حوارات الطبقة الوسطى22

حوارات الطبقة الوسطى؟!(2-2)

حوارات الطبقة الوسطى؟!(2-2)

 لبنان اليوم -

حوارات الطبقة الوسطى22

بقلم: عبد المنعم سعيد

ما زلنا فى إطار الحوار الذى جرى مع الأستاذ صلاح منتصر - رحمه الله - قبل 16 عاما عن الطبقة الوسطى المصرية فى منتصف العقد الثالث من القرن الحالى مضافا له الظرف المختلف من الناحية الوطنية؛ وهو كذلك من الناحية الثقافية والسياسية حيث تغيرت الظروف العالمية والدولية والمحلية، وكل ما حدث أن «نوعية» الثقافة تغيرت. أما بالنسبة لمدى العمق الثقافى ومدى السوقية والسطحية فى الثقافة السائدة، فالحقيقة أن كل العصور المصرية شهدت خلطة مثيرة فى الثقافة ما بين الرقى والضحالة، وليس صحيحا أن العصر الحديث قد عرف فقط الظواهر الضحلة بل أنه كان موجودا فى كل العصور تقريبا.

وربما الجديد فى الأمر هو أن وسائل الإعلام أكثر قوة وانتشارا مما يعطى بعضا من الاعتقاد بأن ذلك هو الأصل وغيره هو الاستثناء. ولكن الأمر هو أن ذات وسائل الإعلام هى التى «تحرق» مثل هذه الضحالة بسرعة بينما يبقى ما هو أكثر أصالة وجمالا، فمن الممكن أن يظهر ويختفى غناء المهرجانات، أما محمد منير وعمرو دياب مثلا فقد بقيا فى المقدمة- انتشارا ومبيعات- خلال العقود الثلاثة الماضية، وكلاهما يقدم فنا راقيا وأصيلا.

الطبقة الوسطى الجديدة فى مصر نمت خلال العقود الثلاثة الأخيرة حتى صار لها لها ثقافتها الخاصة المتوائمة مع العصر والعالم كما هو وليس كما نتخيله، وهى الثقافة التى كانت حال كل الطبقات الوسطى فى التاريخ. وخلال هذه الفترة كان التغيير فى اتجاهات جديدة ارتبطت بتصاعد دور التكنولوجيا فى المجال العام. فثمة مؤشر على منظومة قيمية مختلفة لشرائح من المصريين ترى فى التعامل مع الكمبيوتر والإنترنت والمحمول جوازات مرور للتقدم والتعامل مع العصر فى ثوبه الجديد. ووفقا لتقارير الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء فإن المصريين والأسرات المصرية حققت قفزات كبيرة فى استخدام الإنترنت سواء من خلال الكمبيوتر أو التليفون المحمول وصلت إلى 97٪ من المصريين.

الاستخدام كان من ناحية تيسيرا لشؤون الحياة اليومية، ومن ناحية أخرى أداة للتعبير المباشر عن آراء متنوعة، فضلا عن أداء وظائف اجتماعية معبرة عن أشكال جديدة من التقاليد القديمة كالعزاء والمساندة الاجتماعية فى لحظات الكوارث. سياسيا فإن استخدام الأدوات الحديثة فى ثورة يناير 2011 كان دعوة للتجديد؛ وبعد أن انزلقت الثورة إلى أيادى الإخوان المسلمين فإن ثورة يونيو 2013 كانت دعوة كبرى للإصلاح واستمرار مسيرة الحداثة والتقدم.

وبينما كانت الطبقة الوسطى القديمة محلية فى أغلبها وتدور بشدة حول الثقافة العربية والإسلامية، اللهم إلا من قلة قليلة، فإن الطبقة الوسطى الجديدة أكثر «عولمة» وانفتاحا على العالم. وغالبا ما يكون فى مقدمة العناصر الداعية للتعامل مع العولمة هؤلاء الشباب من أبناء الطبقة الوسطى، وخاصة الملتحقين بالمدارس التجريبية والخاصة والدارسين فى أقسام اللغات الأجنبية بالجامعات الوطنية المصرية، فضلا عن خريجى الجامعات الأجنبية والخاصة. وقد بدأت هذه الجامعات تلبى الطلب المتزايد على نوعية محددة من التعليم الراقى فضلا عن أحلام وظيفية أخرى بالعمل فى إحدى الشركات العالمية العملاقة. فالجيل الجديد من الطبقة الوسطى لديه ارتفاع فى سقف طموحه العلمى والوظيفى، وفى مجالات جديدة مثل بحوث الفضاء وعالم الجينات مجال الذكاء الاصطناعى.

