منطق الطير ومنطق التاريخ

منطق الطير ومنطق التاريخ

منطق الطير ومنطق التاريخ

 لبنان اليوم -

منطق الطير ومنطق التاريخ

عبدالله بن بجاد العتيبي
بقلم - عبدالله بن بجاد العتيبي

الرمزية في التراث العربي والعالمي، هي سبيل واسعٌ لإيصال أفكارٍ ووصف أحداثٍ وصناعة جدلٍ، بعيداً عن معوقات الحاضر ومخاطر الآني، وهي أسلوبٌ مستخدمٌ قديماً وحديثاً، في آداب الأمم ومعارف الشعوب ونتاج الحضارات، وعربياً عرف الناس هذا الفن شعراً ونثراً، وكان كتاب «كليلة ودمنة» لابن المقفع - على سبيل المثال - حيث وضع محكمات الحكم على لسان الحيوانات، وعرفوا كتاب «حي بن يقظان» لابن الطفيل، حيث دمج الفلسفة والأدب والدين في حكايةٍ واحدةٍ في رمزية التفتيش عن الحقيقة، كما عرفوا كتاب «ألف ليلة وليلة» وهو نتاج حضارات الشرق بشكل عامٍ.
في الأدب العالمي من قبل ومن بعد ما ينتهج نفس الأسلوب وذات الطريقة، ومن هنا خرج المذهب الرمزي في الأدب متفاوتاً في التبلور لدى الأمم، و«منطق الطير» في هذا السياق كتابٌ لفريد الدين العطار، وهو كتابٌ شعريٌ مكوّنٌ من أكثر من ألفٍ وخمسمئة بيتٍ من الشعر الروحاني الذي يمتاز بالرمزية والتصوف، ومثله «مثنوي» لجلال الدين الرومي، وغيرهما.
«منطق الطير» عبارةٌ عن حكاياتٍ رمزيةٍ تنتسب لعالم الخرافة، لا لعالم الحقيقة، وصناعة الخرافة في العالم تسعى دائماً للارتباط بالأديان، وذلك في محاولة للاستحواذ على الجانب الغيبي من الإيمان، ولكن القرآن الكريم تحدث عن «منطق الطير» في سياق آخر، هو قصة النبي الكريم سليمان، حيث جاءت الآية «يا أيها الناس علمنا منطق الطير»، وعدّ أهل العلم هذا معجزةً لنبي الله سليمان لا يشاركه فيها غيره.
فمنطق الطير يتراوح بين منطق «الخرافة» البشرية ومنطق «المعجزة» الإلهية، وقد انقطعت النبوة ومعجزاتها الحسية بنص القرآن، وبقيت الخرافات تعبث بعقول الملايين من البشر، ولكل أمةٍ خرافاتها ولكل زمنٍ خرافاتٌ تختلف بحسب الزمان والمكان والمعطيات.
أما «منطق التاريخ» فمختلفٌ تماماً، إنه يمثل قراءة بشريةً محكمةً لتطور البشرية وعلومها المتنوعة، ومحاولة منح التاريخ معنى، فمنطق التاريخ ثابتٌ ومستمرٌ، يمكن استقراؤه والبناء عليه، بوصفه سنةً إلهيةً بالمعنى الديني، أو علماً متكاملاً ومستقلاً كما كتب ابن خلدون، أو حتميةً تاريخيةً كما نظّر كارل ماركس.
في معنى السنة الإلهية حديث طويلٌ للمفسرين والفقهاء، أما في معنى العلم فيقول ابن خلدون في مقدمته: «فإن فن التاريخ من الفنون التي تتداوله الأمم والأجيال، وتُشد إليه الركاب والرحال، وتسمو إلى معرفته السوقة والأغفال، وتتنافس فيه الملوك والأقيال ويتساوى في فهمه العلماء والجهال، إذ هو في ظاهره لا يزيد على أخبار عن الأيام والدول، والسوابق من القرون الأول، تنمو فيها الأقوال، وتضرب فيها الأمثال، وتطرف بها الأندية إذا غصها الاحتفال، وتؤدي لنا شأن الخليقة كيف تقلب بها الأحوال، واتسع للدول النطاق فيها والمجال، وعمروا الأرض حتى نادى بهم الارتحال، وحان منهم الزوال، وفي باطنه نظر وتحقيق، وتعليل للكائنات ومباديها دقيق، وعلم بكيفيات الوقائع وأسبابها عميق، فهو لذلك أصيل في الحكمة عريق، وجدير بأن يعد في علومها وخليق».
وبعيداً عن السجع المتكلف الذي هو لغة عصره، فقد أجاد ابن خلدون أيماً إجادةٍ في نقل «التاريخ» من كونه سرداً إلى كونه «علماً» و«معنىً»، وهو ما مهد لتطور علومٍ أخرى من خلاله كعلم الاجتماع وغيره.
ثم جاء كارل ماركس ليطرح «حتمية التاريخ» وهي أمرٌ يختلف عن «منطق التاريخ»، بمعنى أن للتاريخ معنى، وأنه ليس أحداثاً عشوائيةً، وليس صدفاً متتابعةً، وكما أنه ليس حتميةً فليست له نهايةٌ، كما طرح فوكوياما في كتابه «نهاية التاريخ» الذي تراجع عنه لاحقاً.
أخيراً، ففي منطقة تعج بالتغيرات الكبرى وتعيد التشكل على مستوى ضخمٍ بكل المقاييس، يحتاج الناس للقراءة والفهم والتعمق، لا في الأحداث فحسب، بل في خلفياتها وعمقها التاريخي والديني والثقافي.

