلها ما جاء على شكل مشاركات كمنظمة غير هادفة للربح؛ منها على سبيل المثال التحالف العالمي للقاحات «غافي». مما يعطيه المرونة الواجبة في أداء مهامه، والندِّية في التعامل مع المؤسسات والمنظمات الدولية القائمة، والتجديد المستمر في تطوير العمل مع الشفافية الكاملة في إعداد التقارير ونشرها. على أن يعكس الشكل التنظيمي مستجدات العالم وساحات التمويل التي أمست مؤسسات القطاع الخاص وجِهات العمل الطوعي والخيري تحتل فيها مكانة متميزة ومتزايدة التأثير لا يمكن إغفالها.

ستكون لدول الجنوب فرصة أخرى في المشاركة في مؤسسة أخرى معنية بالديون، أوصت بها مخرجات مؤتمر تمويل التنمية، تختلف في مهامها عن «نادي مستثمري التنمية المستدامة»، ألا وهي منتدى القروض الدولية، ولنطلق عليه «منتدى إشبيلية»، على اسم المدينة التي استضافت مؤتمر تمويل التنمية. وفي هذا المنتدى يجتمع المقترضون والمقرضون معاً، وتشترك فيه كل جهات منح الائتمان الرسمية، والخاصة، والثنائية والمتعددة الأطراف، جنباً إلى جنب مع جميع المقترضين من بلدان نامية ومتقدمة. وأولى مهامه في تقديري، هي تطوير معايير الإقراض والاقتراض المسؤول، وتفعيلها. وفي هذا المنتدى تُجرى نقاشات مستندة إلى تقارير محدَّثة عن واقع أسواق القروض، والسياسات المقترحة حيالها، وتبادل الرأي حول سبل تطوير البناء المالي العالمي ومؤسساته، بما في ذلك تلك المعنية بالتصنيف الائتماني ومناهجها.

يجب أن تكون لهذا المنتدى سكرتارية فنية تنظم أعماله، ولجنة تسيير متوازنة تُمثَّل فيها كل أطراف الإقراض والاقتراض. وإذا تحقق له التطور المستهدف، سيكون له دور مهم في التوقي من أزمات الديون، ومنع وقوعها.

 

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

حتى لا تقع البلدان النامية في فخاخ الديون حتى لا تقع البلدان النامية في فخاخ الديون



GMT 17:06 2025 السبت ,20 كانون الأول / ديسمبر

«الانتقالي» فتح عشَّ الانفصاليين

GMT 17:05 2025 السبت ,20 كانون الأول / ديسمبر

تمنيات للجزائر

GMT 17:04 2025 السبت ,20 كانون الأول / ديسمبر

زيتونة فلسطينية تناجي ياسر عرفات

GMT 17:03 2025 السبت ,20 كانون الأول / ديسمبر

مخالب «داعش» ما زالت تخمش

GMT 17:02 2025 السبت ,20 كانون الأول / ديسمبر

خلوة صير بني ياس... التفكير الهادئ في زمن الاضطراب

GMT 17:01 2025 السبت ,20 كانون الأول / ديسمبر

«موجز القوة» ومستقبل العسكرية الأميركية

GMT 17:00 2025 السبت ,20 كانون الأول / ديسمبر

نظرية ماكس فيبر... وأسباب تفوّق الملَكية

GMT 16:59 2025 السبت ,20 كانون الأول / ديسمبر

الأيام الجهمة

الرقة والأناقة ترافق العروس آروى جودة في يومها الكبير

القاهرة ـ لبنان اليوم

GMT 18:05 2025 السبت ,20 كانون الأول / ديسمبر

غارة إسرائيلية تستهدف بلدة الطيبة جنوبي لبنان
 لبنان اليوم - غارة إسرائيلية تستهدف بلدة الطيبة جنوبي لبنان

GMT 10:52 2020 السبت ,29 شباط / فبراير

مناخا جيد على الرغم من بعض المعاكسات

GMT 13:47 2020 الإثنين ,29 حزيران / يونيو

أجواء إيجابية لطرح مشاريع تطوير قدراتك العملية

GMT 09:19 2025 الخميس ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

آبل تُطلق قريباً ميزة لهواتف آيفون

GMT 15:13 2022 السبت ,07 أيار / مايو

اتيكيت تقديم الطعام في المطاعم

GMT 10:51 2020 الأحد ,26 إبريل / نيسان

انضمام هند جاد لـ "راديو9090" خلال شهر رمضان

GMT 20:33 2025 الخميس ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

زلزال بقوة 6,6 درجات يضرب غرب إندونيسيا

GMT 11:49 2017 الإثنين ,18 أيلول / سبتمبر

تعرف علي توقعات أحوال الطقس في الكويت الإثنين

GMT 18:15 2023 الإثنين ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

يوفنتوس أوقف مفاوضات تمديد عقد فلاهوفيتش

GMT 04:34 2021 الثلاثاء ,05 كانون الثاني / يناير

كشف أسرار جديدة ومميزة عن التيروصورات الطائرة

GMT 13:41 2020 الثلاثاء ,02 حزيران / يونيو

تغييرات مفاجئة تحدث لك خلال هذا الشهر

GMT 10:00 2019 الأربعاء ,22 أيار / مايو

ترامب في زيارة رسمية إلى أيرلندا للمرة الأولى
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
Pearl Bldg.4th floor, 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh, Beirut- Lebanon.
lebanon, lebanon, lebanon