التضخم …آفة مهلكة

التضخم …آفة مهلكة

التضخم …آفة مهلكة

 لبنان اليوم -

التضخم …آفة مهلكة

بقلم: الدكتور هاني أبو الفتوح

من يشاهد مصائب غيره، تهون عليه مصائبه، هذا هو الحال عندما قرأت عناوين الأخبار عن الأحوال الاقتصادية فى عدة دول أبرزها فنزويلا التى تشهد تضخماً جامحاً بلغ معدله السنوى %82776، ويتضاعف كل 26 يوما، ومن المتوقع أن يصل معدل التضخم إلى أكثر من مليون% فى نهاية العام.

 حينئذ حمدت الله على الأوضاع الاقتصادية التى تمر بها مصر رغم معاناة المواطن نتيجة تنفيذ برنامج الإصلاح الاقتصادى منذ نوفمبر 2016، وأنى أعتقد اعتقادا قويا أن برنامج الإصلاح الاقتصادى أنقذ مصر من حالة كارثية على المدى الطويل، وفى هذا الصدد، أرى أن الجانب الأكثر كارثية هو التضخم الجامح الذى ربما انزلق إليه الاقتصاد إذا لم يتم تنفيذ الإصلاحات وتراكمت التداعيات السلبية عبر العقود القادمة.

 لذا دعونى ألقى المزيد من الضوء هنا فى هذا المقال حول هذه القضية، وسوف استخدم أمثلة عديدة للدول التى عانت من تداعيات التضخم الجامح، وعلى رأسها الأوضاع الاقتصادية البالغة السوء فى فينزويلا. 

فى البداية، اسمحوا لى أن أشرح الأساسيات، ما هو التضخم، وما هو التضخم الجامح، التضخم كما يفهمه العامة له مدلول واحد، وهو الارتفاع المستمر فى المستوى العام للأسعار، ومن ثم انخفاض كبير فى القدرة الشرائية للنقود، مما ينتج عنها آثار لها أبعاد اقتصادية واجتماعية تؤدى إلى اضطراب اقتصادى ومعاناة اجتماعية تطال الجميع، لاسيما الطبقة الوسطى وأصحاب الدخول الثابتة، ولكن ليس كل ارتفاع فى الأسعار هو تضخم، لأنه لابد أن يكون هذا الارتفاع مستمرًا لفترة طويلة، وأن يكون عامًا يشمل معظم السلع والخدمات، وغالبا ما يعكس مستوى التغير فى تكلفة عوامل الإنتاج.

 وللتضخم عدة أسباب أبرزها التضخم الناتج عن ارتفاع التكاليف، والتضخم الناتج عن تحرير الاقتصاد، كما هو الحال فى مصر، فقد شهدت مصر مرحلة الانتقال إلى اقتصاد حر ينتج عنه موجات تضخمية حيث يقتضى هذا الانتقال إلى تحرير الأسواق – بما فيها سوق الصرف الأجنبى – بعدما كانت الأسعار محددة وبعضها مدعم من الدولة مثل أسعار الكهرباء والغاز والمحروقات والمياه، وتتحمل الخزينة العامة عبئاً هذا الدعم مما يساهم فى تدهور عجز الموازنة العامة عبر السنوات.

 أما التضخم الجامح Hyper-inflation، الذى ضرب حديثا فينزويلا، هو أشد أنواع التضخم حيث يبلغ فيها معدل الزيادة فى أسعار السلع والخدمات أرقاما قياسية شهريا، وتصل الزيادات فى الأسعار إلى أرقام فلكية، بحيث تصبح النقود بلا قيمة تقريبا، وتصبح تكلفة الورق الذى تطبع عليه النقود أكبر بكثير من القيمة الاسمية المكتوبة على الورقة النقدية، وبسبب تراجع القوة الشرائية للنقود على هذا النحو الخطير تلجأ الحكومات إلى تعديل فئات النقود المصدرة من خلال إضافة أصفار إضافية على كل ورقة نقد جديدة يتم طباعتها، فبدلاً من أن تحمل الورقة قيمة جنيه مثلا، تصبح 10000 جنيه، ثم 100000 جنيه، ثم مليون جنيه للورقة الواحدة، وهكذا، حينئذ يعانى المواطنون بصورة شديدة جدا حيث يجدون دخولهم وثرواتهم تتدهور بشدة فى ظل الارتفاع الفلكى للأسعار، ونتيجة ذلك تتدهور مستويات المعيشة بصورة مأساوية كما حدث مؤخراً فى فينزويلا.
فينزويلا هى واحدة من أكبر المصدرين فى العالم فى مجال البترول وتملك أكبر احتياطيات بترولية. كما تمتلك ثروات طبيعية من الغاز الطبيعى وخام الحديد والذهب والماس، ولا تزال فينزويلا تعتمد بشكل كبير على عائدات البترول، والتى تمثل تقريبا كل عائدات التصدير ونحو نصف موارد الحكومة.
 
