إيران ضريبة الثروة والجغرافيا

إيران.. ضريبة الثروة والجغرافيا

إيران.. ضريبة الثروة والجغرافيا

 لبنان اليوم -

إيران ضريبة الثروة والجغرافيا

مصطفى فحص

عانى سكان الهضبة الإيرانية طويلا جراء الأطماع الخارجية بموقع بلادهم الجغرافي، والرغبة بالسيطرة عليه وإخضاعه، وقد تسبب هذا الموقع لعدة قرون، بصعوبة إيجاد حضور ملائم للهضبة الإيرانية على خارطة العالم السياسية. في حين أدت هزائمها المتكررة أمام جيرانها العثمانيين والقياصرة الروس والقبائل الأفغانية، إلى تحجيم دورها السياسي وتهميش موقعها الجغرافي، إلى أن تم اكتشاف النفط فيها سنة 1908، لتنفتح عليها أبواب صراع جديد. فلم يقها إعلان حيادها في الحرب العالمية الأولى، من تحولها إلى ساحة معارك بين القوى الكبرى، ثم احتلالها من قبل هذه القوى، التي أمنت لها لاحقا فرصتين: تعزيز موقعها الجغرافي وخلق تأثير جيواستراتيجي لثرواتها المكتشفة.

لكن إيران دفعت باكرا ثمن الصراع الدولي على ثروتها، حيث أدى احتمال أن يقوم الشاه رضا بهلوي بتزويد هتلر بالنفط، إلى قيام الحلفاء بخلعه عن عرش إيران سنة 1941. وكرد فعل على محاولة حكومة وريث العرش الإيراني محمد رضا بهلوي مدعومة من الدول الغربية في التملص من إعطاء موسكو حصتها من النفط الإيراني، قام ديكتاتور روسيا السوفياتية جوزيف ستالين، بدعم المطالب الانفصالية لدى الأكراد في «مهاباد» والأذريين في «أذربيجان جنوب» سنة 1946. والاعتراف باستقلالهما عن إيران.

ما زال قرار رئيس الوزراء الإيراني مصدق تأميم النفط سنة 1952 راسخا في الذاكرة الإيرانية، كونه تحول إلى ذريعة للتدخل الأميركي المباشر في الشؤون الإيرانية الداخلية، إضافة إلى أن هذه الثروة كانت سببا رئيسيا بالحصار الغربي لإيران لمدة 36 سنة، هي عمر نظام الجمهورية الإسلامية، الذي تأسس سنة 1979. فيما تنتظر إيران دخول الاتفاق النووي الذي وقعته مع مجموعة دول 5+1 حيز التنفيذ، لكي تخرج من عزلتها الدولية، يبدو أنها ستدخل في مرحلة جديدة من الصراع على ثروتها، تخضع هذه المرة للعوامل الجيوسياسية وحساباتها المعقدة.

يقول القيصر الروسي نيكولاس الثاني: «مهما ذهبنا شمالا يجب أن لا ننسى أن لروسيا جارا وحيدا ودائما في الجنوب هو إيران»، فهي ثابتة في كلاسيكيات الجغرافيا السياسية الروسية منذ قرابة 3 قرون، والبوابة الجنوبية لمشروع الأوروآسيوية، الذي يطمح فلادمير بوتين إلى إعادة إحيائه لما يحظى هذا المحور الجغرافي من مكانة استراتيجية بأبعاده السياسية الاقتصادية والديموغرافية.

بعد رفع الحصار الاقتصادي عن إيران، أصبح من المؤكد أن للولايات المتحدة والدول الغربية الحصة الكبرى تليهما الصين، في الاستثمارات التي يحتاجها الاقتصاد الإيراني من أجل النهوض، فالرهان الإيراني كبير على الشركات الغربية في إعادة تأهيل البنية التحتية المتهالكة، وبالتقنية الغربية الحديثة بهدف تطوير القطاعين الصناعي والزراعي، فيما يحتاج قطاع النفط إلى 160 مليار دولار كاستثمار في بنيته التحتية، وهو مبلغ غير متوفر في البنوك الروسية، بينما تستعد كبرى شركات الطاقة الأميركية والبريطانية والفرنسية إلى اجتياح قطاع الطاقة الإيراني، مما سوف يؤثر سلبا على حصة روسيا، التي فشلت شركتها العملاقة «غازبروم» في إقامة شراكة بينها وبين شركة خاتم الأنبياء، التابعة للحرس الثوري، من أجل تطوير حقل «بارس» للغاز، وإطلاق العمل بخط أنابيب غاز شيراز ـ حيدر آباد الهندية عبر باكستان بقيمة 23 مليار دولار والذي تتخوف موسكو من أن يذهب تطوير العمل فيه لشركات أجنبية.

