صفحة جديدة في تاريخ حزب «العمال» البريطاني

صفحة جديدة في تاريخ حزب «العمال» البريطاني

صفحة جديدة في تاريخ حزب «العمال» البريطاني

 لبنان اليوم -

صفحة جديدة في تاريخ حزب «العمال» البريطاني

إياد أبو شقرا
بقلم - إياد أبو شقرا

اختار حزب العمال البريطاني، بالأمس، زعيماً جديداً ينهي عملياً حقبة سلفه اليساري الشعبوي جيريمي كوربن.

الزعيم الجديد، السير كير ستارمر، ابن الحركة العمالية وتفكيره الاشتراكي غير مشكوك فيه. بل حتى اسمه الأول أطلقه عليه ذووه تيمناً بالقيادي والنقابي الاسكوتلندي الاشتراكي الصلب كير هاردي (1856 - 1915). ولكن خلا ذلك، فإن ستارمر يشكل نقلة مهمة نحو الواقعية والعقلانية والاعتدال خلال مرحلة صعبة على العالم، ومنه بريطانيا بالطبع، وكذلك على قوى اليسار والطبقة العاملة ودور الإنسان... في خضم التغيرات الوجودية العاصفة في مختلف المجالات.
ما كان العالم بحاجة إلى جائحة بخطورة وباء «كوفيد - 19» القاتل، لكي يتوقّف لبرهة من أجل مساءلة النفس ومراجعة الضمير. ومن ثم، طرح علامات استفهام لا مجال للسير قدماً من دون طرحها، والسعي إلى إجابات عليها.
صحيح، هذه ليست أول مرة تفرض فيها تساؤلات وجودية نفسها على الإنسان. إلا أنها تأتي اليوم بعدما توهّم الإنسان أنه حقق ما يكفي من التقدّم لقهر كل التحديات... وذلك بعد فكه طلاسم الجينوم، وسبره أغوار الخلايا الجذعية، وتطويره آيات الذكاء الاصطناعي، وجعله الدنيا بما فيها «شرنقة» لثورة الاتصالات والتواصل.
في عز سطوة الإنسان، تلوح أمامه هذه الأيام جوانب من عجزه، بل قُل من نقاط ضعفه. في عز توهمه القدرة الفائقة على الغلبة، نراه الآن في حجره المنزلي الاضطراري، يدرك أن عليه أن يكسب معارك عديدة مع نفسه أولاً، قبل أن يربح معاركه مع تحدّيات الوجود.
مُسلّمات عديدة تهاوت... أو هي في طريق التهاوي.
مكابرات بشعة وصلت - أو تكاد تصل - إلى درب مسدود.
فرضيات وأوهام تبيّن أنها كذلك تماماً... مجرد فرضيات وأوهام.
خلال العقد الماضي، مرّت الديمقراطيات الغربية باهتزازات سياسية شديدة أسقطت «أحزاب» سلطة تقليدية في فرنسا، وقلصت حضور أحزاب أخرى في ألمانيا وبريطانيا والنمسا وغيرها، وهمّشت حتى التيارات الأساسية داخل الحزبين الديمقراطي والجمهوري في الولايات المتحدة، وكل ذلك... لمصلحة حالات راديكالية طارئة.
في أوروبا، وضع الجدل حول «الهوية الأوروبية» دعاة العولمة والقوى البيئية المتحمسة لإسقاط الحدود... وجهاً لوجه أمام غلاة القوميين والانفصاليين والانعزاليين الحريصين على ما ورثوه أو اخترعوه لأنفسهم من هويات. وجلس الاقتصاد، تعريفاً ومؤسسات وسلاحاً، يتفرّج على تفاقم صراع المصالح بين تيارين جارفين لا يرحمان هما العولمة والتكنولوجيا... وعلى أفراد وشعوب قلقة ومرتبكة تبحث عبثاً عن دورٍ لها في نظام اقتصادي عالمي يهمشّها بمرور الساعات والدقائق. وهنا، أدرك الإنسان أكثر فأكثر خلال السنوات العشر الأخيرة في الغرب - حيث خلاصة الديمقراطية العصرية المسؤولة - أنه بات نسياً منسياً.
