سعودي يسأل هل هناك ما يستحق المخاطرة

سعودي يسأل: هل هناك ما يستحق المخاطرة؟

سعودي يسأل: هل هناك ما يستحق المخاطرة؟

 لبنان اليوم -

سعودي يسأل هل هناك ما يستحق المخاطرة

جمال خاشقجي

قبل أيام نشرت «واشنطن بوست» تقريراً سلبياً عما وصفته «مخاطر التدخل العسكري السعودي في الصراع السوري». ليس هذا مهماً، فمثل هذه التقارير كثرت في الإعلام الغربي، وبلغت حد اتهام السعودية بأنها باتت تهدد السلم العالمي، وكأن الإيرانيين والروس يوزعون الورد في سورية واليمن.

المهم أن الـ «بوست» تقول إن هذا القلق والتوجس وصل إلى السعودية، وأن بعضاً من مواطنيها متخوف من أن يجد بلده متورطاً في حرب على جبهتين أو أكثر! واستشهدت بمن وصفته بأنه «مراقب سياسي سعودي معروف ومقرب من كبار المسؤولين»، ونقلت عنه قوله: «اقتصادنا يعاني بالفعل، وعلى رغم ذلك يخرج علينا من يبشر بحرب في سورية ضد الروس»! من الواضح أن صاحبنا منزعج من التصريحات المتداولة عن «استعداد» المملكة لإرسال قوات برية إلى سورية لمحاربة «داعش»، ولكن قبل الهجوم على المتحدث الذي لا نعرفه ونتهمه بالانهزامية، يجب أن نعترف بأنه يمثل تياراً حقيقياً بين السعوديين، نلقاهم في مجالسنا، حيث يتحدثون بصراحة ويلقون بالأسئلة الصعبة يميناً ويساراً، الكتّاب منهم يعبرون عن أنفسهم، ومخاوفهم بين سطور مقالاتهم، والأفضل أن نستمع إليه، وقد عبر عنهم صاحبنا الذي تحدث لمراسل الصحيفة الأميركية العريقة، فأضاف: «هناك قلق حقيقي على مستويات المجتمع السعودي حول التورط في كل هذه الصراعات الخارجية». وبعدما ذكرت الصحيفة أنه طلب عدم ذكر اسمه خوفاً من تبعات صراحته، نقلت عنه التصريح الكارثي الآتي: «أؤمن بأن هناك اعتقاداً سائداً بأننا فقدنا القدرة على تمييز الأشياء بعقلانية».

الكارثة ليست في ما قال، وإنما في حقيقة غياب خطاب تعبوي يلغي هذه الشكوك ويعزز الثقة بما نحن فيه وما نحن مقبلون عليه، فما دام هناك اقتناع بحتمية المواجهة، فالوقت حان لأن تنتقل هذه القناعة إلى كل مستويات المجتمع السعودي، التي أشار إليها صاحبنا أعلاه، وقال إنها ينتابها القلق والاعتقاد بأننا «فقدنا القدرة على تمييز الأشياء بعقلانية»، فمسائل الحرب والسلام لا تحتمل التسويف وتعدد الآراء، وأي محلل متابع يعلم أن معركة مواجهة إيران وطردها من عالمنا طويلة وصعبة وقاسية، وبالتالي يجب ألا يعلو صوت على صوتها.

إذاً حان الوقت أن يسمع الشعب السعودي، وفي شكل مباشر ودقيق، خطاباً يوضح ويفصل مقاصد المعركة وأسبابها، والمطلوب من الشعب حيالها. لعله كان مقصوداً أن يغيب الخطاب التعبوي في بداية المعركة، كي لا يفزع الاقتصاد فتزداد الضغوط على الدولة، ولكن الاقتصادي وصاحب رأس المال ذكي بطبيعته، يتحسس مواقع الخطر، بل أحياناً يبالغ فيها إذا ما غابت عنه المعلومة الصحيحة، فانعكس ذلك سلباً على أدائه، كما أن خطاب المعركة حضر قسراً، ولكنه محاط بقدر من الإشاعات والمبالغات، فالمواطن بات يتأثر برسالة مجهولة المصدر في «واتساب» أكثر مما يتأثر بمقال متزن لكاتب معروف كان البارحة مع أحد المسؤولين.

