سنتان أميركيتان مفصليتان في تاريخ العالم

سنتان أميركيتان مفصليتان في تاريخ العالم

سنتان أميركيتان مفصليتان في تاريخ العالم

 لبنان اليوم -

سنتان أميركيتان مفصليتان في تاريخ العالم

إياد أبو شقرا
بقلم : إياد أبو شقرا

حتى المخضرمُ منَّا، معشرَ الإعلاميين، يعيش حالياً تجربة تاريخية، أحسب أنَّها فريدة من نوعها منذ ولد النظام العالمي الجديد بعد نهاية «الحرب الباردة»... بل ربَّما بعد انتهاء «الحرب العالمية الثانية».

ذلك أنَّه لم يسبق، منذ عقد التسعينات من القرن الماضي، أن تهاوت أسُس العلاقات الدولية وضُربت روح القانون الدولي واستُخف بمفاهيم كسيادة الدول ورغبات الشعوب، بالشكل الذي نرى ونسمع...

وكل هذا بعد أيام معدودات من عودة الرئيس الأميركي دونالد ترمب إلى البيت الأبيض.

إن «السيناريو»، الذي يكاد يدخل في إطار «اللامعقول»، يصدم يومياً مزيداً من الساسة والإعلاميين وحتى مجتمع الاقتصاد والأعمال، مع أن جميع هؤلاء صاروا يعرفون جيداً «طبيعة» ترمب و«مزاجه» و«ثقافته».

طبعاً، كان كثيرون يتوقّعون منه تنفيذ شعاراته المثيرة للجدل، لا سيما ما فعله إبّان فترة رئاسته الأولى. ثم أيضاً في ضوء الطريقة التي تعامل بها بعد خسارته انتخابات نوفمبر (تشرين الثاني) 2020، عندما رفض الاعتراف بالنتيجة - بخلاف نائبه مايك بنس - وحرّض مناصريه علناً على اقتحام مبنى «الكابيتول» مقر الكونغرس الذي يمثل السلطة التشريعية...

نعم، «كثيرون» ولكن حتماً ليس الجميع.

لأنَّ بعض هذه الشعارات بلغت من الشعبوية المُفرطة لدرجة أنَّ أيَّ إنسان عاقل لا يتردّد في اعتبارها مجرّد شعارات استهلاكية هدفها «شدّ عصب» الولاء في حمأة الحملة الانتخابية... من دون أن تذهب - بالضرورة - إلى ما هو أبعد من ذلك. لكن ما حدث جاء لافتاً ومثيراً للقلق...

إذ فاز ترمب في نوفمبر الماضي، بغالبيتين «انتخابية» و«شعبية»، بخلاف فوزه فقط بالغالبية الانتخابية (304 أصوات في «المجمع الانتخابي» مقابل 227 صوتاً) عام 2016 على منافسته (يومذاك) هيلاري كلينتون. ففي حينه حصلت كلينتون على أكثر من 65 مليوناً و850 ألف صوت مقابل حصول ترمب على أقل من 63 مليون صوت في التصويت الشعبي المباشر.

يضاف إلى هذا أنَّ ترمب نجح في الخريف الماضي بقيادة حزبه الجمهوري إلى استعادة سيطرته على مجلسي «الكونغرس» ليجمع بذا سيطرته على «السلطة التشريعية» إلى انتزاعه البيت الأبيض حيث معقل «السلطة التنفيذية»، وهذا في ظل استمرار هيمنة القُضاة المحافظين اليمينيين - الذين كان ترمب قد عيّن بعضهم إبان فترته الرئاسية الأولى - على «المحكمة العليا للولايات المتحدة» التي تجسّد رأس «السلطة القضائية» في البلاد!

وهكذا، احتكرت «الظاهرة الترمبية» ليس فقط قيادات الحزب الجمهوري الجديدة، بعدما همّشت زعاماته التاريخية المعتدلة، بل أيضاً سيطرت على قواعده في الأرياف والضواحي وضمن الفئات العمالية ودون المتوسطة، النازحة يميناً إليه من الحزب الديمقراطي، إبّان عهد رونالد ريغان.

من جانب آخر، أخذت تظهر «ملامح» - سرعان ما تأكّدت لاحقاً - عن تحالف ترمب مع أقطاب الإعلامين الجديد والتقليدي من كبار الأثرياء. ووسط تصعيد قنوات اليمين المحافظ مثل «فوكس» حربها على الديمقراطيين، كانت المحطة الأولى استحواذ الملياردير إيلون ماسك على منصة «تويتر» وتحويله إياها إلى «إكس»، بحجة «منع التضييق على حرية الرأي»، وذلك بعدما حجبت «تويتر» حملات ترمب غير الموثّقة وتصدّت لاتهاماته غير المُثبتة.