في العالم الثالث، الوضع - على الأقل، على المستوى المعيشي - ما كان أفضل، في ظل تراكم المشاكل المزمنة والمستجدة، من النزاعات القبلية واللغوية والدينية والمذهبية، إلى استفحال الفساد، والميل الجاهز إلى الديكتاتورية، وسوء استغلال السلطة. بل حتى دول استثنائية، مثل الهند، كبرى ديمقراطيات العالم، حيث حلم «جيل المؤسسين» غاندي ونهرو بها، إبان النضال من أجل الاستقلال، «نموذج» تعايش و«منارة» تسامح وديمقراطية... نجدها مهددة اليوم بالسقوط في المجهول. وها هي تحت قيادة المتشدّدين القوميين الهندوس، تنزلق أكثر فأكثر نحو الطائفية والعرقية والتسلّط والتعصّب.
وأخيراً، ما كانت طبيعية أوضاع القوى الكبرى - وأيضاً الأصغر حجماً - الخارجة من عباءة أنماط متنوعة من الفكر، كحال الصين وروسيا وبعض دول أوروبا الشرقية مثل المجر وبولندا، وأمامنا بكل أسف السجّلات السيئة لهذه الدول مع حقوق الإنسان والشفافية والحكم الرشيد ومبدأ تداول السلطة... والعودة المخيفة لأسوأ ما في «الدولة الأمنية العميقة» وحركات اليمين الشعبوي المتطرف.
التغيير في بريطانيا بالأمس، في اعتقادي، لافت، ليس لأنه سيُحدث تغييراً جذرياً أو سريعاً في البلاد، ذلك أن الغالبية التي يتمتع بها حزب المحافظين ضخمة بما فيه الكفاية للحكم بمفرده من دون متاعب سياسية. ثم إنه بعد تغير القيادة العمالية لا بد أن يطال التغيير كل المؤسسات التي أسهمت في وصول الحزب إلى الدرك الذي وصل إليه، بعد تعرّضه لأربع هزائم انتخابية مذلة، وانقسامه إزاء قضايا مصيرية واجهت بريطانيا، في رأسها قضية الخروج من الاتحاد الأوروبي (بريكست).
كان وصول شخصية مثل جيريمي كوربن، الحركي اليساري المتشدد إلى قمة الهرم الحزبي، في حد ذاته، مؤشراً على خلل فظيع يُنذر بتدمير قدرة الحزب العريق على أن يكون «حزب سلطة». والسبب أن الرجل - على الرغم من نزاهته الشخصية وصدقه مع نفسه - ما كان مؤهلاً لأن يكون «رجل دولة»، يستطيع عقد تفاهمات وطنية عريضة، عبر المرونة السياسية والتفكير العملي وتقبّل الرأي الآخر.
بل إن التيار الذي فرض انتخاب كوربن زعيماً، في خريف 2015، كان عاجزاً عن فهم أبسط ديناميكيات الديمقراطية الانتخابية، بما فيها بذل أقصى الجهد لتحييد الخصم وكسب المحايد. إذ لا يمكن لأي حزب، مهما بلغ من قوة وشعبية، الاكتفاء بولاء جمهوره الملتزم وحده، بل لا بد له من كسب الناخبين المتردّدين وغير الملتزمين.
وأكثر من هذا، لقد سعى تيار كوربن ومناصروه إلى تنفير مخالفيهم من الحزب، وضم حركيين راديكاليين لا يؤمنون أصلاً بأن الأحزاب الكبرى المؤهلة لتولي الحكم تحتاج لقواعد جذب شعبية... وإلا تتحوّل إلى حلقات مُريدين أو منتديات مصفّقين.
كير ستارمر، الزعيم الجديد قماشة من نوع آخر. إنه صاحب مقاربة مختلفة تعيد إلى الأذهان شخصية رئيس الوزراء غوردون براون، باتزانه ووعيه وثقافته وصدق التزامه بمصلحة الحزب، بعيداً عن الجموح الآيديولوجي.
وبالفعل جاءت كلمته الأولى بعد انتخابه، بالتزامن مع التصاعد المخيف في عدد الإصابات والوفيات بالوباء القاتل، دعوة إلى الوحدة والتلاقي، ليس داخل حزبه فحسب، بل على مستوى بريطانيا ككل أيضاً. وهذا الكلام يكتسب أهمية أكبر مع صدور دعوات - حتى من ساسة محافظين - إلى جهد وطني مشترك يتجاوز الانقسام السياسي، غايته تحصين البلاد.
بوجود قيادة عمالية واعية ومسؤولة، تعرف متى تعارض، وكيف تعارض، ولماذا تعارض... أصبحت المهمة أقل تعقيداً.

