إسرائيل مستثمر سياسي للمحرقة

إسرائيل مستثمر سياسي للمحرقة

إسرائيل مستثمر سياسي للمحرقة

 لبنان اليوم -

إسرائيل مستثمر سياسي للمحرقة

بقلم : رجب أبو سرية

رغم ما حدث من إزعاج للرئيس الفرنسي مانويل ماكرون وهو يزور كنيسة الصلاحية والمسجد الأقصى في القدس والذي ذكرنا بما حدث مع سلفه الراحل الرئيس جاك شيراك عام 1995، ورغم أنه مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قد حرصا على إحداث حالة من التوازن في زيارتيهما ضمن حشد من زعماء الدول لإسرائيل بمناسبة المحرقة، إن كان لجهة زيارة رام الله وبيت لحم، أو لجهة زيارة الأماكن المقدسة المسيحية والإسلامية، إلا أن حضور أو مشاركة أكثر من أربعين دولة ممثلة برؤسائها أو رؤساء حكوماتها لإسرائيل يعتبر إنجازاً سياسياً لدولة الاحتلال، تسعى دون شك لاستثماره في محاولتها "تبييض" احتلالها لأرض دولة فلسطين، كما يظهر أيضاً بأن إسرائيل ليست دولة منبوذة تماماً، وأن "تراخي" حائط الصد العربي، وما حدث فيه من اختراقات تطبيعية إسرائيلية خلال السنوات الأخيرة، قد أتى أكله، وحقق لها وهي محكومة بأسوأ حكومة بل بأكثر حكوماتها تطرفاً، وكذلك في ظل تعنتها وإغلاقها أبواب السلام في وجه الشعب الفلسطيني.
رغم ذلك، فإن من ينظر إلى الأفق لما هو أبعد من أنفه، عليه أن لا يتطير، وأن لا يظن بأن "الخراب" قد وقع، فممثلو أربعين دولة يتذكرون المحرقة ويظهرون تعاطفهم مع الضحايا، ولو أن اللقاء كان في نيويورك أو وارسو، لربما كان الحضور أكثر وكان الاهتمام أبعد، كذلك التعاطف مع الضحايا اليهود الذين قتلوا على أيدي النازية في الحرب العالمية الثانية، لا يعني بأن إسرائيل هي الوريث الشرعي لتراث هؤلاء الضحايا، وإن كانت هي تعد نفسها دولة يهودية، فليست كل دولة مسلمة من حقها أن تتحدث باسم ضحايا مسلمين سقطوا في مكان ما، كذلك ليس من حق دولة مسيحية، أن تتحدث باعتبارها صاحبة الحق وحتى الشعور الإنساني الخاص بضحايا مسيحيين سقطوا ضحية استبداد أو مجازر في مكان ما.
أولاً لا بد من ملاحظة بأن معظم الحضور هم من الدول الأوروبية إضافة إلى أميركا بالطبع، وهذا مبعثه أن الأوروبيين الذين حدثت المحرقة على أرضهم، ما زالوا يشعرون بالذنب بدرجات متفاوتة تجاه تلك الواقعة، لذا فإنهم تعاطفوا كثيراً مع دولة إسرائيل لدرجة عدّ فيها البعض وعد بلفور نفسه جزءاً من هذا، لذا فإنه في محاولة ترتيب الجهد السياسي رداً على هذا الحشد الدولي، لا بد من ملاحظة هذا الأمر وبأبعاده دون تجاهله ودون المبالغة في حجمه بتضخيمه.
وفي منطق السياسة لا بد من لحظ التوظيف السياسي وأبعاده، فالدرس الذي قدمه ماكرون وبوتين يقول إن الإقرار بوجود إسرائيل في حدود آمنة لا يعني الشد على يدها كدولة محتلة، وحين يحدث هذا في لحظة ما، فإنه يكون بسبب إدارة غير رادعة للمعركة السياسية من الجانب المقابل لإسرائيل.
والمنطق الذي لا بد من الاستناد عليه هنا، يكمن في الإجابة على السؤال: هل يحق لضحية ما أن تمارس بحق غيرها ما فعله بها الجلاد في زمن سابق؟ وإن كان هذا ممكناً، فإن الكوارث التي تحدث بفعل البشر الأشرار ستستمر إلى ما لا نهاية.
وقد سجل التاريخ بحق إسرائيل نفسها واقعة النكبة وما تخللها وما تلاها من مجازر جماعية بحق الفلسطينيين، كذلك فإن أهم درس لابد من تذكير البشرية به، هو أن كل عمليات الإبادة العرقية بحق البشر، إنما حدثت في ظل الحروب الكونية والإقليمية، وبدوافع ونوازع السيطرة ونفي الآخر، لذا فإن خلاص البشرية يكمن في منع الحروب ونشر ثقافة التعايش بين البشر، وليس بالاستمرار في اتباع سياسة التفوق العرقي، وفرض القهر والاستعمار من قبل دول قوية عسكريا، كما هو حال إسرائيل اليوم.
كذلك لا بد من القول إنه لا يستوي ولا يقنع التعاطف الإنساني مع ضحية دون إظهار نفس الشعور تجاه ضحية أخرى، فكل البشر سواء، وعلى هذا الكوكب لا بد أن يعيش وأن يتعايش الجميع في ظل مساواة وعدالة سياسية واجتماعية لا تفرق بين أسود وابيض، بين يهودي ومسلم، مسيحي أو بوذي.
المهم هو أن تجد إسرائيل من داخلها أولاً، ومن بين أصدقائها ثانياً، من يأخذ بيدها لتخرج من إسار عقدة الرهاب، وتقطع حبل العلاقة بين التعاطف الإنساني والتوظيف السياسي لذكرى الضحايا، لأن في ذلك فقط خلاصها، لا أن تجد من يشد على يدها، خاصة في احتلالها وفي سياستها لفرض ذاتها بمنطقها الاحتلالي على الآخرين، لأن المشكلة دائماً ليست في البشر، بل في بعضهم وبالتحديد في النظام الذي يقيمونه، فإن كان قائماً على أساس العدالة، حقق الأمن والسلام، وإن كان غير ذلك حقق لشعبه ولغيرهم الحروب والكوارث، وأهم ما في الأمر هو الذهاب بالحاضر لمنع حدوث كوارث أخرى بحق اليهود والمسلمين وكل البشر.