وربما كان من أهم التغييرات التى جرت فى ثقافة الطبقة الوسطى المصرية هى تبدل النظرة المجتمعية للوظيفة الحكومية. فكما هو معروف فإن إحدى الشرائح المكونة للطبقة الوسطى المصرية شريحة الموظفين فى الجهاز الإدارى للدولة، لكن السنوات الماضية شهدت حدوث تغير نسبى فى النظرة الحاكمة لشرائح من المصريين تجاه الوظيفة الحكومية. ونتيجة غلاء المعيشة، صار المواطن المصرى يتحدث عن حجم دخله income وليس مفردات مرتبه salary، الناتج عن العمل فى أماكن متعددة وربما تخصصات مختلفة، فى حين يوجد مصدر واحد للمرتب، وهو الوظيفة الحكومية التقليدية. وقد صار هناك شباب حديثو التخرج فى الجامعات والمعاهد العليا والمتوسطة يفضلون العمل الخاص عن العمل الحكومى، كما أن أحد مظاهر التوسع بل والتغير الذى طال الطبقة الوسطى المصرية هو بروز شريحة من صغار (شباب) رجال الأعمال. ورغم ما هو شائع عن تآكل العطاء المجتمعى فى مصر، فإن هناك مؤشرات بارزة توضح ليس فقط حضور هذا العطاء بل تغلغله. وقد شهد العمل التطوعي/ الخيرى تطورا ملحوظا خلال العقد الأخير، من خلال التحرك الواسع لمؤسسات المجتمع المدنى. فعلى مستوى القائمين بالعمل، لم يعد النشاط مقصورًا على الجمعيات الأهلية الدينية وإنما دخلت فى حلبة المنافسة الجمعيات الأهلية المدنية. كما أن الشريحة العمرية القائمة بالعمل لم تعد قائمة على أكتاف وجهود شريحة كبار السن أو المتدينين التقليديين، وإنما تتكون بدرجة أساسية من الشرائح العليا للطبقة الوسطى، من خلال التبرع بالمال والتطوع بالجهد بغرض مد يد العون لفئات محددة مثل الأيتام والأرامل والمطلقات والمعاقين والمسنين والمرأة العائلة. لقد تغير العالم، وتغيرت مصر، ومعهما تغيرت الطبقة الوسطى المصرية اتساعا وعمقا وثقافة وتأثيرا سوف يظهر بوضوح خلال السنوات القليلة المقبلة.

 

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

حوارات الطبقة الوسطى22 حوارات الطبقة الوسطى22



GMT 21:13 2025 السبت ,27 كانون الأول / ديسمبر

درب السلام

GMT 21:12 2025 السبت ,27 كانون الأول / ديسمبر

لَا أَحسَبُ الشَّرَّ جَاراً!

GMT 21:10 2025 السبت ,27 كانون الأول / ديسمبر

من الوحدة الشاملة إلى براكين الدَّم والتَّشظّي

GMT 21:10 2025 السبت ,27 كانون الأول / ديسمبر

«داعش» وأعياد نهاية العام

GMT 21:07 2025 السبت ,27 كانون الأول / ديسمبر

المسيحية الصهيونية... من الهرطقة إلى تبرير الإبادة

GMT 21:06 2025 السبت ,27 كانون الأول / ديسمبر

المعنى الغائب في أكثر صراعات العالم حضوراً

GMT 21:05 2025 السبت ,27 كانون الأول / ديسمبر

حين قرأ كسينجر لحسن البنا

GMT 21:04 2025 السبت ,27 كانون الأول / ديسمبر

«ماغا»... رأب الصدع أم نهاية الائتلاف؟

الرقة والأناقة ترافق العروس آروى جودة في يومها الكبير

القاهرة ـ لبنان اليوم

GMT 11:59 2020 السبت ,29 شباط / فبراير

يتحدث هذا اليوم عن مغازلة في محيط عملك

GMT 20:21 2021 الإثنين ,08 شباط / فبراير

أخطاؤك واضحة جدًا وقد تلفت أنظار المسؤولين

GMT 14:39 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

ينعشك هذا اليوم ويجعلك مقبلاً على الحياة

GMT 09:04 2023 الإثنين ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

خبير طبي يؤكد أن التدفئة مهمة جدًا للأطفال الخدج

GMT 11:33 2020 السبت ,29 شباط / فبراير

تنعم بحس الإدراك وسرعة البديهة

GMT 04:58 2025 السبت ,13 كانون الأول / ديسمبر

أفكار متنوعة لترتيب وسائد السرير

GMT 22:04 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

أمامك فرص مهنية جديدة غير معلنة

GMT 19:17 2022 الإثنين ,18 إبريل / نيسان

التيشيرت الأبيض يساعدك على تجديد إطلالاتك

GMT 19:02 2021 الثلاثاء ,21 كانون الأول / ديسمبر

النجمة يخرج العهد من كأس لبنان

GMT 18:52 2021 الأربعاء ,22 كانون الأول / ديسمبر

الجامعة اللبنانية وزعت نبذة عن رئيسها الجديد بسام بدران

GMT 15:33 2021 الإثنين ,05 تموز / يوليو

46 حالة جديدة من متحوّر “دلتا” في لبنان

GMT 18:30 2021 الثلاثاء ,19 تشرين الأول / أكتوبر

مالك مكتبي يعود بموسم جديد من "أحمر بالخط العريض"
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
Pearl Bldg.4th floor, 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh, Beirut- Lebanon.
lebanon, lebanon, lebanon