ملاقاة التحول والفرص المهدورة

ملاقاة التحول والفرص المهدورة

ملاقاة التحول والفرص المهدورة

 لبنان اليوم -

ملاقاة التحول والفرص المهدورة

بقلم:سام منسى

في خضم التحولات المتسارعة بالمنطقة، يبقى سقوط نظام بشار الأسد وتسلّم أحمد الشرع رئاسة سوريا حدثاً استثنائياً تأسيسياً على مستوى سوريا والشرق الأوسط، ولعلَّه أحدُ أهم تداعيات «طوفان الأقصى» وما تلاه، وأخطرُ تحوّل استراتيجي تشهده المنطقة منذ نكسة عام 1967. فالأمر لم يقتصر على مجرد تغيير في رأس النظام السوري، بل امتد للبنية الإقليمية التي تشكّلت خلال العقود الماضية حول محور إيراني - سوري - لبناني، امتد تأثيره إلى العراق وفلسطين، وبدأت مرحلة جديدة أقفل فيها بابُ المشرق العربي أمام التمدد الإيراني، وعادت الولايات المتحدة للمنطقة من الباب العريض، مدعومة بإجماع عربي نادر حول ضرورة تفكيك منظومات النفوذ غير العربي التي ترسَّخت في العقدين الأخيرين.

استدعت هذه اللحظة اهتماماً عربياً ودولياً غيرَ مسبوق قادته بداية السعودية وتوّجه لقاء الرئيس الأميركي دونالد ترمب مع الشرع، وبدأ سباق القوى الدولية إلى دمشق للمشاركة في إعادة تشكيل موقع سوريا ودورها في الإقليم. هذا الاهتمام الكثيف أثار في لبنان مشاعرَ الاستغراب والاستهجان، وطرح أسئلة مشروعة تقارن بين حجم وفاعلية الاهتمام والاحتضان العربي والدولي لسوريا مقارنة بلبنان، رغم تشكّل سلطة سياسية جديدة فيه خارج جناح الوصايتين السورية والإيرانية. فكيف ينسحب الضوء عن بلدٍ لطالما عُد «شاغلَ العرب»، و«مختبرَ التسويات الدولية»؟ وهل يعني ذلك أنَّ العالم قد حسم أمره بشأن بيروت؟

لبنان، الذي لطالما حظي باهتمام عربي ودولي كثيف منذ بداية الأزمة سنة 1969 مع الفلسطينيين، يضيع الفرصة تلو الأخرى وهو في طريق خسارة ما تبقى من ثقة المجتمع الدولي به، لا بسبب ضعف موارده أو هشاشة نظامه السياسي فحسب، بل بسبب غياب الرؤية الوطنية الموحدة والإرادة والإصلاح. فبينما كانت غالبية الدول العربية والقوى الدولية تنتظر منه مواقف واضحة في قضايا سيادية مصيرية بعد المتغيرات والانقلابات بالمنطقة وبالداخل اللبناني، مثل حصر السلاح بيد الدولة، ومحاربة الفساد، وترسيخ استقلالية القضاء، اختار لبنان مسارات ملتبسة، كأنه لم يدرك معنى المتغير السوري، والخروج الإيراني من المشرق، وتهاوي قوة «حزب الله»، وما إلى ذلك. محصلة ذلك ثلاثة أشهر على السلطة الجديدة، نتائجها المراوحة والمراهنة على الوقت والاستمرار في لعبة التوازنات الهشة والمساومات الصغيرة. بقي التردد سيد الموقف جراء الخوف من فزاعة الحرب الأهلية من جهة، وصعوبة تفكيك توغل «حزب الله» بأروقة الإدارة والأمن وبقية الأجهزة، إلى التلكؤ في فك الارتباط بين الطائفة الشيعية و«حزب الله» رغم دقته وصعوبته.

يبدو لبنان كأنه يُدفع به إلى خارج المشهد. فبينما حظيت سوريا بفرصة تاريخية بغطاء دولي وعربي واسع، لم يلق لبنان سوى وفرة مبادرات من دون دعم سياسي وازن، رغم تشكيل سلطة جديدة تحمل في تركيبتها إشارات رمزية على رغبة التغيير. ليس الأمر تجاهلاً متعمّداً، بقدر ما هو تعبير عن يأس متراكم من قدرة لبنان على التقاط اللحظة والتجاوب مع الرسائل الجليّة، ومفادها القرار السياسي الرسمي الواضح والمعلن بانتهاء عمل المقاومة المسلحة بكل أشكالها، وعدّ سلاح «حزب الله» سلاحاً غير شرعي، ووضع خطة زمنية معلنة بالتعاون مع القوات الدولية لسحبه، والسعي إلى هدنة دائمة مع إسرائيل على غرار هدنة 1949.

