بقلم : توفيق أبو شومر
إنها قرية فلسطينية في النقب، سأعيد الكتابة عنها، لأنها تستحق أن تكون شعار قرى فلسطين، وما أكثر قصص المدن والقرى الفلسطينية المناضلة!
أعادتْني هذه القريةُ إلى ذكرى بلدتَي إقرث وكفر برعم، هاتان القريتان تقعان في الجليل الأعلى، سرد الكاتب، كوبي نيف في صحيفة هآرتس، يوم 3-12-2016 مسلسل تهجير السكان الفلسطينيين في هاتين القريتين قال: "أمر الجيش الإسرائيلي سكانَ قريتَي إقرثْ، وكفر برعم عام 1948 أن يُخلوا بيوتهم، ويرحلوا عنها لضرورات أمنية مدة أسبوعين.
لم يُسمح لهم بالعودة بعد أسبوعين، امتدَّ الإخلاءُ من أسبوعين إلى ثلاث سنوات، لجأ أهل القريتين بعد ثلاث سنوات، من المماطلة إلى المحكمة العليا، أصدرتْ المحكمةُ أمرا بالسماح لهم بالعودة، ثم تراجعتْ المحكمة عن قرارها، ثم دمرت الطائراتُ الإسرائيلية عام 1953 كل قرية كفر برعم، ثم وُزعتْ أراضي القريتين على المستوطنين، وفي عام 1972 في عهد حكومة غولدا مائير رفضتْ المحكمةُ التماسهم بالعودة، ثم جددوا الالتماس للمحكمة العليا عام 1981، رفضت المحكمة الالتماس بسبب تقادم الزمن! شكَّل إسحق رابين، عام 1993 لجنة لفحص الشكوى، أوصت بعودة سكان القريتين، رفضتْ المحكمةُ قرار اللجنة". انتهتْ شهادة الكاتب عن القريتين بجملةٍ جامعةٍ مانعة: "إن التواطؤ والخداع بين الحكومة والمحكمة هو جوهر العمل في إسرائيل".
لم يستسلم سكان القريتين، بل واصلوا الطلب بالعودة حتى في عهد حكومة نتنياهو، ففي عام 1998 أمر نتنياهو، وزير العدل، تساحي هنغبي، بأن يرفض طلب عودةِ سكان القريتين، حتى لا يكون ذلك سبباً لتشجيع سكان كل قرى فلسطين المهجَّرين بالعودة مرة أخرى!
ما حدث لقريتي إقرث وكفر برعم كُرِّر في قرية عنقاء فلسطين أو عنقاء النقب، العراقيب، هي تبعد عن مدينة رهط ستة كليومترات، امتلكها أهلُها بوثائق رسمية قبل إعلان قيام إسرائيل، في العهد العثماني، أمر الاحتلالُ سكانَها بإخلائها مؤقتا، مدة ستة شهور، عام 1951 بحجة التدريبات العسكرية، ثم مُددت فترة الإخلاء عدة أشهرٍ أخرى، ثم استولى عليها صندوقُ أراضي إسرائيل، ثم حُظر على أهلها دخولُها.
إن القصص نفسَها تتكرر في اغتصاب الأرض الفلسطينية، مع الاختلاف في آليات وطرق التنفيذ!
بدأ مسلسل هدم قرية عنقاء النقب، أو عنقاء فلسطين وتشريد أصحابها يوم 27-10-2010، هذه العنقاء هُدمَتْ خلال تسع سنوات، حتى منتصف شهر آب 2019 مائة وتسعة وأربعين مرة، كان مالكوها الفلسطينيون يعودون إلى السكن فيها، إلى أن ابتدع المحتلون (حِيلة جديدة) وهي من أبشع قوانين العنصرية في العالم، تتمثل هذه العنصرية في إجبار مالكي الأرض الفلسطينيين المدمَّرةِ بيوتُهم، على أن يدفعوا تكاليف هدمها 149 مرة، قُدِّرت تكاليف الهدم بمليون وستمائة ألف شيكل.
أبطالُ العنقاء هم قبيلة أبو مديغم الفلسطينية، أما شيخُ القبيلة فهو، صيَّاح الطوري، سُجن تسعة شهور لأنه رفض إخلاءها، هو ممنوعٌ من دخولها.
أما نحن، فقد أُصيب كثيرٌ من مواقع الأخبار الفلسطينية بالملل، وتوقفت عن نشر أخبار هدم القرية حفاظاً على (النخوة) الفلسطينية والعربية، ومنعاً للإحراج والإزعاج، وأصبحت أخبار قرية العراقيب أخباراً ثانوية، لا تستثيرُ كثيرين، للأسف!
شكراً، جمعية ذكريات (زوخوروت)الإسرائيلية، لأنها توثق مسلسل الهدم باستمرار، وتسرد قصة عنقاء النقب، أو عنقاء فلسطين بثلاث لُغات، العربية، الإنجليزية، العبرية!
لم تعد العراقيب قرية كما قرى العالم، بل إنها أسطورة ليست خيالية، كما الأساطير، بل هي تُلخِّص أسطورة العنقاء، الطائر المتجدد، الخالد إلى الأبد لأنه يولد من الرماد، إنها تحكي أبشع جرائم الاحتلال!
تذكروا: آخر رصد لعدد مرات هدم قرية العراقيب، حتى يوم 5-3-2020 هو مائة وستة وسبعون مرة، ولايزال مسلسل الهدم متواصلاً!