وريث أرض الشام

وريث أرض الشام

وريث أرض الشام

 لبنان اليوم -

وريث أرض الشام

سليمان جودة
بقلم - سليمان جودة

أعتقد دائماً في صدق العبارة التي أطلقها الخليفة الراشد عمر بن الخطاب فقال: «أظهروا لنا أحسن ما عندكم، والله أعلم بالسرائر». ولو شاء أحد أن يختار عنواناً للحكومة السورية الجديدة التي أعلنها الرئيس أحمد الشرع قبل عيد الفطر بيومين، فلن يجد أفضل من هذه العبارة، لأنها بالنسبة إلى الحكومة بمثابة الشيء الذي يقال عنه إنه يوافق واقع الحال.

وعندما قال الرئيس الشرع إنه «سعى قدر المستطاع لاختيار الأكفأ»، وإنه «فضّل المشاركة على المحاصصة في الاختيار»، فإنني أجده صادقاً فيما قال، وبالذات فيما يخص تفضيل المشاركة على المحاصصة في تشكيل الحكومة. ولا أعرف ما إذا كان اعتراض الإدارة الذاتية الكردية في شمال شرقي البلاد على تشكيلة الحكومة، سوف يعطل الاتفاق الذي وقَّعته «قوات سوريا الديمقراطية» مع الشرع، أم أن هذا شيء وذاك شيء آخر؟

إنك إذا تطلعت إلى العراق فلن تحتاج إلى جهد كبير لترى عواقب المحاصصة، وإذا تطلعت إلى لبنان فلن تحتاج إلى جهد كبير أيضاً لترى عواقب المحاصصة نفسها، وبالتالي فإن محاولة الإفلات من هذه العواقب في تشكيلة الحكومة السورية الجديدة أمر يجب أن يُحسب للإدارة في دمشق، كما يجب أن نظل نحسب ذلك في ميزان هذه الحكومة الآن على الأقل، ثم إلى أن نرى أثر التجربة في حياة الناس هناك.

كَمْ يتمنى المرء لو أن رئيس الوزراء في بغداد يجري اختياره على أساس عراقيّته وحدها، وليس على أي أساس آخر يتصل بانتمائه إلى طائفة بعينها. وكَمْ يتمنى المرء لو أن هذا هو الحاصل في منصب رئيس البرلمان، وكذلك في موقع رئيس الدولة. كَمْ هو ثقيل على الأُذن أن تسمع كلمة سُني، أو شيعي، أو كردي، وأنت تستعرض الأسماء التي تشغل هذه المواقع الثلاثة. فعراقيّة المواطن في بلاد الرافدين أشمل وأجمل، وهي تساوي بين الكل إذا تعلق الأمر بما على كل مواطن من واجبات أو بما له من حقوق، ولا شك في أن المواطنة بصفتها مبدأ تبقى مظلة كافية لأن تمتد فوق الجميع، فتكون كأنها السقف الذي يحمي ويُظلّل ويحتوي.

وكَمْ يتمنى المرء في لبنان ما يتمناه في العراق، ولكن المحاصصة المقيتة كانت ولا تزال تُفسد على الأشقاء في البلدين حياتهم، وكانت ولا تزال تُفرِّق ولا تجمع. فالمشاركة هي الصيغة الأفضل، لأنها لا تتطلع في بيانات البطاقة الشخصية لكل مواطن إلا إلى جنسيته، وما عداها لا يهم ولا يجب أن يهم.

من علامات المشاركة التي قصدها الشرع وهو يتحدث عن حكومته الجديدة، أن فيها وزيراً كردياً للتعليم، وأن فيها وزيرة مسيحية للشؤون الاجتماعية، وأن فيها وزيراً علوياً للنقل، وأن فيها وزيراً درزياً للزراعة.

هذه صيغة أفضل بالتأكيد، لأن المعنى أن الأكراد والمسيحيين والعلويين والدروز موجودون في الحكومة، وأن أساس الوجود في الحالات الأربع هو المشاركة لا المحاصصة. ولكن الشيء المؤسف أن الإدارة الذاتية الكردية اعترضت، وأنها وصلت في اعتراضها إلى حد قولها إنها ليست معنية بتنفيذ قرارات هذه الحكومة.

هذا شيء مؤسف لأن دمشق تتكلم عن المشاركة، بينما الإدارة الذاتية الكردية تتكلم عن المحاصصة، التي لم تظهر في أي بلد إلا أفسدت الحياة فيه، لأن الانتماء في الحالة الثانية إنما هو إلى الطائفة، لا إلى الوطن بكل ما يعنيه من رحابة، ومن امتداد، ومن اتساع.

ومما قاله الشرع وهو يتعرض للانتقادات التي طالت حكومته، إن إرضاء الكل ليس ممكناً، وإنه حاول الإرضاء ما استطاع. وهذا صحيح إذا تطلعنا إلى ما يقوله بمنظار عبارة الخليفة الراشد الثاني، ولكن لأن الشرع يجلس في عاصمة الأمويين، فإن «شعرة معاوية» الشهيرة يجب ألا تفارق يديه.

