بقلم: غسان زقطان
لا يمكن فصل عملية التطويق المندفعة للفلسطينيين ومشروعهم الوطني، وتوقيت توجيه الضربات ومصادرها، من هشاشة ردات فعل بعض الدول العربية على خطة «نتنياهو/ كوشنر» التي أصبحت «رؤية ترامب»، الى لقاء عنتيبي بين البرهان ونتنياهو، الى الإعلان عن اختراقات إسرائيلية في المحيط العربي في الشرق والغرب، سواء أكان ذلك حقيقياً أم إمعاناً في خلخلة الثقة ومراكمة الخسارات، لا يمكن فصل هذا النشاط، الذي يبدو محموماً ومتلاحقاً، عن أمرين؛ تحطيم فكرة الأمل لدى الفلسطينيين ودفعهم بعيداً نحو مزيد من العزلة والإحباط من جهة، وبناء انجازات وهمية لمسيرة اليمين الفاشي في إسرائيل بقيادة «بنيامين نتنياهو» وأسطرته كزعيم مؤسس لـ «إسرائيل المنشودة»، من جهة أخرى، بينما سيحصل «دونالد ترامب» على لقب «المخلص» أو «الحامي» للشعب اليهودي، أو «محقق النبوءة» الى آخر هذه المزايا التي تبرع الفاشية الدينية في منحها لمقدمي الخدمات، في حين سيحظى مقدمو الخدمات من الأنظمة العربية بصفات مثل «الواقعية» ومدائح مجانية على «التفهم» وأشياء من هذا القبيل.
في المقابل بات واضحاً أنه لا يوجد «صفقة» دون نتنياهو، هذا ما يعرفه الجميع الآن، فقد تم ضخ استثمارات كثيرة في مشروعه، القائم على عملية استبدال جوهرية في صراعات المنطقة، ونواتها استبدال «الخطر الإيراني القادم» كبديل لـ «خطر الاحتلال الإسرائيلي القائم»، وبناء محاور وتحالفات يجري من خلالها تعويم الاحتلال الذي سيتحول مع الوقت الى حصة من حصص كثيرة سيجري توزيعها على المحاور، حصص تشمل سورية والعراق وليبيا في إفريقيا، حيث تدور حرب الغاز في شرق المتوسط.
ولكن يمكن القول بنفس القوة: لا يوجد «صفقة» أمام شعب فلسطيني موحد وبرنامج وطني ديمقراطي واضح يشمل الجميع، واستعادة حقيقية لدور وحضور منظمة التحرير صاحبة الولاية.
برنامج يتجاوز برامج الفصائل والأحزاب والقوى ويؤجل الصراعات البائسة إلى ما بعد مرحلة انتزاع الحقوق الوطنية، أو في حده الأدنى حماية «الثوابت» أثناء مرور الإعصار، والخروج من حالة الانفصام الغريب والمكلف التي استرخى فيها الواقع السياسي الفلسطيني منذ أكثر من عقد من السنوات.
بما يعنيه مثل هذا البرنامج من شجاعة وتقديم مصلحة البلاد على مصالح الأحزاب والفصائل، وما يتطلبه من تغيير جذري في الوجوه والخطاب والأدوات.