ها هو التاريخ أمامك يا جبران

ها هو التاريخ أمامك يا جبران

ها هو التاريخ أمامك يا جبران

 لبنان اليوم -

ها هو التاريخ أمامك يا جبران

بقلم : نديم قطيش

عشرون سنة لفّت قلوبنا بسوادها، كأنها دهر في مقام الرجاء الخائب.

ما أفجع موتك يا جبران تويني! لم يكن رحيلاً عن مُحبيك وأهلك وعائلتك وحدهم. كان انتزاعاً للقلب منا جميعاً، كما قال أبوك وأبونا، غسان تويني، المارد المشتعل قهراً وشيباً يوم دفنك. وكان خاتمة قسرية استوجب دفعها عنك أن تُخفض الصوت قليلاً وأن تُدرب القلم بين يديك على انحناءات لا تكسره، لكنك أبيت.

كيف لك، أيها الساذج، أن تقبل وأنت الذي يؤمن بأن الخوف لا يخالط الحبر، كيف لك وحين أدخلتنا «نهار الشباب» رميتنا في بوتقة تمرين لم نعرف مثله: رفع منسوب الحب في السياسة الخبيثة. نحن الفتية الخارجون لتوّنا من أتون حرب أهلية طحنت أرواحنا ومن قبلنا. وفدنا إلى مقام الحب مدجّجين بدعوات كراهية الآخر واستغراب لكْنته وسحنته وأفكاره، لنتعلم عندك ومعك أن الحب هو فعل المقاومة الأشد ضد مَن أرادونا ركاماً من ذاكرات مجروحة وأحقاد موروثة.

قضيت يا جبران، والأرض من حولنا ما اكتفت بعدُ من مؤامرات الجيران والإخوة وطمع الأوصياء، ومن قتلةٍ ما ارتووا ولن. لم يكن دمك إلا بعض موسم طويل. ظنوا أنه بقتلك، بعد سمير قصير، سيستتبّ لهم الأمر في بلاد الشام قاطبة، بلا كلام مزعج تستضيفه بيروت وتبني به «حيطان العمار» بين لبنان وسوريا. ظنوا أنك آخِر صرخة في برية نظام الأسد-«حزب الله» الذي حكم سوريا ولبنان. فماذا جنوا؟ فجَّر الذين فجروا سيارتك بلاداً بأكملها، بأعلى درجات «الأخوة والتنسيق» بين بيروت ودمشق، كما سنعلم لاحقاً. دفعوا كثيراً من حواضر المشرق على مفترقات التشتت والدم، وجعلوها خرائب تتقاسمها الميليشيات والغرباء وبؤس الجماجم.

لكنه وعدُ أبيك لك فوق جسدك المسجى: ليس في التاريخ - ولا القدر - منطق أو ناموس يسمح بأن تذهب الشهادة سُدى... فاصبر وانتظر في كنف الحب المؤمن الذي يُدفئ غربتك، أعرف... لن تنتظر إلى الأبد؛ لأن الأبدية صارت خلفنا ووراءك.

وها هو التاريخ أمامك يا جبران. سقط الآمرون بقتلك إما موتاً أو هرباً، وبفارق أسابيع فقط. أطبق الفخ على مَن نصَبه، وإن لم تكتمل العدالة بالشكل الذي يؤسس لوطن ودولة وجمهورية حلمت بها وما زلنا نحلم.

فلبنان، يا شهيده، لم يشفَ بعدُ من داء الانتظار المزمن، ينتظر الفرج من خارجه، ينتظر مَن يجيبه عن سؤاله الأزلي: «ماذا نريد؟»، وكأن الإرادة أحجية، أو قرار يُنتظر من عاصمة بعيدة.

وبعض الأرض، يا جبران، ما زال يستملكها مَن ولاؤهم لغير ترابها، وقرارهم أمين في ارتهانه لمن لا يعنيه إن عاش هذا الوطن أو مات. أما الصحافة، يا صاحب القلم المدجج بالكبرياء، فيتقاسم جلها من يلتمسون في الصمت القبيح شبهة العافية والسلامة، بعد أن دفعت أنت ورفاقك ثمن الإفراط في الشرف. ويشاركهم من جعلوا من النقد والتذمر صنعةً تملأ الصفحات عويلاً بلا أفق، وشكوى لا تجترح فكرة أو تشعل ضوءاً.

