محادثات السعودية ما قبلها وما بعدها

محادثات السعودية... ما قبلها وما بعدها

محادثات السعودية... ما قبلها وما بعدها

 لبنان اليوم -

محادثات السعودية ما قبلها وما بعدها

مشاري الذايدي
بقلم - مشاري الذايدي

تتجه أنظار العالم نحو السعودية، حيث المحادثات الواعدة بوقف الحرب الروسية - الأوكرانية.

لم يكن الاتفاق على المكان إلا نتيجةً لإقرار من جانب كل أطراف الحرب المباشرة وغير المباشرة، بمكانة السعودية في الحياة الدولية، وما تتمتع به من مؤهلاتٍ أهمها: حفاظها على مسافةٍ واحدةٍ من كل طرف مؤثر في هذه الحرب، وهذه مسألة نادرة وثمينة في زمن تورطت فيه دول وقوى عديدة في الحرب، بحيث فقد الجميع هذا المؤهل، فمن لم يشارك رسمياً ومباشرةً في الحرب، شارك بالدعم والتبني.

أمّا فيما انبثق عنها من جهدٍ سياسي، فلم تكن أي جهة إقليمية أو دولية، محايدةً تماماً، وهذا ما استطاعت السعودية التفرد به والإقدام على هذه المبادرة المجمع عليها.

المملكة، التي تؤدي سياسة يتسم الجهد المبذول فيها بالدقة والحذر، ودراسة المردودات الممكنة لها، تعرف كم هو كبير ومرهق التحدي الذي تتصدى له، وتدرك كذلك حجم الفرص التي تقود إلى النجاح فيه فهي بصدد حربٍ تكاد تكون عالمية، مجالها ليس جغرافية أوكرانيا وروسيا، بل أوروبا وأميركا، ومن يدور في فلكهما، وعلى الجانب المقابل الصين وكوريا الشمالية وكل من يمالئ روسيا فيها.

إن حرباً بهذه الأبعاد وبهذا القدر من التداخل وصراع الأجندات، لهي تجسيدٌ لتحدٍّ حقيقي، ومن جهة أخرى فيها فرصةٌ لاستبدال المفاوضات بالقتال، وتوفير ما يحتاج إليه العالم بشدة، وهو إطفاء النار في أهم مناطق مصالحه، أوروبا والشرق الأوسط.

ما تفعله السعودية بشأن حل الأزمة الروسية - الأوكرانية مستفيدةً من علاقاتها المتساوية مع جميع أطرافها، يصلح لأن يكون نهجاً ينتج مفاعيل إيجابية جدية مماثلة تجاه كل النزاعات، والأهم هو الشرق الأوسط المتوغل في حربٍ تشارك فيها قوى ودول عديدة، ولا يلوح في الأفق ما يبشر بنهايتها.

الشرق الأوسط ما إن تتوقف فيه حرب حتى يبدأ الإعداد لحربٍ جديدة، ذلك بفعل معالجة آثار كل حرب، دون معالجة جذرها، حتى اتفاقيات إنهاء الحرب، التي أبرمتها دولتا المواجهة الأساسيتان مصر والأردن، فقد أوقفت حروب الجيوش النظامية المسيطر عليها وعلى خلاصاتها السياسية، لتنفتح الأبواب على حروب أشرس وأخطر لم توفر أي قدرٍ من الهدوء والاستقرار في المنطقة، وها نحن ندور في دوامةِ واحدةٍ منها، عرفنا كيف دخلناها ولا نعرف كيف نخرج منها.

في عالمنا المعاصر، وتحديداً في الحقبة الراهنة منه، لم تعد الحروب، حتى الأهلية منها والبينية، محصوراً تأثيرها في حدود جغرافية الساحات التي تشتعل فيها.

ولنأخذ مثالاً، حرب غزة وما أحدثته من تفاعلات إقليمية ودولية.

غزة القطاع الذي لا تتجاوز مساحته مساحة مدينة متوسطة من مدن العالم، ولا يزيد عدد سكانه عن عدد سكان حي من أحياء المدن الكبرى... غزة المحصورة بين البحر والصحراء، والتي تشبه زنزانة ضيقة بلا أبواب ولا نوافذ... غزة هذه أنتجت حربها تفاعلات كونية كما لو أنها أوكرانيا الثانية إن لم تكن الأولى، وتحركت بفعلها أساطيل الأطلسي لتتموضع قريباً من شاطئها وأنتجت تفاعلات رسمية وشعبية، حتى في أميركا ذاتها، ولم تتوقف مفاعيلها عند الحدود الجغرافية لمكانها والأماكن القريبة منها، بل وصلت الحرب عليها لتشمل خريطة الشرق الأوسط من أقرب نقطة في جنوب لبنان، إلى أبعدها في باب المندب، وبفعل عصفها انكسرت سوريا، لتخرج من معادلة القوى في المنطقة، ولتتحول من رصيدٍ إلى عبء ينشغل العرب والعالم كله في كيفية إعادتها إلى بعض ما كانت عليه.

