واقع «الهلال الخصيب» وسط التغيّرات العالمية الكبرى

واقع «الهلال الخصيب» وسط التغيّرات العالمية الكبرى

واقع «الهلال الخصيب» وسط التغيّرات العالمية الكبرى

 لبنان اليوم -

واقع «الهلال الخصيب» وسط التغيّرات العالمية الكبرى

بقلم : إياد أبو شقرا

تعيش منطقة «الهلال الخصيب»، مهد حضارات الشرق الأوسط والعالم، هذه الأيام، تغيّرات بنيوية يصعب تقدير تداعياتها في عالم سريع الإيقاع على مختلف الأصعدة...

من رأس الخليج العربي، امتداداً في أرض العراق، وصعوداً نحو الشمال الغربي باتجاه سفوح مرتفعات الأناضول، ثم انعطافاً نحو الجنوب على طول الحد الغربي لبادية الشام والساحل الشرقي للبحر المتوسط، وانتهاءً بشبه جزيرة سيناء... أرض تشهد «مخاضات» بالجملة.

في العراق انتخابات برلمانية يرافقها تشكيك في نزاهتها ونجاعتها... تحت أنظار إيران.

وفي سوريا تجربة انتخابية مماثلة، لكنها منقوصة المشاركة ومحاطة بالهواجس والمخاوف. وفي لبنان، أمامنا الجدل القديم - الجديد حول «السلاح الشرعي» و«سلاح المقاومة».

وفي فلسطين، طبعاً، تتراكم علامات الاستفهام المرسومة بالدم والدمار والدموع...

إنها، باختصار، منطقة تشهد تسابقاً بين الانهيار والصمود، وبناء الدول وتفكّك الكيانات والمكوّنات، والتفكير العملي الواقعي بالحد الأدنى الضروري للعيش الواحد... والتأثيرات المدمّرة - الداخلية والخارجية - للهويّات!

أمس، أمكن في آخر لحظة، تدارك الانزلاق نحو المجهول، عندما نزعت حركة «حماس» - ربما بدعم عربي - فتيل التفجير من إنذار الرئيس الأميركي دونالد ترمب بجعل قطاع غزة «قطعة من الجحيم»... ما لم توافق الحركة على «مبادرته»، بكل ثغراتها وانحيازها!

في الحقيقة، إن أي عاقل، بغض النظر عن موقفه إزاء «حماس» أو من فكرة التطبيع مع إسرائيل، يتفهّم من واقع التجارب الطويلة أن واشنطن لا يمكن أن تكون وسيطاً محايداً بين إسرائيل وأي طرف عربي.

لكن مع هذا، توافرت هذه المرة عوامل كانت كافية لجعل الرئيس الأميركي دونالد ترمب، الحالم بجائزة نوبل للسلام والطامع بمزيد من الصفقات المُجزية، أقل ارتهاناً لضغوط اليمين الإسرائيلي المتطرف.

هنا قد يكون للتفسّخ الحاصل، حتى هذه اللحظة، في «القاعدة التصويتية – المالية»، التي حملت ترمب إلى البيت الأبيض مرّتين، دورٌ فيما يبدو كأنه «تحرُّر» الرئيس الأميركي من تطويق اليمين اليهودي لرئاسته.

إذ بات «رفض» بعض غُلاة تيار اليمين المسيحي الأبيض مقولة «وحدة المفاهيم اليهودية – المسيحية»، وشقّهم عصا الطاعة على «مروّجيها»، واضحين، داخل البيئات المالية والإعلامية والسياسية الأميركية، وفي مقدّم هؤلاء المروّجين أبرز «اللوبيات الإسرائيلية»، والقوى والشخصيّات المتّصلة بها.

هذه «اللوبيات» والقوى والشخصيات، ربّما ما عادت مطمئنة تماماً للأساليب القديمة المألوفة لفرض نفوذها، ولذا وسّعت أخيراً استراتيجيتها من التمويل والحروب الإعلامية الصريحة... لتشمل أيضاً الحصار السيبراني والتحكّم المعلوماتي و«البياناتي».

بكلام آخر، قد تكون الحاجة إلى أمثال «الابتزازي» الراحل جيفري إبشتاين، قد انتفت أو تراجعت الآن. ذلك أن تلك «اللوبيات» والقوى المتصلة بها، باتت ترى أن سيطرتها على الإعلام التقليدي ما عادت كافية أو فعّالة كالماضي. ولهذا نراها حالياً تتوسّع في فرضه أيضاً على كبريات منصّات التواصل والتطبيقات المتطورة.

واليوم نرى هذه القوى مهيمنة، بالفعل، على أرقى تقنيات الذكاء الاصطناعي و«حصد البيانات» وتخزينها وتوظيفها، ناهيك من تجييرها «البيانات» المجمّعة إلى الدوائر الاستخباراتية المموّلة والشريكة. وفق حساباتها، ما عادت المجازفات الخاطئة مقبولة في عصر الرصد والتحكّم السيبراني وسط التطوّر المفزع للذكاء الاصطناعي...