فماذا نريد يا جبران؟

تغير الكثير ولم يتغير شيء في الوقت نفسه. ما زلنا نريد الإرادة ذاتها. نريد أن نستعيد القرار من يد الغريب والوصيّ والعميل. نريد أن نقول «نعم» و«لا» بأصواتنا، لا بأصوات مَن يُملي علينا مصالحه. نريد أن نعود إلى بوتقتك الأولى وأن نستأنف معك حباً لوطننا لا يستسلم ولا يستكين.

وبعد، ماذا أقول لك يا جبران، في العشرين التي مرت؟

إنني قلق. قلق لأن الأمل في بلادٍ تأكل شهداءها وتنسى أسماءهم، يشبه المشي على الماء.

لكنني، في الوقت نفسه، محكوم بالأمل، كما قال المسرحي السوري سعد الله ونوس وهو على حافة الردى. وعساي أستعير سذاجتك النبيلة التي جعلتك تُصدق أن الكلمة أقوى من البارود. أستعيرها لأُصدق مثلك، ولأنني لا أحتمل البديل. أستعيرها لأحيا.

إن لم أكن متأكداً من شيء، فأنا متأكد أنك لم تمت عبثاً؛ لأنك ما زلت تؤلمني وتؤلم كثيرين ممن أحبوك. وليس للميت عبثاً أن يؤلم أحداً.

 

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ها هو التاريخ أمامك يا جبران ها هو التاريخ أمامك يا جبران



GMT 14:58 2025 الأربعاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

عقليّة الغلبة دمّرت لبنان

GMT 14:32 2025 الأربعاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

محارق

GMT 14:31 2025 الأربعاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

صورة المسلم بين عائلتين

GMT 14:30 2025 الأربعاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

حزب البعث اللبناني: أهمية ما ليس مهماً

GMT 14:29 2025 الأربعاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

جوع وصقيع وفزع

GMT 14:29 2025 الأربعاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

أبواب دمشق

GMT 14:28 2025 الأربعاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

«كايسيد»... الحوار هو الخيار

GMT 14:26 2025 الأربعاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

ليبيا والحوار المهيكل

الرقة والأناقة ترافق العروس آروى جودة في يومها الكبير

القاهرة ـ لبنان اليوم

GMT 09:23 2020 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

أعد النظر في طريقة تعاطيك مع الزملاء في العمل

GMT 06:50 2016 الجمعة ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

زلزال نيوزيلندا العنيف يتسبب في تحريك جزر رئيسية

GMT 22:25 2019 الثلاثاء ,16 إبريل / نيسان

3مستحضرات فقط تخفي علامات تعب وجهك نهائيا

GMT 18:35 2019 الخميس ,18 تموز / يوليو

5 أسرار لتطبيق المكياج من أجمل نساء بريطانيا

GMT 16:57 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

"موريشيوس" ملاذ رومانسي ساحر لقضاء شهر العسل

GMT 13:05 2012 الإثنين ,03 كانون الأول / ديسمبر

إضراب في مطار شرم الشيخ يتسبب في إغلاق جزئي أمام السياح

GMT 04:44 2018 الجمعة ,09 شباط / فبراير

لاكوتريبيس يعلن اكتشاف حقل غاز على سواحل قبرص

GMT 18:00 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

إتيكيت دفع فاتورة حساب المطعم

GMT 10:31 2013 الجمعة ,23 آب / أغسطس

نظافة المدرسة من نظافة الطلاب والمدرسين

GMT 07:27 2014 الثلاثاء ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

جائزة لـ«فقه العمران»

GMT 21:14 2019 الأربعاء ,03 إبريل / نيسان

تعرف علي توقعات أحوال الطقس في لبنان الاربعاء

GMT 18:27 2021 الأربعاء ,27 كانون الثاني / يناير

انفجار في مدينة بنش في ريف إدلب السورية

GMT 00:31 2021 السبت ,13 آذار/ مارس

تخفيض سعر تعرفة فحص الـPCR الى 100 الف ل.ل!
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
Pearl Bldg.4th floor, 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh, Beirut- Lebanon.
lebanon, lebanon, lebanon