في المقابل تعي طهران أن فتح أسواقها التجارية أمام واشنطن وحلفائها، سيثير حفيظة الروس، الذين يملكون أدوات كثيرة تمكنهم من عرقلة التحرك الإيراني نحو الغرب وإرباكه، حيث إن طهران لا تستطيع المرور من آسيا الوسطى حتى الصين دون قبول روسي، كما لن يكون من السهل عليها الاختيار بين المشروع الأميركي والمشروع الروسي في تقاسم ثروات بحر قزوين، فيما التقارب الروسي التركي في مجالات تطوير نقل الطاقة من آسيا الوسطى وما وراء القوقاز، إلى أوروبا عبر موانئ جيهان التركية تسير بوتيرة متسارعة، ولن يكون سهلا على طهران خسارة دعم موسكو في صراعاتها الإقليمية، التي تبدأ بين أرمينيا وأذربيجان مرورا بأفغانستان وطاجيكستان، وصولا إلى العراق وسوريا، ولن يغيب عن بال موسكو ضبابية الموقف الإيراني تجاه الأزمة الأوكرانية، في المقابل يزداد قلق طهران من حياد موسكو الواضح، في صراع طهران مع جيرانها العرب والأتراك.

ليس سهلا على إيران الحسم، بين أن تخضع لشروط الاستفادة من الثروة وإغراءاتها، وبين أن تنحاز لخيار الجغرافيا ومكاسبها، فكلاهما خيار صعب، وانعكاساتهما أصعب، والأشد صعوبة أنها لن تستطيع الإمساك بالعصا من نصفها، فالقبول بخيار الأغلبية بالانفتاح على العالم سيتسبب بإضعاف النظام ويعطل أدوات السلطة لديه، ويجعله يقف عاجزا أمام مخاطر رفض هذا الانفتاح وصعوبة تطبيق النموذج الصيني، بينما هو أسير طموحاته الجيوسياسية المكلفة فيبدو كمصاب بلعنتين: الثروة والجغرافيا.

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

إيران ضريبة الثروة والجغرافيا إيران ضريبة الثروة والجغرافيا



GMT 14:55 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

بدعة النزاهة

GMT 12:21 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

نريد نتائج لا تنظيرًا

GMT 12:20 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

مرشحو الرحيل

GMT 12:19 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

مادورو على توقيت ترمب

GMT 12:18 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

القزويني والمياه الرقمية المُلوّثة

GMT 12:17 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

الفاشر وتغيّر قلوب الرجال

GMT 12:15 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

النشاز الإسرائيلي في الدبلوماسية الأميركية

GMT 12:14 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

الإلغاء لا يحل مشكلة القوائم

الرقة والأناقة ترافق العروس آروى جودة في يومها الكبير

القاهرة ـ لبنان اليوم

GMT 09:49 2020 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

يحاول أحد الزملاء أن يوقعك في مؤامرة خطيرة

GMT 13:56 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

تستفيد ماديّاً واجتماعيّاً من بعض التطوّرات

GMT 13:06 2020 الجمعة ,01 أيار / مايو

أبرز الأحداث اليوميّة

GMT 16:31 2019 الأربعاء ,01 أيار / مايو

فرص جيدة واحتفالات تسيطر عليك خلال هذا الشهر

GMT 12:08 2020 الثلاثاء ,02 حزيران / يونيو

شؤونك المالية والمادية تسير بشكل حسن

GMT 12:37 2020 الإثنين ,29 حزيران / يونيو

ابرز الأحداث اليوميّة

GMT 15:17 2020 الجمعة ,10 إبريل / نيسان

يحمل هذا اليوم آفاقاً واسعة من الحب والأزدهار

GMT 16:49 2021 الإثنين ,15 شباط / فبراير

تضطر إلى اتخاذ قرارات حاسمة

GMT 11:57 2020 الثلاثاء ,02 حزيران / يونيو

لا تكن لجوجاً في بعض الأمور

GMT 14:59 2020 الجمعة ,10 إبريل / نيسان

عليك أن تتجنب الأنانية في التعامل مع الآخرين
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
Pearl Bldg.4th floor, 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh, Beirut- Lebanon.
lebanon, lebanon, lebanon