كيف أخرج من لبنان

كيف أخرج من لبنان؟

كيف أخرج من لبنان؟

 لبنان اليوم -

كيف أخرج من لبنان

نسيم الخوري
بقلم : نسيم الخوري

لبنان صار وطناً مشتّتاً مهزوماً ضائعاً في شقوق الفشل والتقصير والصراعات المذهبية السخيفة المحليّة والإقليمية والدولية والدينية المتفاقمة.
«لبنان ما عاد وطناً بالمعنى الذي كنتم وما زلتم تحلمون به هناك في بلاد الاغتراب. صار وطن المجاعة المقفل، وأسواق المقايضة وتبادل الحاجيات التي راحت تنصب في الساحات وعلى الأرصفة؛ حيث لا أموال بين أيدي الناس. صار وطناً مشتّتاً مهزوماً ضائعاً في شقوق الفشل والتقصير والصراعات المذهبية السخيفة المحليّة والإقليمية والدولية والدينية المتفاقمة. أنتم أبناء لبنان وأنتم أصحاب طاقات ومشاريع ثقافية وعلاقات مالية وتنموية هائلة في الوطن العربي وأوطان الخليج العربي والعالم كلّه، وتبرقون في حقول العالم كلّه وكأنّكم تتغاضون عمّا يكابده اللبنانيون، اليوم. وكأنّنا في زمن أشرس من أيّام المجاعة بين الـ1915 و1918 التي محت نصف اللبنانيين من الجوع والفقر والمرض. لا نصدّق ولن يصدّق العالم في القرن الحادي والعشرين، أنّ حجم الشكاوى وصرخات الجياع والمحتاجين وتكاثر النشّالين والسارقين أو المتسلّلين إلى بيوت الناس وأرزاقهم وظهور المسلّحين وتواتر التظاهرات والانتحار اليومي تخلّصاً من الجوع ومشاهد الخلع والتكسير والتظاهرات والعنف اليومي هي التي تملأ الأرجاء، وتشعل مقدّمات الأخبار في الإذاعات وبرامج الشاشات والناس كلّ الناس في لبنان».
هذه الاستهلالية التي تنزّ دماً مخنوقاً، وردتني إلى لندن من طالبة دكتوراه، سرّحت من عملها، وهي جائعة في بيروت، عبر رسالة إلكترونية خاصّة بعنوان: كيف أخرج من لبنان؟ هزّت جذوري. ولن أنقلها حرفيّاً، ولن أترجمها إلى لغات العالم بكونها توصّف وقائع البطش والطيش السياسي والترك والإهمال والتقوقع والجمود والجشع والكيدية الوحشية الحاصلة بين زعماء الأحزاب وزعماء الطوائف في بلدٍ صغيرٍ يحبو خائراً على إيقاعات تفشّي «كورونا» المتنامي هناك ومستقبله مهدّد في الشهرين المقبلين، كما العالم المشغول بنفسه، بأوبئة أقسى بكثيرٍ ممّا شهدناه.
صحيح، هناك لبنانيون ناجحون وفاعلون جذّابون في دول الأرض، وهم في مراكز القرار الكبرى يتجاوزون بتجاربهم هزال الساسة في لبنان؛ لكنّ الأصح والأخطر أنّ لبنان انزلق فوق حافة الانهيارات إلى حفرة تضمّ خليطاً غريباً من العقول والتوجهات والخطب والارتباطات والأمزجة والثقافات السادية المشدودة الأوتار والأعصاب. لا يغريهم سوى المال والإذلال والمظهر والكلام الذي لا يتجاوز الشفاه؛ حيث تتكرر الأزمنة والنصوص والأجيال باسم عناوين وشعارات مجوّفة مستوردة في الحرية والديمقراطية والتمايز وغيرها من الكلام المعلوك. اللبناني في العالم شيء؛ لكنه في لبنان آخر. لبنان مجدّداً شبه جزيرة منعزلة عن العالم، تغرق في محيط من الأزمات، وتتطلّع نحو الشرق، سجين مصعد عالق بين دور علوي يضم طبقات من الحكّام والسياسيين والمصرفيين ورؤساء الأحزاب الميسورين وقد هرّبوا ذخيرة لبنان إلى الخارج، ومن حولهم هناك تناكف ومستشارون وشركات دراسات وإحصاءات ومبعوثو صندوق النقد الدولي وحولهم يتحرّك السفراء والقناصل والمبعوثون يحاولون حث دولهم والمجتمع الدولي دون جدوى.
تتكرّر أزمنة الجوع التركي 1915-1918 أشدّ ضراوةَ في العيد المئوي للبنان الكبير الضامر جوفه من الجوع. لم ولن يفهم الغربيون، لا لبنان والعرب ولا الإسلام وتشظيات المسلمين. ليس لأنّ المسألة مستعصية على الفهم؛ بل لأنّ العين العالمية أدمنت الكسر والزجر ومشاهد الانصياع الدائم لمقتضيات التطوير والتغيير وفق الأنساق المستوردة. لا مقام ظاهرياً للاعتبارات والخصوصيات والبصمات في العلاقات الدوليّة، مع أنّ لكلّ مخلوق عالمه وفقاً لكشوفات الغرب وقد جرفت في طريقها معظم الأفكار والأنظمة الشمولية وناهضت حتّى نسبيّة آينشتاين حفاظاً على التنوّعات. تأخذنا سلطات التنوّع والفرادة المنبسطة أحياناً الى تفكيك أعضاء الجسد الإنساني وخلاياه؛ بحثاً عن بصمات ودمغات خاصّة لا تنتهي، لكنّ الغرب يتملّك عبرها حركة كل مخلوق حاضراً ومستقبلاً وحتّى في مثواه الأخير.
كتب باولو كويلو الروائي البرازيلي أنّ عاقل العقلاء أسدى بنصيحة ترى بأنّ سرّ السعادة البشرية قائم في التأمّل بعجائب هذا العالم من حولنا دون التفريق بين إنسانٍ وآخر، على ألاّ ننسى نقطة من الزيت في قعر الملعقة التي نحملها.
وأضيف إلى النقطة، لازمة الجواب على طالبة الدكتوراه، نقطتين من الزيت، رغبةً منّي بتليين يباس العقل والنطق والإبداع والتواصل التاريخي بين الشعوب والحضارات؛ للخروج الحقيقي من أثواب الكائنات المفترسة التي يقيمون فيها؛ بل هي تذكّرهم بحجرة جدّهم قايين؛ دفاعاً عن الكائن الأعلى والأرقى والأوحد.
 