هذا الأمر ينزع كل الذرائع من يد إسرائيل التي لن تكون عاملاً مساعداً، بل معرقلة في كل من لبنان وسوريا. الحكومة الإسرائيلية الحالية اليمينية المتشددة، تعيش في حالة من البارانويا، وتتعامل مع أي تحوّل عربي كأنه تهديد مباشر. فهي تطالب بكل شيء دون تقديم أي تنازل سياسي، وتُفضّل الحسم العسكري على الانخراط في تسويات سياسية. فالنجاحات التي حققتها في حربها زادت تصلبها، وعزّزت وهم القدرة على فرض الوقائع بالقوة وحدها، ولو على حساب الاستقرار الإقليمي، وتوتير العلاقة مع إدارة ترمب الساعية إلى توسيع دائرة «اتفاقات أبراهام».

في نهاية المطاف، لا يكمن الفارق بين سوريا ولبنان في حجم الأزمة، بل في القدرة على الاستجابة لها. فسوريا شهدت بسقوط نظامها تحوّلاً بنيوياً واستراتيجياً استدعى تدافعاً دولياً وعربياً لملء الفراغ وإعادة رسم المعادلات. اللحظة السورية اليوم تشبه لحظة «ما بعد الحرب الباردة»: لحظة انكشاف، وإعادة تشكيل، والانفتاح على احتمالات جديدة. أما لبنان، فبقي في منطقة رمادية، لا ينهار بالكامل ولا ينهض فعلياً، يُدير الأزمات ولا يحلّها. وبينما تحوّلت دمشق إلى ساحة اختبار لنظام إقليمي جديد ولاعب متفاعل، فإن بيروت تخبو في نظر العالم.

دقّ جرس التحول، والفرص لا تنتظر من يتقن فن إضاعتها. الرهان على الزمن والمواربة لم يعودا يقنعان أحداً في عالم تحكمه الوقائع لا النيات.

 

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ملاقاة التحول والفرص المهدورة ملاقاة التحول والفرص المهدورة



GMT 14:58 2025 الأربعاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

عقليّة الغلبة دمّرت لبنان

GMT 14:32 2025 الأربعاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

محارق

GMT 14:31 2025 الأربعاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

صورة المسلم بين عائلتين

GMT 14:30 2025 الأربعاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

حزب البعث اللبناني: أهمية ما ليس مهماً

GMT 14:29 2025 الأربعاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

جوع وصقيع وفزع

GMT 14:29 2025 الأربعاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

أبواب دمشق

GMT 14:28 2025 الأربعاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

«كايسيد»... الحوار هو الخيار

GMT 14:26 2025 الأربعاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

ليبيا والحوار المهيكل

الرقة والأناقة ترافق العروس آروى جودة في يومها الكبير

القاهرة ـ لبنان اليوم

GMT 09:23 2020 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

أعد النظر في طريقة تعاطيك مع الزملاء في العمل

GMT 06:50 2016 الجمعة ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

زلزال نيوزيلندا العنيف يتسبب في تحريك جزر رئيسية

GMT 22:25 2019 الثلاثاء ,16 إبريل / نيسان

3مستحضرات فقط تخفي علامات تعب وجهك نهائيا

GMT 18:35 2019 الخميس ,18 تموز / يوليو

5 أسرار لتطبيق المكياج من أجمل نساء بريطانيا

GMT 16:57 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

"موريشيوس" ملاذ رومانسي ساحر لقضاء شهر العسل

GMT 13:05 2012 الإثنين ,03 كانون الأول / ديسمبر

إضراب في مطار شرم الشيخ يتسبب في إغلاق جزئي أمام السياح

GMT 04:44 2018 الجمعة ,09 شباط / فبراير

لاكوتريبيس يعلن اكتشاف حقل غاز على سواحل قبرص

GMT 18:00 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

إتيكيت دفع فاتورة حساب المطعم

GMT 10:31 2013 الجمعة ,23 آب / أغسطس

نظافة المدرسة من نظافة الطلاب والمدرسين

GMT 07:27 2014 الثلاثاء ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

جائزة لـ«فقه العمران»

GMT 21:14 2019 الأربعاء ,03 إبريل / نيسان

تعرف علي توقعات أحوال الطقس في لبنان الاربعاء

GMT 18:27 2021 الأربعاء ,27 كانون الثاني / يناير

انفجار في مدينة بنش في ريف إدلب السورية

GMT 00:31 2021 السبت ,13 آذار/ مارس

تخفيض سعر تعرفة فحص الـPCR الى 100 الف ل.ل!
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
Pearl Bldg.4th floor, 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh, Beirut- Lebanon.
lebanon, lebanon, lebanon