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

منطق الطير ومنطق التاريخ منطق الطير ومنطق التاريخ



GMT 21:11 2025 الثلاثاء ,23 كانون الأول / ديسمبر

“حكومة التعريفة” ولغز النفط وتسعير مشتقاته

GMT 21:11 2025 الثلاثاء ,23 كانون الأول / ديسمبر

فستان الرَّئيس «السَّابق»

GMT 21:10 2025 الثلاثاء ,23 كانون الأول / ديسمبر

ذاكرة شفوية منقوشة في جدار الزمن

GMT 21:09 2025 الثلاثاء ,23 كانون الأول / ديسمبر

ذاكرة شفوية منقوشة في جدار الزمن

GMT 21:08 2025 الثلاثاء ,23 كانون الأول / ديسمبر

قانون «الفجوة» ومرتكبو الجرائم المالية!

GMT 21:07 2025 الثلاثاء ,23 كانون الأول / ديسمبر

أهداف إسرائيل وحسابات سوريا الجديدة

GMT 21:06 2025 الثلاثاء ,23 كانون الأول / ديسمبر

تعقيدات المفاوضات الأوكرانية

GMT 21:05 2025 الثلاثاء ,23 كانون الأول / ديسمبر

تغيير الخطاب وتعديل المسار

الرقة والأناقة ترافق العروس آروى جودة في يومها الكبير

القاهرة ـ لبنان اليوم

GMT 20:43 2025 الثلاثاء ,23 كانون الأول / ديسمبر

مأساة أم مصرية تشعل مواقع التواصل بعد عرض أطفالها للبيع
 لبنان اليوم - مأساة أم مصرية تشعل مواقع التواصل بعد عرض أطفالها للبيع

GMT 21:44 2017 الأحد ,10 أيلول / سبتمبر

كيف تتحكمين في صرخات طفلك المحرجة؟

GMT 22:16 2020 الأحد ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج الدلو الأحد 1 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 12:50 2025 الثلاثاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

ألوان الموضة لخريف وشتاء 2026 توازن بين الأصالة والابتكار

GMT 14:56 2023 السبت ,07 كانون الثاني / يناير

الطبابة في حوض الفولغا

GMT 09:27 2015 الثلاثاء ,14 إبريل / نيسان

موقع صحيفة "الحياة" يتعرض إلى القرصنة

GMT 12:39 2015 الجمعة ,09 تشرين الأول / أكتوبر

الأخطبوط يلجأ إلى حيل مثيرة للدهشة للإيقاع بالفريسة

GMT 07:35 2020 الجمعة ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

توماس باخ يؤكد أنهم مستعدون لإقامة أولمبياد طوكيو

GMT 22:11 2020 الثلاثاء ,29 كانون الأول / ديسمبر

دليل تنظيف اللابتوب

GMT 22:18 2018 الجمعة ,02 شباط / فبراير

فالنتينو تخطف الأنظار بمجموعتها لموسم 2018

GMT 09:01 2022 الأحد ,03 تموز / يوليو

ماجد المصري ينتهي من تصوير فيلم خمس جولات
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
Pearl Bldg.4th floor, 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh, Beirut- Lebanon.
lebanon, lebanon, lebanon