صـمـت الـكـامـيـرات

صـمـت الـكـامـيـرات!

صـمـت الـكـامـيـرات!

 لبنان اليوم -

صـمـت الـكـامـيـرات

زياد خدّاش
بقلم : زياد خدّاش

عقدت رابطة كاميرات العالم اجتماعها الأخير في عتمة وادٍ في مكانٍ ما سريٍ جداً من عالمنا، كانت حريصةً على أن لا يكون هناك بشر، لم تدعُ الرابطة سوى الموسيقى والشجر والريح، باعتبار أن هذه الأشياء حقيقية ولم تتعامل يوماً مع الكاميرات برخصٍ ودناءة، ولم تكذب يوماً لا على نفسها ولا على أحد، ولم تتخذ من الكاميرا وسيلة لفضح وتخويف واستغلال الآخرين.
 كانت الكاميرات غاضبة جداً، وتشعر بالمرارة والإحباط لأن البشر ابتذلوا رسالتها واستغلوا إمكاناتها لأهدافٍ رخيصةٍ وغير أخلاقية. كان قرار إيقاف حياة الكاميرات بشكلٍ نهائي، أحد أهم الخيارات المطروحة على جدول أعمال الرابطة.
-  لم يعد الأمر يُطاق، لم نُخلق حتى يتم استخدامنا في الدعاية لسياسيين قتلة وفاسدين. قالت إحدى الكاميرات.
- ولم نوجد في الحياة حتى نساهم في تثبيت أو تقوية شهرة كاتبٍ فاشلٍ أو شركةٍ كذابة. قالت كاميرا أخرى.
- ولا يمكن أن تتم مهزلة ومأساة استخدامنا في تصوير جثث أطفال الحروب هنا وهناك. قالت كاميرا ثالثة.
- لا يمكن أن نظل وسيلة التافهين والمرضى المغمورين للظهور والتنطع والتهبل والاستعراض، قالت كاميرا رابعة.
ضج العالم بمفاجأة استقالة الكاميرات من الحياة، تداعت الدول للتباحث والتفكير بطريقةٍ لإقناع الكاميرات بالعودة إلى الحياة، لأن الحياة بدون صورٍ لا يمكن أن تليق بحضارةٍ بشريةٍ تتطور باستمرار، إنه عصر الصورة، من غيرها لا استمتاع ولا توثيق لإنجازات البشرية وانتصاراتها.
- أرسل البشر مندوباً عنهم إلى الوادي المظلم الذي أطفأت الكاميرات فيه إشعاعها، لفهم أسباب التوقف عن الحياة. لم يستقبل أحدٌ المندوب البشري الذي تاه في الوديان وعاد وهو يقول إن العتمة شديدةٌ لدرجة الرعب، ارتعب البشر من الحقيقة الكبرى: لا كاميرات في العالم بعد اليوم. وفي بطاقات الهويات وجوازات السفر، كُتِب مكان الصورة وصفٌ كلاميٌ عن الملامح، «أنفٌ ضخمٌ، جبينٌ عريض، عيونٌ واسعة، شامةٌ سوداء تحت جفن العين». استسلم البشر، أدركوا أن عليهم أن يتكيفوا مع واقعٍ جديدٍ ستتغير فيه العادات والأفكار والقيم.
- كل يومٍ فجراً صار الناس يتفحصون في الصباح الباكر كاميرات موبايلاتهم، أملا منهم في عودةٍ إلى عصر الصورة، العشاق ماتوا من القهر، «اشتقت إلى صورة لك»، كانوا يتحسرون ويكتبون لبعضهم البعض، «صفي لي ملامحك وصفاً دقيقاً»، وكانت المسكينة تكتب للعشيق واصفة ملامحها بالتفصيل.
- انزوى المرضى الوحيدون في البيوت، حاولوا أن يكتبوا قصصهم وحكايات يومهم، لكنهم فشلوا فاضحين أنفسهم بأخطائهم في الإملاء وفي النحو، وكانت لغتهم ركيكة لأنهم ببساطة لا يقرؤون، وراحوا يتحسرون على أيام الهبل الرائع، يوم كانوا يصورون يومياتهم ومشاهداتهم، ويبتسمون كثيراً في الفيديوهات المنزلية وفي الصور.
- عاد الصحافيون يكتبون في الجرائد، القصص الصحافية والتقارير والأخبار، دون صورٍ طبعاً، شعر الناس بالملل، ولم يكن للأخبار طابع الإقناع الذي كانت تحققه الصورة وحدها دون كلام.
- في بلادي فلسطين لم يعد أحدٌ من المسؤولين والحزبيين يزور قبر الشاعر الراحل محمود درويش، اقتصرت الزيارات على بضعة أفرادٍ من الأدباء وأهل الراحل الكبير. امتنع الحزبيون عن المشاركة في المسيرات والتظاهرات ضد الانقسام والاستيطان، خلت خيام التضامن مع الأسرى في المدن الفلسطينية من نشطاء الفصائل، كان أهل الأسرى وحدهم مع بعض الشبان غير الحزبيين يجلسون صامتين. في صلاة الجمعة لم يكن هناك سياسيون يجلسون في الصفوف الأولى كما تعودنا، وفي الخان الأحمر استغرب سكانه من قلة المتضامنين من الفصائل.
- شوهد حزبيون متوترون يصطحبون على مضضٍ صحافيين يحملون دفاتر وأقلام.
- «لقد انتصرنا، هززنا حياتهم، وأربكنا كذبهم». صاحت كاميرا سعيدةٌ وهي ترقص في مؤتمر الكاميرات الذي عُقِدَ لتقييم حالة البشر بعد سنواتٍ على انطفاء الكاميرا، صوّتت الكثير من الكاميرات على خيار العودة إلى الحياة، على أساس أن «البشر ربما تعلموا الدرس، وفهموا رسالتنا» قالت كاميرا.
- عادت الكاميرات إلى الحياة، دبّت السعادة في أوصال المدن، وصارت باقات ورد الفصائل على قبر الشعراء العظام تلالاً، وامتلأ الخان الأحمر بالحزبيين، والتقط الصحافيون آلاف الصور.
- استغرب بدويٌ يسكن هناك: ما الذي حدث؟ لماذا اختفى السياسيون فترة طويلة وعادوا فجأة؟
- ردت ابنته الصغيرة: «لم يعودوا وحدهم يا بابا عادت الكاميرات معهم أيضاً».

