إسرائيل واستغلال الفرص المتاحة

إسرائيل واستغلال الفرص المتاحة

إسرائيل واستغلال الفرص المتاحة

 لبنان اليوم -

إسرائيل واستغلال الفرص المتاحة

محمد ياغي
بقلم - محمد ياغي

يصعب التقدم للأمام في الكثير من الأحيان إن لم تكن الظروف الموضوعية ملائمة. في الحالة الفلسطينية مثلاً، الفلسطينيون قدموا كل ما يمكنهم تقديمه من أجل السلام مع إسرائيل:
هم قبلوا بالتخلي عن 78% من أرضهم التاريخية واعترفوا بقرارات الأمم المتحدة 242 و338 التي تقر بحق إسرائيل في الوجود وتدعو لحل سلمي للصراع من خلال المفاوضات.
هم تخلوا عن العمل المسلح ونبذوا كل أشكال العنف ونسقوا أمنياً مع الدولة التي تحتلهم وخاصموا جزءاً من شعبهم لإرضاء المجتمع الدولي وإسرائيل.
وهم قبلوا بالتدرج بالحل السياسي بما فيه تقسيم الضفة الى مناطق «ألف» و»باء» و»جيم»، وعملوا كما طُلِبَ منهم من بناء مؤسسات لدولة ديمقراطية تحت الاحتلال.
لكنهم في النهاية لم يحصلوا على حقوقهم السياسية التي وعدوا بها من المجتمع الدولي. أميركا تركت إسرائيل تقرر مصيرهم، والأوروبيون تركوا المسألة كلها لأميركا، باستثناء عدم موافقتهم على خطة ترامب. لكن من يعلم، فقد يغيرون رأيهم ويقبلونها ويضغطون على الفلسطينيين لقبولها إن نجح ترامب في انتخابات الرئاسة لولاية ثانية.
عدم الرغبة بأي صدام مع إسرائيل من قبل أميركا وأوروبا خلال العقود السبعة الماضية جعل من إمكانية التوصل لحل سياسي سلمي للقضية الفلسطينية أمراً مستحيلاً.
خيارات الفلسطينيين خلال تلك الأعوام كلها تراوحت ما بين الاعتماد على الفعل الذاتي لتغير معادلات الامر الواقع، وما بين مجاراة «المجتمع الدولي» لعل وعسى إن قبلوا بما يطالبون به، يكون لدى هذا «المجتمع» الجرأة والاستعداد للوقوف الى جانبهم.
في علم الحركات الاجتماعية هنالك مفهوم سياسي يقال له «بنى الفرص والقيود»، وهو مفهوم ينطبق على الدول أيضاً. ملخص هذا المفهوم أن الحركة الاجتماعية أو الدولة لا تستطيع تحقيق أهدافها إن لم تتوفر لها الفرصة المناسبة وتَخِف عنها القيود التي تُعيقها.
لكن حتى عندما تتوفر هذه «الظروف»، إن لم يكن العامل الذاتي جاهزاً لاستغلال الفرصة فإن الحركة الاجتماعية أو الدولة لا يمكنها الاستفادة من الواقع الجديد.
في تاريخ الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وحدها الحركة الصهيونية ومن بعدها إسرائيل الدولة من نجح في استغلال الفرص التي توفرت لها.
اعتاد الإسرائيليون ومناصروهم الادعاء بأن الفلسطينيين قد أضاعوا كل فرصة توفرت لهم لحل الصراع. لكن الحقيقة أن الإسرائيليين لم يتركوا أي فرصة توفرت لهم للاستيلاء على الأرض الفلسطينية إلا اغتنموها.
الحركة الصهيونية استغلت الهولوكوست الذي أحدث تعاطفاً عالمياً مع اليهود لبناء دولتها على أنقاض الفلسطينيين في لحظة كان فيها العالم العربي في حالة صراع مع القوى الاستعمارية التي تحتل أراضيه أو ما زالت تهيمن على القرار السياسي في المستقل من دوله.
إسرائيل الدولة استغلت الصراعات السياسية الداخلية في دول العالم العربي لإلحاق هزيمة قاسية بمصر وسورية والأردن العام 1967 واستولت على مساحة من الأراضي العربية أكبر بأربع مرات من حجم إسرائيل نفسها.
وإسرائيل استغلت اتفاقية السلام مع مصر لتكثيف الاستيطان في الضفة الغربية وفي ضم الجولان.
وإسرائيل استغلت اتفاقيات أوسلو لتحميل السلطة الفلسطينية المسؤولية عن حياة خمسة ملايين فلسطيني في الضفة وغزة لو بقوا تحت مسؤوليتها لعجزت اليوم عن السيطرة عليهم.
وإسرائيل استغلت الاتفاقات والمفاوضات مع السلطة لتكثيف الاستيطان في مناطق جيم ولتطبيع علاقاتها ببعض الدول العربية.