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

إسرائيل مستثمر سياسي للمحرقة إسرائيل مستثمر سياسي للمحرقة



GMT 00:53 2021 الأربعاء ,13 كانون الثاني / يناير

فخامة الرئيس يكذّب فخامة الرئيس

GMT 21:01 2020 الأربعاء ,23 كانون الأول / ديسمبر

بايدن والسياسة الخارجية

GMT 17:00 2020 الخميس ,17 كانون الأول / ديسمبر

أخبار عن الكويت ولبنان وسورية وفلسطين

GMT 22:48 2020 الثلاثاء ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

عن أي استقلال وجّه رئيس الجمهورية رسالته؟!!

GMT 18:47 2020 الأربعاء ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب عدو نفسه

الرقة والأناقة ترافق العروس آروى جودة في يومها الكبير

القاهرة ـ لبنان اليوم

GMT 12:25 2020 الثلاثاء ,04 شباط / فبراير

أخطاؤك واضحة جدّاً وقد تلفت أنظار المسؤولين

GMT 13:01 2020 الإثنين ,29 حزيران / يونيو

يبدأ الشهر مع تلقيك خبراً جيداً يفرحك كثيراً

GMT 06:15 2023 الثلاثاء ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

توقعات الأبراج اليوم الثلاثاء 21 نوفمبر/تشرين الثاني 2023

GMT 22:22 2016 الأربعاء ,10 شباط / فبراير

عطر Bamboo من Gucci الرقّة والقوّة في مزيج واحد

GMT 13:00 2021 الإثنين ,18 كانون الثاني / يناير

رحلة الى عالم أوميجا رؤية استباقيّة لمستقبل صناعة الساعات

GMT 05:00 2020 الإثنين ,05 تشرين الأول / أكتوبر

أصوات 20 ألف جزائري تحدد مصير جزيرة قرب أستراليا

GMT 21:50 2014 الإثنين ,02 حزيران / يونيو

"إل جي" تكشف رسميًا عن هاتفها "G3"
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
Pearl Bldg.4th floor, 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh, Beirut- Lebanon.
lebanon, lebanon, lebanon