«حزب الله» والخيارات المرة

«حزب الله» والخيارات المرة

«حزب الله» والخيارات المرة

 لبنان اليوم -

«حزب الله» والخيارات المرة

سام منسى
بقلم - سام منسى

بات ملحاً معرفة ما يريده «حزب الله» فعلاً في هذه المرحلة، بعد كل ما تعرض له وحلفاؤه ورعاته في المنطقة من خسائر عسكرية وهزائم سياسية يصعب إعادة ترميمها في المستقبل المنظور. ماذا يريد الحزب بعدما تبين أن الاتفاق الأخير لوقف العمليات القتالية يترنح، والخروقات الإسرائيلية تتصاعد، وآخرها عودة الاغتيالات، وقصف الضاحية الجنوبية، إضافة إلى الضغوط الأميركية والإسرائيلية الواضحة والصريحة والمتوافقة الداعية إلى نزع سلاح الحزب من الأراضي اللبنانية كافة. لن يغفل عن المتابع أنه لا يمكن فصل سياسة الحزب وقراراته عن السياسة الإيرانية وأهدافها في الإقليم.

منذ تأسيسه، عُرف الحزب بانضباطه العسكري وقدرته على التحكم في قراراته الميدانية، إلا أنه بدا محرجاً عندما تنصل من المسؤولية عن إطلاق الصواريخ الأخيرة على شمال إسرائيل، ما يطرح تساؤلات جوهرية حول آلية صنع القرار في الحزب. فهل النفي مجرد مناورة سياسية لاحتواء التصعيد، أم أنه مؤشر على انقسامات فعلية داخله؟ قد يكون الحزب اليوم أمام تحدٍّ داخلي غير مسبوق، حيث تتباين مواقف تياراته بين من يسعى إلى الحفاظ على نهج المواجهة، ومن يدرك أن الظروف الراهنة تفرض إعادة النظر في استراتيجية الحزب. فهل نحن أمام تحول جوهري في بنيته، قد يعيد رسم ملامح دوره في لبنان والمنطقة؟

يمكن تفسير ما يجري بناء على عدد من الفرضيات، من بينها داخلية، التي أصبحت أكثر وضوحاً في الفترة الأخيرة. يعيش «حزب الله» اليوم حالة من التباين بين تيارين رئيسين يختلفان في تقييم التحولات الإقليمية، والدور الذي يجب أن يؤديه في المرحلة المقبلة. فمن جهة، يرى الجناح العسكري والأمني التقليدي الذي لا يزال متمسكاً بالهوية القتالية، أن المهمة الأساسية تبقى محاربة إسرائيل، وتعزيز قوة الحزب العسكرية، بغض النظر عن المتغيرات السياسية في المنطقة. وعلى الجانب الآخر، هناك تيار يدرك التحولات الجيوسياسية التي طرأت بعد سقوط نظام الأسد في سوريا، وتراجع النفوذ الإيراني، والضربات الأميركية للحوثيين، ويدفع باتجاه التكيف مع هذه المستجدات.

في المقابل، المتشددون والمعتدلون يدركون أن البيئة الإقليمية لم تعد كما كانت قبل سنوات، وأن الرهان على الدعم الإيراني المطلق لم يعد مضموناً في ظل الضغوط الاقتصادية على طهران، وتراجع دورها الإقليمي. كما أن الحزب يواجه تحديات داخلية غير مسبوقة داخل بيئته لم تعد مخفية على أحد، جراء تداعيات الحرب الأخيرة المدمرة مع إسرائيل، وتعثر مسار إعادة الإعمار والمساعدات.

بمعزل عن صحة أو دقة المعلومات بشأن ما يجري داخل أروقة الحزب، لعلَّ الغالبية، خاصة المعتدلة منها، تعرف ما تواجهه إيران من تحديات غير مسبوقة، أبرزها فقدانها لقاعدتها الرئيسة في سوريا، وتعرض الحليف المتبقي لها في اليمن لضربات موجعة سوف تؤول إلى إسكاته وتحجيم دوره هذا إن لم تقضِ عليه. إلى كل ذلك إيران نفسها تواجه خيارات كلها مؤلمة مع إدارة أميركية متشددة متوافقة إلى حد كبير مع إسرائيل أقله على العناوين العريضة لما هو مطلوب من إيران. الخيارات باتت محصورة بين مفاوضات إذا قدر لها النجاح فسوف تقلص المشروع النووي، وإذا لم تنجح المفاوضات فسوف تتعرض إيران ربما لعمليات عسكرية أميركية أو أميركية إسرائيلية مشتركة، قد تؤدي إلى زعزعة النظام.