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

صـمـت الـكـامـيـرات صـمـت الـكـامـيـرات



GMT 00:53 2021 الأربعاء ,13 كانون الثاني / يناير

فخامة الرئيس يكذّب فخامة الرئيس

GMT 21:01 2020 الأربعاء ,23 كانون الأول / ديسمبر

بايدن والسياسة الخارجية

GMT 17:00 2020 الخميس ,17 كانون الأول / ديسمبر

أخبار عن الكويت ولبنان وسورية وفلسطين

GMT 22:48 2020 الثلاثاء ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

عن أي استقلال وجّه رئيس الجمهورية رسالته؟!!

GMT 18:47 2020 الأربعاء ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب عدو نفسه

الرقة والأناقة ترافق العروس آروى جودة في يومها الكبير

القاهرة ـ لبنان اليوم

GMT 22:24 2021 الأحد ,10 كانون الثاني / يناير

تتمتع بالنشاط والثقة الكافيين لإكمال مهامك بامتياز

GMT 00:05 2020 السبت ,24 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج الجوزاء الإثنين 26 تشرين الثاني / أكتوبر 2020

GMT 20:45 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

أفضل الوجهات العربية لقضاء خريف معتدل ومليء بالتجارب الساحرة

GMT 08:41 2018 السبت ,15 كانون الأول / ديسمبر

أحمد في ورطة؟

GMT 18:57 2025 الأحد ,05 تشرين الأول / أكتوبر

موديلات عبايات لصيف 2025 ستجعلك تبدين أصغر سناً

GMT 13:03 2020 الإثنين ,07 كانون الأول / ديسمبر

زاهى حواس يكشف طلب الرئيس السادات عندما زار المتحف المصرى

GMT 14:57 2021 الإثنين ,04 تشرين الأول / أكتوبر

حريق داخل بسطة خضار بداخلها غالونات بنزين ومازوت في بعبدا

GMT 23:57 2020 الأربعاء ,08 إبريل / نيسان

5 نصائح تمكنك من الانسجام والتفاهم مع شريك حياتك

GMT 22:53 2021 الإثنين ,08 آذار/ مارس

انا والكورونا و المرأة في يومها العالمي

GMT 16:11 2022 الجمعة ,20 أيار / مايو

لبنان يوجه ضربة مزدوجة لطهران
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
Pearl Bldg.4th floor, 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh, Beirut- Lebanon.
lebanon, lebanon, lebanon