أميركا أولاً أم أميركا فقط

"أميركا أولاً" أم أميركا فقط ؟

"أميركا أولاً" أم أميركا فقط ؟

 لبنان اليوم -

أميركا أولاً أم أميركا فقط

طلال عوكل
بقلم - طلال عوكل

جائحة كورونا التي تواصل انتشارها وحصدها المزيد من الأرواح يبدو أنها لا تستهدف فقط كبار السن، بما يخفف على نحو واضح مدفوعات الدول المخصصة للتقاعد والمساعدات الاجتماعية، وانما تقدم نموذجين في التعامل المسؤول، مع القضايا التي تشترك فيها البشرية جمعاء. تقدم الصين تجربتها ورؤيتها على مستوى العلاقة بين مسؤولياتها القومية ومسؤولياتها على المستوى العالمي، ولها على الجميع أن يرفع القبعة حيث نجحت من خلال التعامل المبكر والصارم مع الفيروس في أن تحتفل في مدينة يوهان التي كانت بؤرة الجائحة، وأن تبدأ بتقديم المساعدة للآخرين.
قد لا تكون المساعدات الصينية كافية لتمكين الكثير من الدول من تجاوز عجزها على وقف التقدم المتسارع للفيروس، ولكن ذلك ينطوي على مؤشر سياسي وأخلاقي إزاء ما تتعرض له البشرية. لسنا بصدد إقحام دور الفيروس في التنافس بين القوتين الأعظم الصين والولايات المتحدة على موقع الأفضلية، ولا حتى بما له صلة بالتغيرات الكونية ذات العلاقة مع النظام الدولي، وأفضلية النموذج السياسي فثمة الكثير من السيناريوهات المتضاربة وغير المكتملة. مقابل ذلك تقدم الولايات المتحدة نموذجها الخاص إزاء العلاقة بين القومي والأممي، ونحو إعطاء أولوية شبه مطلقة للقومي على حساب التوازن في المسؤولية. منذ بداية عهد الرئيس دونالد ترامب كان قد أعلن أن استراتيجية ادارته تقوم على مبدأ "أميركا أولا"، وقد كانت البداية الأكثر وضوحا تتمثل في السياسة التي اتبعها وتحمست لها المندوبة الأميركية في الأمم المتحدة نيكي هايلي. كانت الذريعة المعلنة لاستهداف الأمم المتحدة تقوم على اتهامها بمعاداة إسرائيل والانحياز للفلسطينيين، ثم اتبعها بانسحاب أميركا من اتفاقية المناخ. لم تتوقف الإجراءات السياسية العملية لتأكيد مبدأ "اميركا أولا" فلقد أوقفت مساهماتها المالية في موازنة اليونسكو والمجلس الأعلى لحقوق الإنسان، وأخيرا إعلان الرئيس ترامب عن وقف مساهمتها في موازنة منظمة الصحة العالمية بذريعة تواطئها مع الصين. وفي السياق كانت الولايات المتحدة قد أوقفت مساعداتها للعديد من الدول بما في ذلك المساعدات الإنسانية، الأمر الذي يهدد دور الأمم المتحدة، في مجال القيام بمسؤولياتها التنموية والإنسانية بما يعرض الأمن والسلام العالميين للخطر. تأخرت الإدارة الأميركية في التعامل الجدي مع جائحة كورونا، الأمر الذي أدى إلى عجزها عن ملاحقة انتشار الفيروس داخل اميركا. في وقت متأخر أي في السابع والعشرين من آذار اتخذ الكونغرس قراراً بتخصيص 2,2 ترليون دولار لاحتواء الفيروس وتوفير الإغاثة الاقتصادية المؤقتة للعمل والشركات الأميركية، واللافت أن الإدارة الأميركية خصصت فقط مليارا ونصف المليار لدعم الأنشطة الدولية بما في ذلك مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها، وهذه ربما تتوقف بعد قرار الرئيس ترامب بوقف مساهمات أميركا في ميزانية منظمة الصحة العالمية. عام 2018 كان ترامب أعلن وقف تقديم المساعدة الأجنبية لأولئك الذين لا يحترمون الولايات المتحدة، وكان في مقدمة هؤلاء دولة فلسطين التي قطعت الولايات المتحدة عنها لأسباب سياسية كل أشكال المساعدات، بما في ذلك للمستشفيات في القدس بعد أن توقفت عن تقديم مساهمتها التي تتجاوز 350 مليون دولار للأونروا. خلال الفترة الرئاسية السابقة كانت الولايات المتحدة تقدم نحو سبعمائة مليار دولار في إطار المساعدات سواء لبرامج الأمم المتحدة أو في إطار المساعدات الإنسانية والتنموية، أما في عهد ترامب فقد جرى تجفيف هذا الصندوق إلى بضعت مليارات. في ضوء ذلك فإن دور وأداء منظمة الصحة العالمية في مجال مكافحة الأمراض والوقاية منها سيتراجع على نحو ملحوظ، ذلك أن الولايات المتحدة هي المساهم الأكبر في موازنتها بالمقارنة مع حصة كل من الصين واليابان وألمانيا وهي الدول الأساسية التي تتحمل عبء موازنة هذه المنظمة. إزاء ذلك لا يمكن حصر الدول التي يمكن أن يتعرض نظامها الصحي للانهيار، بل إن عديد الدول ربما تشهد انهيارات وفوضى في أنظمتها السياسية وقدرتها على الاستقرار. لقد تعود الرئيس ترامب على اتخاذ سياسات و مواقف واجراءات جذرية تحقيقا لمبدأ "أميركا أولا" وفي إطار تغيير الدور التقليدي الذي تلعبه فوق استراتيجياتها لتحقيق مصالحها، بما في ذلك اجراءاته في مجال التعامل الأمني والتجاري مع دول الاتحاد الأوروبي. إذ ذاك من الطبيعي أن تنعكس السياسة الأميركية على كل مفاصل وتفاصيل المجتمع الدولي ومكوناته وآليات عمل النظام السياسي الذي نشأ بعد الحرب العالمية الثانية، فهي الدولة التي تنتج ما يقرب من ربع الإنتاج العالمي والدولة الأقوى عسكرياً التي تقف لفترة طويلة على رأس النظام العالمي. ولكن في زمن العولمة هل يمكن للولايات المتحدة أو غيرها أن تحمي نفسها من الظواهر الطبيعية وغير الطبيعية التي تؤثر على نحو جماعي على سكان الأرض؟ خاصة وأن العديد من هذه الظواهر لا تعترف بالحدود كما هو الحال الآن مع "كورونا"؟ إن سياسة "أميركا أولاً" التي يتم ترجمتها وفق سياسة "أميركا فقط" قد تكون وصفة لحجْر استراتيجي أميركي.
   