هذه الوقائع - الاحتمالات لا بد أن قادة الحزب المتبقين يعرفونها رغم المكابرة، وهم على دراية تامة أن خياراتهم تحاكي خيارات إيران، تبدأ مع تداعيات ما قد تتعرض له إيران بعد المفاوضات مع الأميركيين، أو مرحلة ما بعد العمل العسكري إذا فشلت المفاوضات.

في الشأن اللبناني الداخلي الحزب محاصر باتفاق وقف النار الذي وافق عليه مُكرهاً، الذي لن يسمح بأعمال قتالية من جنوب لبنان أو خارجه ما سيحوّل سلاح الحزب الثقيل والخفيف عبئاً ثقيلاً ومادةً للتجاذب السياسي الداخلي لن يكون لصالح الحزب، خاصة أن اللهجة الأميركية والدولية والإقليمية واضحة وصريحة لجهة ضرورة نزع السلاح.

يجد الحزب نفسه في وضع صعب بين إرضاء حلفائه الخارجيين، الذين قد يكونون معنيين بتصعيد مدروس، وبين ضغوط الداخل اللبناني، الذي يرزح تحت أزمة اقتصادية خانقة ويريد تجنب أي حرب جديدة تلوح بها إسرائيل، وتهديد أميركي بمنع الإعمار والمساعدات في ظل السلاح.

من حق اللبنانيين أن يسألوا عما يريد الحزب وما لا يريد، وكيف سيواجه هذه الاحتمالات - الوقائع؟ وهو يعرف (الحزب) أن سياسة المراوحة المعتادة لم تعد صالحة ما يعني حتمية الاختيار بين مسالك جديدة كلها وعرة بالنسبة لمستقبله مثل مقاومة مسلحة ومنظمة خارج الدولة.

هل بمقدور الحزب التكيف والتغيير والتخلي عن العسكرة، أم أن انقساماته ستزداد، ما قد يجعله أكثر خطورة وأقل قدرة على ضبط أوضاعه وتداعيات ذلك على لبنان؟

 

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«حزب الله» والخيارات المرة «حزب الله» والخيارات المرة



GMT 14:55 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

بدعة النزاهة

GMT 12:21 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

نريد نتائج لا تنظيرًا

GMT 12:20 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

مرشحو الرحيل

GMT 12:19 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

مادورو على توقيت ترمب

GMT 12:18 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

القزويني والمياه الرقمية المُلوّثة

GMT 12:17 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

الفاشر وتغيّر قلوب الرجال

GMT 12:15 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

النشاز الإسرائيلي في الدبلوماسية الأميركية

GMT 12:14 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

الإلغاء لا يحل مشكلة القوائم

الرقة والأناقة ترافق العروس آروى جودة في يومها الكبير

القاهرة ـ لبنان اليوم

GMT 12:25 2020 الثلاثاء ,04 شباط / فبراير

أخطاؤك واضحة جدّاً وقد تلفت أنظار المسؤولين

GMT 13:01 2020 الإثنين ,29 حزيران / يونيو

يبدأ الشهر مع تلقيك خبراً جيداً يفرحك كثيراً

GMT 06:15 2023 الثلاثاء ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

توقعات الأبراج اليوم الثلاثاء 21 نوفمبر/تشرين الثاني 2023

GMT 22:22 2016 الأربعاء ,10 شباط / فبراير

عطر Bamboo من Gucci الرقّة والقوّة في مزيج واحد

GMT 13:00 2021 الإثنين ,18 كانون الثاني / يناير

رحلة الى عالم أوميجا رؤية استباقيّة لمستقبل صناعة الساعات

GMT 05:00 2020 الإثنين ,05 تشرين الأول / أكتوبر

أصوات 20 ألف جزائري تحدد مصير جزيرة قرب أستراليا

GMT 21:50 2014 الإثنين ,02 حزيران / يونيو

"إل جي" تكشف رسميًا عن هاتفها "G3"
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
Pearl Bldg.4th floor, 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh, Beirut- Lebanon.
lebanon, lebanon, lebanon