ولم يطل الانتظار... حتى انضم «أقطاب» آخرون في عالم الإعلام ومنصات التواصل إلى ماسك في دعم حملة ترمب بقوة. وكان بين هؤلاء مارك زوكربيرغ مؤسس ومدير مجموعة «ميتا» (التي تملك منصات «فيسبوك» و«إنستغرام» و«واتساب» وغيرها) ومالكو صحفٍ رصينة معروفة بتوجّهاتها الليبرالية في مقدّمها الـ«واشنطن بوست» والـ«لوس آنجليس تايمز».

وبالتالي، يشعر دونالد ترمب الآن ليس بأنه يحتكر سلطات الحكم الثلاث الرسمية (التنفيذ والتشريع والقضاء) فحسب، بل يتحكّم في الفضاء الإعلامي والشارع الشعبي أيضاً. ثم إنَّه متيقّن تماماً من أنَّه معصوم عن الخطأ... بمعنى أن «حدسه» لا يخطئ، وقناعاته «الصائبة بالمطلق» لا تحتاج إلى تنقيح أو مشاورة أو مداراة...

هنا نحن، إذن، أمام حالة جامحة وغير مسبوقة من «غطرسة القوة»، لا تعترف بحق لأي طرف آخر، ولا تعبأ برأي أي شريك أو حليف، ولا تقيم وزناً لمؤسسات أو مواثيق أو تحالفات أو أعراف، ولا تكترث للفارق بين العدو والصديق...

أما الأخطر على الصعيد التطبيقي المباشر فهو أنَّ «غطرسة القوة» هذه موضوعة في خدمة أهواء قد تأتي كردة فعل، أو في إطار «صفقات» - هي السمات الغالبة على أفق الرئيس الأميركي وممارساته السياسية - ولا علاقة لها بتصوّرات استراتيجية متكاملة وطويلة الأمد لتعزيز التحالفات أو ضبط العداوات.

وفي ظلّ هيمنة فكرة «الصفقات» الآنية، تسقط كل خطوط الفصل بين العدو والصديق... وتتهدّد المناخات السياسية التي ينبغي أن تحمي التوافق وتمنع الانزلاق نحو أخطاء قاتلة.

من ثم، ما لم تطرأ مفاجآت غير متوقعة، فسيستمر هذا الوضع - على الأقل - حتى مطلع نوفمبر 2026، أي موعد الانتخابات النصفية المقبلة... التي تشهد إعادة انتخاب كل أعضاء مجلس النواب وثلث أعضاء مجلس الشيوخ.

مطلع نوفمبر 2026 هو مبدئياً أول فرصة ممكنة لإنقاذ أميركا من نفسها. واستطراداً، أول فرصة لتخفيف التوتر الدولي واحتواء ما قد يتيسّر احتواؤه من الكوارث... ما لم يكن قد فات الأوان.

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

سنتان أميركيتان مفصليتان في تاريخ العالم سنتان أميركيتان مفصليتان في تاريخ العالم



GMT 14:55 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

بدعة النزاهة

GMT 12:21 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

نريد نتائج لا تنظيرًا

GMT 12:20 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

مرشحو الرحيل

GMT 12:19 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

مادورو على توقيت ترمب

GMT 12:18 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

القزويني والمياه الرقمية المُلوّثة

GMT 12:17 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

الفاشر وتغيّر قلوب الرجال

GMT 12:15 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

النشاز الإسرائيلي في الدبلوماسية الأميركية

GMT 12:14 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

الإلغاء لا يحل مشكلة القوائم

الرقة والأناقة ترافق العروس آروى جودة في يومها الكبير

القاهرة ـ لبنان اليوم

GMT 22:24 2021 الأحد ,10 كانون الثاني / يناير

تتمتع بالنشاط والثقة الكافيين لإكمال مهامك بامتياز

GMT 00:05 2020 السبت ,24 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج الجوزاء الإثنين 26 تشرين الثاني / أكتوبر 2020

GMT 20:45 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

أفضل الوجهات العربية لقضاء خريف معتدل ومليء بالتجارب الساحرة

GMT 08:41 2018 السبت ,15 كانون الأول / ديسمبر

أحمد في ورطة؟

GMT 18:57 2025 الأحد ,05 تشرين الأول / أكتوبر

موديلات عبايات لصيف 2025 ستجعلك تبدين أصغر سناً

GMT 13:03 2020 الإثنين ,07 كانون الأول / ديسمبر

زاهى حواس يكشف طلب الرئيس السادات عندما زار المتحف المصرى

GMT 14:57 2021 الإثنين ,04 تشرين الأول / أكتوبر

حريق داخل بسطة خضار بداخلها غالونات بنزين ومازوت في بعبدا

GMT 23:57 2020 الأربعاء ,08 إبريل / نيسان

5 نصائح تمكنك من الانسجام والتفاهم مع شريك حياتك

GMT 22:53 2021 الإثنين ,08 آذار/ مارس

انا والكورونا و المرأة في يومها العالمي

GMT 16:11 2022 الجمعة ,20 أيار / مايو

لبنان يوجه ضربة مزدوجة لطهران
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
Pearl Bldg.4th floor, 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh, Beirut- Lebanon.
lebanon, lebanon, lebanon