«شعرة معاوية» لا بد أن تكون حاضرة أمام الشرع في قصر الشعب طول الوقت. فالذين يتربصون بسوريا كثيرون، والذين خسروا نفوذهم فيها لا يسلِّمون بالخسارة، والذين استثمروا فيها على مدى سنين يصعب عليهم أن يكون استثمارهم بغير عائد، والسوريون الذين فقدوا كل شيء أيام نظام الأسد يريدون الآن كل شيء أيضاً.

كل سوري - كردي مدعوٌّ إلى أن يترفق بسوريا لأنها وطنه الأم، وكذلك كل مسيحي وعلوي ودرزي، لأن حضن الأم أوسع من حاضنة الطائفة، ولأن الروح المعنوية في «شعرة معاوية» هي التي لا بد أن تكون بوصلة لدى الطرفين. فإذا شدها الشرع اليوم فليس أمام الطرف الثاني إلا أن يُرخيها، وإذا أرخاها الطرف الثاني فإن دمشق سوف يكون عليها أن تشدها، ولا يوجد خيار آخر إلا أن تنقطع الشعرة، لا قدَّر الله.

 

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

وريث أرض الشام وريث أرض الشام



GMT 18:40 2025 الجمعة ,26 كانون الأول / ديسمبر

أسقط الركن الثالث

GMT 18:39 2025 الجمعة ,26 كانون الأول / ديسمبر

بين القوانين والإعلانات والأخلاق

GMT 18:38 2025 الجمعة ,26 كانون الأول / ديسمبر

عام «سَوْقَنَة» القضايا

GMT 18:37 2025 الجمعة ,26 كانون الأول / ديسمبر

البراغماتية الإيرانية في انتظار الاختبار الصعب

GMT 18:18 2025 الجمعة ,26 كانون الأول / ديسمبر

2026... عام التوضيحات؟

GMT 18:14 2025 الجمعة ,26 كانون الأول / ديسمبر

العراق ما بين تاريخين

GMT 18:13 2025 الجمعة ,26 كانون الأول / ديسمبر

يحمل اسم زويل

GMT 18:12 2025 الجمعة ,26 كانون الأول / ديسمبر

هند رستم.. الأنوثة قبل الإغراء دائمًا!

الرقة والأناقة ترافق العروس آروى جودة في يومها الكبير

القاهرة ـ لبنان اليوم

GMT 18:08 2025 الجمعة ,26 كانون الأول / ديسمبر

نتنياهو يعلن اعتراف إسرائيل بأرض الصومال دولة مستقلة
 لبنان اليوم - نتنياهو يعلن اعتراف إسرائيل بأرض الصومال دولة مستقلة

GMT 17:24 2025 الجمعة ,26 كانون الأول / ديسمبر

الجيش اللبناني يستعد للمرحلة الثانية من حصر السلاح
 لبنان اليوم - الجيش اللبناني يستعد للمرحلة الثانية من حصر السلاح

GMT 12:50 2020 الأحد ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج الثور الأحد 1 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 11:49 2019 الإثنين ,01 إبريل / نيسان

من المستحسن أن تحرص على تنفيذ مخطّطاتك

GMT 22:30 2021 الأحد ,10 كانون الثاني / يناير

يشير هذا اليوم إلى بعض الفرص المهنية الآتية إليك

GMT 22:08 2020 الأحد ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج القوس الأحد 1 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 12:17 2020 الثلاثاء ,02 حزيران / يونيو

كن قوي العزيمة ولا تضعف أمام المغريات

GMT 13:08 2020 الأحد ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج السرطان الأحد 1 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 21:05 2021 الأحد ,10 كانون الثاني / يناير

تطرأ مسؤوليات ملحّة ومهمّة تسلّط الأضواء على مهارتك

GMT 05:03 2022 الأربعاء ,06 تموز / يوليو

أفكار بسيطة في الديكور لجلسات خارجية جذّابة

GMT 19:23 2021 الجمعة ,16 تموز / يوليو

حريق كبير في بينو العكارية اللبنانية

GMT 13:08 2019 الإثنين ,04 شباط / فبراير

أمير منطقة الرياض يرأس جلسة مجلس المنطقة

GMT 02:47 2020 الإثنين ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

تعرفي على طريقة إعداد وتحضير حلى التوفي البارد

GMT 11:29 2012 الإثنين ,10 كانون الأول / ديسمبر

ضرائب متراكمة على النجمة باميلا أندرسون

GMT 13:54 2018 الخميس ,20 كانون الأول / ديسمبر

المحرق ينظم مهرجانه الخامس عشر بمناسبة الأعياد
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
Pearl Bldg.4th floor, 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh, Beirut- Lebanon.
lebanon, lebanon, lebanon