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

صفحة جديدة في تاريخ حزب «العمال» البريطاني صفحة جديدة في تاريخ حزب «العمال» البريطاني



GMT 00:53 2021 الأربعاء ,13 كانون الثاني / يناير

فخامة الرئيس يكذّب فخامة الرئيس

GMT 21:01 2020 الأربعاء ,23 كانون الأول / ديسمبر

بايدن والسياسة الخارجية

GMT 17:00 2020 الخميس ,17 كانون الأول / ديسمبر

أخبار عن الكويت ولبنان وسورية وفلسطين

GMT 22:48 2020 الثلاثاء ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

عن أي استقلال وجّه رئيس الجمهورية رسالته؟!!

GMT 18:47 2020 الأربعاء ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب عدو نفسه

الرقة والأناقة ترافق العروس آروى جودة في يومها الكبير

القاهرة ـ لبنان اليوم

GMT 09:49 2020 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

يحاول أحد الزملاء أن يوقعك في مؤامرة خطيرة

GMT 13:56 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

تستفيد ماديّاً واجتماعيّاً من بعض التطوّرات

GMT 13:06 2020 الجمعة ,01 أيار / مايو

أبرز الأحداث اليوميّة

GMT 16:31 2019 الأربعاء ,01 أيار / مايو

فرص جيدة واحتفالات تسيطر عليك خلال هذا الشهر

GMT 12:08 2020 الثلاثاء ,02 حزيران / يونيو

شؤونك المالية والمادية تسير بشكل حسن

GMT 12:37 2020 الإثنين ,29 حزيران / يونيو

ابرز الأحداث اليوميّة

GMT 15:17 2020 الجمعة ,10 إبريل / نيسان

يحمل هذا اليوم آفاقاً واسعة من الحب والأزدهار

GMT 16:49 2021 الإثنين ,15 شباط / فبراير

تضطر إلى اتخاذ قرارات حاسمة

GMT 11:57 2020 الثلاثاء ,02 حزيران / يونيو

لا تكن لجوجاً في بعض الأمور

GMT 14:59 2020 الجمعة ,10 إبريل / نيسان

عليك أن تتجنب الأنانية في التعامل مع الآخرين

GMT 15:32 2024 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية مميزة توفر متعة التزلج في فصل الشتاء

GMT 16:53 2018 الجمعة ,21 كانون الأول / ديسمبر

سعد الحريري يتوقع تشكيل حكومته الجديدة مساء الجمعة

GMT 10:29 2017 الخميس ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

الشمبانزي قادرة على تقييم المخاطر وتحذير أقرانها

GMT 20:51 2019 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

طائرة الجزائر يواجه الكاميرون في الالعاب الأوليمبية 2020
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
Pearl Bldg.4th floor, 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh, Beirut- Lebanon.
lebanon, lebanon, lebanon