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

كيف أخرج من لبنان كيف أخرج من لبنان



GMT 00:53 2021 الأربعاء ,13 كانون الثاني / يناير

فخامة الرئيس يكذّب فخامة الرئيس

GMT 21:01 2020 الأربعاء ,23 كانون الأول / ديسمبر

بايدن والسياسة الخارجية

GMT 17:00 2020 الخميس ,17 كانون الأول / ديسمبر

أخبار عن الكويت ولبنان وسورية وفلسطين

GMT 22:48 2020 الثلاثاء ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

عن أي استقلال وجّه رئيس الجمهورية رسالته؟!!

GMT 18:47 2020 الأربعاء ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب عدو نفسه

الرقة والأناقة ترافق العروس آروى جودة في يومها الكبير

القاهرة ـ لبنان اليوم

GMT 22:24 2021 الأحد ,10 كانون الثاني / يناير

تتمتع بالنشاط والثقة الكافيين لإكمال مهامك بامتياز

GMT 00:05 2020 السبت ,24 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج الجوزاء الإثنين 26 تشرين الثاني / أكتوبر 2020

GMT 20:45 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

أفضل الوجهات العربية لقضاء خريف معتدل ومليء بالتجارب الساحرة

GMT 08:41 2018 السبت ,15 كانون الأول / ديسمبر

أحمد في ورطة؟

GMT 18:57 2025 الأحد ,05 تشرين الأول / أكتوبر

موديلات عبايات لصيف 2025 ستجعلك تبدين أصغر سناً

GMT 13:03 2020 الإثنين ,07 كانون الأول / ديسمبر

زاهى حواس يكشف طلب الرئيس السادات عندما زار المتحف المصرى

GMT 14:57 2021 الإثنين ,04 تشرين الأول / أكتوبر

حريق داخل بسطة خضار بداخلها غالونات بنزين ومازوت في بعبدا

GMT 23:57 2020 الأربعاء ,08 إبريل / نيسان

5 نصائح تمكنك من الانسجام والتفاهم مع شريك حياتك

GMT 22:53 2021 الإثنين ,08 آذار/ مارس

انا والكورونا و المرأة في يومها العالمي

GMT 16:11 2022 الجمعة ,20 أيار / مايو

لبنان يوجه ضربة مزدوجة لطهران
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
Pearl Bldg.4th floor, 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh, Beirut- Lebanon.
lebanon, lebanon, lebanon