الحرب على غزة التي أدركت السعودية مبكراً ما فعلته في المنطقة ما هي إلا فرع نبت من جذر أعمق، هو بقاء القضية الفلسطينية بلا حل، وقدر هذه القضية وأصحابها، أنها إن لم تكن سبباً في كل حروب الشرق الأوسط فهي مؤثر أساسي فيها، وأحياناً إن لم يكن دائماً، ذريعة لا غنىً عن استخدامها في كل الحروب.

السعودية مسموعة الكلمة، وخصوصاً عند العرّاب الأميركي لكل الحروب الإسرائيلية، وفي زمن الرئيس ترمب، صاحب القدرة الفائقة على عرض المبادرات والتراجع عنها حين يرى ذلك ضرورياً، فلا بد من أن تقنعه المملكة ومن موقعها السلمي وسياستها المتوازنة، وما لديها من أوراق مهمة، أن ينظر إلى الشرق الأوسط من منظارٍ أكثر موضوعية، وأن يجسّد وعوده بإنهاء الحروب وإحلال السلام، بوقف الاعتماد الإسرائيلي المطلق على الطائرة والدبابة والتبني الأميركي، والإقلاع عن مبدأ أن كل شيء يحل بالقوة، ولو كان ذلك منطقياً وصحيحاً لما ظلت إسرائيل على سلاحها منذ تأسيسها وإلى أيامنا هذه دون حسمٍ بأي اتجاه.

إن لدى المملكة مبادرة سلمية متوازنة، في مضمونها وأهدافها، ومعها كل الإقليم وكل العالم، فلتكن أساساً يُبنى عليه صرح سلام يشمل المنطقة كلها، وعلى ترمب أن يرحب ويتبنى، ولا يضر أميركا ومدللتها إسرائيل أن تتعاون بجدية في هذا السياق.

 

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

محادثات السعودية ما قبلها وما بعدها محادثات السعودية ما قبلها وما بعدها



GMT 14:55 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

بدعة النزاهة

GMT 12:21 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

نريد نتائج لا تنظيرًا

GMT 12:20 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

مرشحو الرحيل

GMT 12:19 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

مادورو على توقيت ترمب

GMT 12:18 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

القزويني والمياه الرقمية المُلوّثة

GMT 12:17 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

الفاشر وتغيّر قلوب الرجال

GMT 12:15 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

النشاز الإسرائيلي في الدبلوماسية الأميركية

GMT 12:14 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

الإلغاء لا يحل مشكلة القوائم

الرقة والأناقة ترافق العروس آروى جودة في يومها الكبير

القاهرة ـ لبنان اليوم

GMT 09:49 2020 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

يحاول أحد الزملاء أن يوقعك في مؤامرة خطيرة

GMT 13:56 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

تستفيد ماديّاً واجتماعيّاً من بعض التطوّرات

GMT 13:06 2020 الجمعة ,01 أيار / مايو

أبرز الأحداث اليوميّة

GMT 16:31 2019 الأربعاء ,01 أيار / مايو

فرص جيدة واحتفالات تسيطر عليك خلال هذا الشهر

GMT 12:08 2020 الثلاثاء ,02 حزيران / يونيو

شؤونك المالية والمادية تسير بشكل حسن

GMT 12:37 2020 الإثنين ,29 حزيران / يونيو

ابرز الأحداث اليوميّة

GMT 15:17 2020 الجمعة ,10 إبريل / نيسان

يحمل هذا اليوم آفاقاً واسعة من الحب والأزدهار

GMT 16:49 2021 الإثنين ,15 شباط / فبراير

تضطر إلى اتخاذ قرارات حاسمة

GMT 11:57 2020 الثلاثاء ,02 حزيران / يونيو

لا تكن لجوجاً في بعض الأمور

GMT 14:59 2020 الجمعة ,10 إبريل / نيسان

عليك أن تتجنب الأنانية في التعامل مع الآخرين

GMT 15:32 2024 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية مميزة توفر متعة التزلج في فصل الشتاء

GMT 16:53 2018 الجمعة ,21 كانون الأول / ديسمبر

سعد الحريري يتوقع تشكيل حكومته الجديدة مساء الجمعة

GMT 10:29 2017 الخميس ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

الشمبانزي قادرة على تقييم المخاطر وتحذير أقرانها

GMT 20:51 2019 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

طائرة الجزائر يواجه الكاميرون في الالعاب الأوليمبية 2020
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
Pearl Bldg.4th floor, 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh, Beirut- Lebanon.
lebanon, lebanon, lebanon