وفقا لصندوق النقد الدولى فإن التضخم فى فينزويلا بلغ معدله السنوى %82776، وسيصل إلى أكثر من مليون% بحلول نهاية عام 2018، وبمتوسط معدل شهرى يبلغ 5، وفى هذه الحالة سوف تفقد العملة الفينزويلية (البوليفار) قيمتها، وتنفلت الأسعار، ويلجأ المواطنون إلى تخزين السلع خوفا من المستقبل، بل ويصبح مقايضة السلع أمرا مقبولا بدلا من استخدام النقود.
 
وعلى مدار التاريخ عانت عدة دول من أزمات اقتصادية كبرى بسبب التضخم الجامح، على سبيل المثال، بلغ معدل التضخم الشهرى فى شيلى فى أبريل 1974 حوالى 745% شهريا، وبلغ معدل التضخم السنوى فى الأرجنتين 000 فى عام 1989، كما بلغ معدل التضخم السنوى عام 1978 فى نيكاراجوا %30000، أما يوغوسلافيا فقد بلغ معدل التضخم الشهرى 313.000.000% أى بمعدل تضخم يومى %64.6.
 
بعد سرد الأمثلة الكارثية المرعبة عن التضخم الجامح، يجدر الإشارة مرة أخرى إلى برنامج الإصلاح الاقتصادى الذى تنفذه الحكومة المصرية بالتعاون مع صندوق النقد الدولي، من أبرز مقومات البرنامج الإصلاحات فى السياسة النقدية والصرف التى ينتهجها البنك المركزى حيث تستهدف رفع كفاءة أداء سوق النقد الأجنبي، وزيادة الاحتياطيات الأجنبية، وخفض التضخم إلى خانة الآحاد أثناء فترة البرنامج. مما يتيح الانتقال إلى نظام مرن لسعر الصرف، تعزيز القدرة التنافسية، ودعم الصادرات والسياحة، وجذب الاستثمار الأجنبى المباشر، ومن شأن ذلك أن يدعم النمو وفرص العمل ويخفض احتياجات التمويل.
 
إذاً شكرا لبرنامج الإصلاح الاقتصادي، وشكرًا للمواطن المصرى الذى يتحمل عبئ سداد فاتورة الإصلاح الاقتصادى بصبر شديد رغم قسوة تكاليف الحياة والظروف المعيشية الصعبة، بالتأكيد هناك ضوء فى نهاية النفق المظلم ربما لا يراه الكثيرون منا، وفى النهاية، أنا واثق ومليء بالأمل فى أن المستقبل سيكون أفضل من اليوم.

 

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

التضخم …آفة مهلكة التضخم …آفة مهلكة



GMT 22:12 2018 السبت ,07 تموز / يوليو

الزيادة السكانية قنبلة موقوتة

GMT 06:51 2017 الجمعة ,13 تشرين الأول / أكتوبر

من يطفئ لهيب الأسعار؟

GMT 08:23 2017 الأربعاء ,06 أيلول / سبتمبر

هل تستفيد مصر من قمة "البريكس"؟

GMT 11:14 2017 الثلاثاء ,04 تموز / يوليو

الضريبة التصاعدية بين العدالة والجباية

نانسي عجرم تتألق بالأسود في احتفالية "Tiffany & Co"

القاهرة - لبنان اليوم

GMT 14:00 2022 الأربعاء ,06 تموز / يوليو

نصائح "فونغ شوي" لسكينة غرفة النوم

GMT 21:05 2021 الأحد ,10 كانون الثاني / يناير

تطرأ مسؤوليات ملحّة ومهمّة تسلّط الأضواء على مهارتك

GMT 09:49 2022 الجمعة ,11 آذار/ مارس

عطور تُناسب عروس موسم ربيع وصيف 2022

GMT 06:54 2023 الإثنين ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

قواعد وإتيكيت الحديث واتباع الطرق الأكثر أناقاً

GMT 19:56 2021 الإثنين ,25 كانون الثاني / يناير

الأحزمة الرفيعة إكسسوار بسيط بمفعول كبير لأطلالة مميزة

GMT 19:13 2023 الإثنين ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

وفاة الممثل البريطاني جوس آكلاند عن عمر يناهز 95 عامًا

GMT 12:47 2020 الأربعاء ,16 كانون الأول / ديسمبر

موديلات بروشات للعروس مرصعة بالألماس

GMT 15:13 2022 السبت ,07 أيار / مايو

اتيكيت تقديم الطعام في المطاعم

GMT 18:30 2021 الثلاثاء ,19 تشرين الأول / أكتوبر

مالك مكتبي يعود بموسم جديد من "أحمر بالخط العريض"

GMT 05:03 2022 الأربعاء ,06 تموز / يوليو

أفكار بسيطة في الديكور لجلسات خارجية جذّابة

GMT 11:52 2024 الأربعاء ,10 كانون الثاني / يناير

لعنة الأبطال تطارد ريال مدريد وبرشلونة في كأس السوبر

GMT 09:36 2023 الإثنين ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

الصحافيون السودانيون يدفعون ثمناً باهظاً لكشف الحقيقة

GMT 07:15 2023 الثلاثاء ,13 حزيران / يونيو

تخفيف الإجراءات الامنية في وسط بيروت

GMT 07:38 2023 الثلاثاء ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

أفضل 10 عطور رقيقة للعروس
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
lebanon, lebanon, lebanon