واليوم تستغل إسرائيل الفرصة التي توفرها لها إدارة ترامب لتكريس سيادتها على القدس الشرقية ولإلحاق أجزاء شاسعة من أراضي الضفة بدولة إسرائيل.
لم يتبق فعلياً إلا توفر ظرف، فرصة جديدة، ملائمة لحسم الصراع مع الفلسطينيين بشكل نهائي وإخراجهم من الضفة الى الأردن أو إلحاقهم بالأردن رغماً عنه.
البعض قد يرى هذه الفرصة بعيدة، لكنها في الحقيقة ليست كذلك:
عربياً، وحدها الأردن ترى الخطر المحدق بها، لكن إذا نظرنا للعالم العربي ككل فإننا نرى دولاً غارقة حتى العظم في مشاكلها الداخلية أو الإقليمية. لا أحد منها يريد أن يرى أهمية لما تقوم به إسرائيل في الضفة.
في حساباتهم ليس كيف يمكن مواجهة ما تقوم به إسرائيل في الضفة، ولكن كيف يمكن الاستفادة من إسرائيل في صراعاتهم الداخلية والإقليمية.
المحور الذي «يتزعم المقاومة» والذي يتحدث عن إسرائيل في الليل والنهار يرى أولوياته بعيداً عن إسرائيل. هذا المحور هدفه الأساس جعل الحرب على إيران مسألة أقرب الى الاستحالة بتوسيع نطاقها على امتداد الشرق الأوسط في حالة حدوثها، وهو ما يفرض على أعداء إيران التفكير ألف مرة قبل الذهاب في هذا الاتجاه.
بناء على ذلك يبني هذا المحور أولوياته بعيداً عن فلسطين وإن احتلت الجزء الأكبر من خطابه الإعلامي. هو يرى أولويته الأولى في الحفاظ على توازن ردع مع حزب الله حتى يتمكن الأخير من الحفاظ على نفسه وعلى لبنان وعلى دعم أولويات المحور الأخرى، وهي بالترتيب:
اسناد النظام السوري والحفاظ عليه، إخراج القوات الأميركية من العراق، ودعم الحركة الحوثية في اليمن. فلسطين ضمن هذه الأولويات تأتي في المرتبة الرابعة.
إسرائيل، إن كان هذا التحليل فيه القليل من المنطق، وأعتقد بأن فيه الكثير، تدرك بأن «محور المقاومة» لن يخوض صراعاً مباشراً معها من أجل فلسطين، وهو يترك هذه المسألة برمتها «للفلسطينيين» أنفسهم دون تدخل مباشر من أجلهم.
للمشككين في هذا التحليل نقول إن سورية تتعرض للضربات من قبل إسرائيل منذ سبع سنوات، لكن هذا «المحور» لم يحاول التصعيد مع إسرائيل لمنعها من القيام بذلك.
لا أقول ذلك من باب الإدانة لهذا «المحور» فلكل حساباته وأولوياته وظروفه الخاصة، ولكن من أجل التأكيد على أن الظرف العربي مهيأ لإسرائيل للقيام بما تريد في الساحة الفلسطينية دون الخوف من «عواقب وخيمة».
دولياً، المناخ ليس مناسباً لإسرائيل للقيام بخطوتها التالية وهي ترحيل او إلحاق الفلسطينيين في الأردن. إسرائيل تريد التأكد أولاً من أن ضمها لأجزاء كبيرة من الضفة لن يترتب عليها نتائج في غير صالحها.
في البداية سيحدث الضم، ثم ستبدأ إسرائيل حملتها في إسكات الأصوات المعادية للضم في أوروبا وأميركا.
الدول الأوروبية التي تعادي الضم الآن لا يجب أخذ مواقفها كما هي بدون نقاش. هذه المواقف خلال السنوات القليلة القادمة إما أن تتغير لتكون أكثر حزماً تجاه إسرائيل وإما تتغير لصالح إسرائيل. كل شيء يعتمد على شكل العالم بعد جائحة الكورونا فيروس.
اليوم الصين في حالة صعود والولايات المتحدة في حالة هبوط. إذا استمر هذا الاتجاه بشكله الحالي فإن إسرائيل ستبدأ بالخسارة دولياً وقد تتجرأ الدول الأوروبية على معاقبتها.
لكن إن استمرت أميركا، خصوصاً، أميركا ترامب، في قيادة المشهد الدولي، فإن المواقف الأوروبية ستكون مترددة جداً وستصمت على إجراءات إسرائيل أياً كانت.
مختصر الكلام، بأن إسرائيل استغلت في السابق كل فرصة لتحقيق أهدافها في ضم الأراضي الفلسطينية وخلق وقائع جديدة على الأرض، وهي ستستغل أي فرصة يوفرها الظرف الإقليمي والدولي لحسم الصراع نهائياً مع الفلسطينيين في السنوات القليلة القادمة.