وحقاً، تعجّ وسائل التواصل كل يوم تقريباً بقصص وروايات عن مطامح المليارديرين اليمينيين المتشدّدين بيتر ثيل وأليكس كارب وشركتهما «بالانتير» المعلوماتية الأمنية. وكما نعلم، استحوذ الملياردير لاري إليسون، بالأمس، على تطبيق «تيك توك» ليضمه إلى إمبراطوريته الإعلامية التي تشمل مجموعة «باراماونت» وشبكة «سي بي إس». وأيضاً، يتدفّق سيل من المعلومات عن شركات استثمار عملاقة، مثل «بلاك روك» و«بلاكستون»، تقزّم نشاطاتها الضخمة وشبكات علاقاتها وأحجام عملياتها الواسعة ما يفوق خيال الإنسان العادي.

في المقابل، أورد وزير العمل الأميركي السابق روبرت رايش (خدم في إدارة بيل كلينتون) بالأمس، قائمة قصيرة في حسابه على منصة «إكس»، جاء فيها:

أغنى أغنياء العالم (يعني إيلون ماسك) يمتلك «إكس»، وثاني أغنى الأغنياء (لاري إليسون) يسيطر على «تيك توك» و«سي بي إس»، وثالث أغنى الأغنياء (مارك زوكربرغ) يمتلك «ميتا» (مالكة «فيسبوك» و«إنستغرام» و«واتساب»)، ورابع أغنى الأغنياء يملك الـ«واشنطن بوست»...

وفي معلومة لافتة أخرى عن «التركّز» والهيمنة المالية، أورد الوزير السابق:

أن ثروات أغنى 400 شخص في أميركا باتت تبلغ نحو 3 تريليونات دولار، وهو ما يربو على ما بحوزة 60 في المائة من الأميركيين!

أما فيما يتعلق بما يثيره غُلاة اليمين المسيحي الأبيض، من أمثال الإعلامي تاكر كارلسون والناشط نك فوينتس وعضو الكونغرس مارغوري تايلور غرين، عن وجود «هيمنة يهودية»، فإن هؤلاء يفوّتون الآن فرصة لمهاجمة إسرائيل ورئيس وزرائها بنيامين نتنياهو.

بل ويحرص هؤلاء على التذكير بأن معظم الأسماء المذكورة أعلاه، من كبار «أوليغارشيي» المال ومليارديرات التكنولوجيا، هم من اليهود الطامعين بالسيطرة على أميركا و«جرّها» لخوض حروبهم... ضد مصالحها الخاصة والوطنية!

لا شك، إذن، أن المشهد مثير سواءً في أميركا أو في وطننا العربي. بل يمكن القول أيضاً إنه لا يخلو من ارتباك وخطورة في باقي مناطق العالم.

إذ لا أوروبا خالية من «الهمّين» العنصري والروسي، ولا آسيا مرتاحة لما قد تحمله الأيام من شظايا التنافس الصيني – الهندي المحتمل، وحتماً، كل منطقة في أفريقيا وأميركا اللاتينية معرّضة للتأثر بتطوّرات المستقبل التكنولوجية والاقتصادية والسياسية...

عالمنا، كما يبدو لي اليوم، صار بلا ضوابط، ولا مكابح، ويقترب من أن يغدو بلا مبادئ وقيَم وأعراف...

 

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

واقع «الهلال الخصيب» وسط التغيّرات العالمية الكبرى واقع «الهلال الخصيب» وسط التغيّرات العالمية الكبرى



GMT 14:55 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

بدعة النزاهة

GMT 12:21 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

نريد نتائج لا تنظيرًا

GMT 12:20 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

مرشحو الرحيل

GMT 12:19 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

مادورو على توقيت ترمب

GMT 12:18 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

القزويني والمياه الرقمية المُلوّثة

GMT 12:17 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

الفاشر وتغيّر قلوب الرجال

GMT 12:15 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

النشاز الإسرائيلي في الدبلوماسية الأميركية

GMT 12:14 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

الإلغاء لا يحل مشكلة القوائم

الرقة والأناقة ترافق العروس آروى جودة في يومها الكبير

القاهرة ـ لبنان اليوم

GMT 22:24 2021 الأحد ,10 كانون الثاني / يناير

تتمتع بالنشاط والثقة الكافيين لإكمال مهامك بامتياز

GMT 00:05 2020 السبت ,24 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج الجوزاء الإثنين 26 تشرين الثاني / أكتوبر 2020

GMT 20:45 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

أفضل الوجهات العربية لقضاء خريف معتدل ومليء بالتجارب الساحرة

GMT 08:41 2018 السبت ,15 كانون الأول / ديسمبر

أحمد في ورطة؟

GMT 18:57 2025 الأحد ,05 تشرين الأول / أكتوبر

موديلات عبايات لصيف 2025 ستجعلك تبدين أصغر سناً

GMT 13:03 2020 الإثنين ,07 كانون الأول / ديسمبر

زاهى حواس يكشف طلب الرئيس السادات عندما زار المتحف المصرى

GMT 14:57 2021 الإثنين ,04 تشرين الأول / أكتوبر

حريق داخل بسطة خضار بداخلها غالونات بنزين ومازوت في بعبدا

GMT 23:57 2020 الأربعاء ,08 إبريل / نيسان

5 نصائح تمكنك من الانسجام والتفاهم مع شريك حياتك

GMT 22:53 2021 الإثنين ,08 آذار/ مارس

انا والكورونا و المرأة في يومها العالمي

GMT 16:11 2022 الجمعة ,20 أيار / مايو

لبنان يوجه ضربة مزدوجة لطهران
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
Pearl Bldg.4th floor, 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh, Beirut- Lebanon.
lebanon, lebanon, lebanon