النتيجة أن مسألة مصيرية، كالمواجهة مع إيران والتدخل في سورية والحرب في اليمن، أضحت موضوع جدل وتباين، وكأنها قضية هامشية مثل قيادة المرأة السيارة والصراعات الحزبية، بل إنها وظفت في تلك الصراعات العبثية فتسطحت منعطفاتها المصيرية، فهذا كاتب يشكك في التحالف السعودي - القطري - التركي، لأنه لا يوافق هواه السياسي، وإذا بالتحالف يصبح رباعياً وتنضم إليه الإمارات بعد إعلان وصول طائراتها وقواتها مع أخرى سعودية إلى قاعدة إنجرليك التركية، لعله أصبح الآن تحالفاً يرضي هوى الجميع، وذاك يريد أن يزج بمصر في تحالف، هي لا تريده أصلاً، لأنه يوافق هواه، وثالث يصر على أن دعاة المواجهة مع إيران يريدون أن يزجوا بالمملكة في صراعات لأنها تخدم توجهاتهم الحزبية، وسط هذا التجاذب يكون طبيعياً أن تغم الصورة والتوجه والطريق أمام المتلقي السعودي.

معظم القناعات السعودية، ومادة معظم المقالات، كان مصدرها تصريحات وزير الخارجية عادل الجبير، الذي يقوم بأداء جبار، ولكن خطابه بطبيعته موجه إلى الخارج، لذلك حان الوقت لأن يستمع المواطن لخطاب موجه إلى الداخل، لتقطع الشك باليقين، وتجيبه على السؤال الكبير: هل مواجهة إيران، ومنعها من الانتصار والهيمنة في سورية واليمن ضرورية؟ وهل نستطيع النهوض أكثر بالمجتمع وتلبية حاجاته في السكن والتعليم والصحة في الوقت ذاته مع تلك المواجهة؟

وعلى رغم أن المراقب الحصيف يستطيع إدراك أسلوب التدخل السعودي الحذر في الصراعات الخارجية، وأنها اختارت دعم القوى الوطنية المحلية في اليمن وسورية، وهي قوى كافية لحسم الصراع، ذلك أنها صاحبة القضية، فإن سعوديين وغير سعوديين يخشون فتح جبهتين في وقت واحد، وكأن السعودية هي التي صنعت الثورة في سورية أو اختارت موعد انقلاب الحوثيين وصالح! لم يقل مسؤول سعودي إنه سيرسل الجيش إلى سورية، وإنما قوات خاصة محدودة، واشترط لذلك وجود غطاء دولي، وتحديداً أميركي، كما أنها لم تقطع علاقاتها بالروس، ولا تزال الاتصالات معهم مستمرة، آخرها اتصال بين الملك سلمان والرئيس بوتين الأربعاء الماضي. السعودية تستخدم كل أدواتها، السياسة، والضغط، والاقتصاد، والمناورة، وحتى الدعم العسكري، ولكنها تفعل ذلك كله بحكمة وحذر يحمي الوطن، قد نرى قريباً صواريخ أرض جو بيد المعارضة السورية، فتثير غضب الروس، واتهامات الإيرانيين، وربما عتب الحلفاء، ولكن لن يخرج مطلقاً مسؤول سعودي يقول نحن من أرسلنا هذه الأسلحة، لقد فعلت ذلك بصمت في أفغانستان وانتصرت قبل عقدين، وحمت مصالحها الاستراتيجية، وتستطيع أن تفعله ثانية في سورية.

أجزم بأن معظم السعوديين يثقون بقيادتهم، ومقتنعون بحتمية المواجهة، ويرون أنها لحماية الوطن وليست مجرد «صراعات خارجية» ولكن، خطاب للشعب، فاصل جامع مانع، بات ضرورياً جداً الآن.

 

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

سعودي يسأل هل هناك ما يستحق المخاطرة سعودي يسأل هل هناك ما يستحق المخاطرة



GMT 19:08 2024 الأربعاء ,17 إبريل / نيسان

أحلام هنا وكوابيس هناك

GMT 15:34 2024 الأربعاء ,03 إبريل / نيسان

الأردن... والجبهة البديلة

GMT 03:54 2024 الأربعاء ,13 آذار/ مارس

ليس لنا إلا أنفسنا؟!

GMT 18:50 2024 الأحد ,14 كانون الثاني / يناير

جولة بلينكن!

GMT 18:14 2024 الأحد ,07 كانون الثاني / يناير

العرب وغزة..”وين الملايين..”!

الرقة والأناقة ترافق العروس آروى جودة في يومها الكبير

القاهرة ـ لبنان اليوم

GMT 12:25 2020 الثلاثاء ,04 شباط / فبراير

أخطاؤك واضحة جدّاً وقد تلفت أنظار المسؤولين

GMT 13:01 2020 الإثنين ,29 حزيران / يونيو

يبدأ الشهر مع تلقيك خبراً جيداً يفرحك كثيراً

GMT 06:15 2023 الثلاثاء ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

توقعات الأبراج اليوم الثلاثاء 21 نوفمبر/تشرين الثاني 2023

GMT 22:22 2016 الأربعاء ,10 شباط / فبراير

عطر Bamboo من Gucci الرقّة والقوّة في مزيج واحد
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
Pearl Bldg.4th floor, 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh, Beirut- Lebanon.
lebanon, lebanon, lebanon