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

إسرائيل واستغلال الفرص المتاحة إسرائيل واستغلال الفرص المتاحة



GMT 00:53 2021 الأربعاء ,13 كانون الثاني / يناير

فخامة الرئيس يكذّب فخامة الرئيس

GMT 21:01 2020 الأربعاء ,23 كانون الأول / ديسمبر

بايدن والسياسة الخارجية

GMT 17:00 2020 الخميس ,17 كانون الأول / ديسمبر

أخبار عن الكويت ولبنان وسورية وفلسطين

GMT 22:48 2020 الثلاثاء ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

عن أي استقلال وجّه رئيس الجمهورية رسالته؟!!

GMT 18:47 2020 الأربعاء ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب عدو نفسه

الرقة والأناقة ترافق العروس آروى جودة في يومها الكبير

القاهرة ـ لبنان اليوم

GMT 22:24 2021 الأحد ,10 كانون الثاني / يناير

تتمتع بالنشاط والثقة الكافيين لإكمال مهامك بامتياز

GMT 00:05 2020 السبت ,24 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج الجوزاء الإثنين 26 تشرين الثاني / أكتوبر 2020

GMT 20:45 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

أفضل الوجهات العربية لقضاء خريف معتدل ومليء بالتجارب الساحرة

GMT 08:41 2018 السبت ,15 كانون الأول / ديسمبر

أحمد في ورطة؟

GMT 18:57 2025 الأحد ,05 تشرين الأول / أكتوبر

موديلات عبايات لصيف 2025 ستجعلك تبدين أصغر سناً

GMT 13:03 2020 الإثنين ,07 كانون الأول / ديسمبر

زاهى حواس يكشف طلب الرئيس السادات عندما زار المتحف المصرى

GMT 14:57 2021 الإثنين ,04 تشرين الأول / أكتوبر

حريق داخل بسطة خضار بداخلها غالونات بنزين ومازوت في بعبدا

GMT 23:57 2020 الأربعاء ,08 إبريل / نيسان

5 نصائح تمكنك من الانسجام والتفاهم مع شريك حياتك

GMT 22:53 2021 الإثنين ,08 آذار/ مارس

انا والكورونا و المرأة في يومها العالمي

GMT 16:11 2022 الجمعة ,20 أيار / مايو

لبنان يوجه ضربة مزدوجة لطهران
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
Pearl Bldg.4th floor, 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh, Beirut- Lebanon.
lebanon, lebanon, lebanon