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أميركا أولاً أم أميركا فقط أميركا أولاً أم أميركا فقط



GMT 00:53 2021 الأربعاء ,13 كانون الثاني / يناير

فخامة الرئيس يكذّب فخامة الرئيس

GMT 21:01 2020 الأربعاء ,23 كانون الأول / ديسمبر

بايدن والسياسة الخارجية

GMT 17:00 2020 الخميس ,17 كانون الأول / ديسمبر

أخبار عن الكويت ولبنان وسورية وفلسطين

GMT 22:48 2020 الثلاثاء ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

عن أي استقلال وجّه رئيس الجمهورية رسالته؟!!

GMT 18:47 2020 الأربعاء ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب عدو نفسه

الرقة والأناقة ترافق العروس آروى جودة في يومها الكبير

القاهرة ـ لبنان اليوم

GMT 09:49 2020 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

يحاول أحد الزملاء أن يوقعك في مؤامرة خطيرة

GMT 13:56 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

تستفيد ماديّاً واجتماعيّاً من بعض التطوّرات

GMT 13:06 2020 الجمعة ,01 أيار / مايو

أبرز الأحداث اليوميّة

GMT 16:31 2019 الأربعاء ,01 أيار / مايو

فرص جيدة واحتفالات تسيطر عليك خلال هذا الشهر

GMT 12:08 2020 الثلاثاء ,02 حزيران / يونيو

شؤونك المالية والمادية تسير بشكل حسن

GMT 12:37 2020 الإثنين ,29 حزيران / يونيو

ابرز الأحداث اليوميّة

GMT 15:17 2020 الجمعة ,10 إبريل / نيسان

يحمل هذا اليوم آفاقاً واسعة من الحب والأزدهار

GMT 16:49 2021 الإثنين ,15 شباط / فبراير

تضطر إلى اتخاذ قرارات حاسمة

GMT 11:57 2020 الثلاثاء ,02 حزيران / يونيو

لا تكن لجوجاً في بعض الأمور

GMT 14:59 2020 الجمعة ,10 إبريل / نيسان

عليك أن تتجنب الأنانية في التعامل مع الآخرين

GMT 15:32 2024 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية مميزة توفر متعة التزلج في فصل الشتاء

GMT 16:53 2018 الجمعة ,21 كانون الأول / ديسمبر

سعد الحريري يتوقع تشكيل حكومته الجديدة مساء الجمعة

GMT 10:29 2017 الخميس ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

الشمبانزي قادرة على تقييم المخاطر وتحذير أقرانها

GMT 20:51 2019 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

طائرة الجزائر يواجه الكاميرون في الالعاب الأوليمبية 2020
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
Pearl Bldg.4th floor, 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh, Beirut- Lebanon.
lebanon, lebanon, lebanon