دكتور سعد ياسين يوسف في قصيدة شجرة العروج منولوج التماهي القصديّ

دكتور سعد ياسين يوسف في قصيدة "شجرة العروج" منولوج التماهي القصديّ

دكتور سعد ياسين يوسف في قصيدة "شجرة العروج" منولوج التماهي القصديّ

 لبنان اليوم -

دكتور سعد ياسين يوسف في قصيدة شجرة العروج منولوج التماهي القصديّ

بقلم - حامد عبدالحسين حميدي

عنونة القصيدة "شجرة العروج" لها دلالة إثرائية، إيحائية في طرح تجليات باطنية، عمقها يستمد من الشعور الحسيّ للماورائيات، في تحفيز نظرة متماوجة في قرارة النفس، إذًا، في العنونة ما ينمّ عن شيئية " المادي المحسوس والملموس " بين الشجرة التي تحيلنا إلى تكوينها التجسيدي، وبين العروج. المكوّر بشفافية الروح الضاجّة، المتسامية في حاضنات تعدّ أطياف إنسان يحاول الرقي بالمكنون المادي إلى التأصل وفرض هيمنة الابتهال الصوفي الشفاف والتأمل إلى عالم الكون، وكيفية دورانه بعد أن تكالبت عليه الرزايا، وهي تدسّ أنفها في اختناقات معترك الحياة لتترك اثرها المؤلم فينا.

"شجرة العروج" قصيدة للشاعر الدكتور سعد ياسين يوسف، صوّرت لنا فاجعة "الكرادة" بكل دقّة، وكأنه يجعل من ذلك المشهد الحزين اعترافات ليوميات ساخنة، مملوءة بالحزن والشجن، لا راحة فيها، بل كل ما فيها وجع، لمخلفات حروب ودمار وخراب، إنها رؤية فيها انعكاسات " باطنية وظاهرية " وكلاهما يصبّان في غصّة تكبر يوميًا دون الشعور بها، إنها رحلة مائزة مع الشهداء، وهم يشدون أعنة رحالهم ويحملون أمتعتهم إلى الخالق الله تعالى، انها نظرة مسروقة من عمق الفيض الروحي في عالم الملكوت، أنها أشبه بتسجيلية بسيطة ليوميات ما ننتظره جميعنا بعد فناء البشرية، لكنها روح إنسان شاعر، غاص في أعماق الذات المتخمة بغلوائها الثائرة.

عفوكَ ربي
قامتْ قيامتُهم
سيأتونكَ عندَ سدرةِ المنتهى
ولكنْ كما رَسَمَتْهُم النيرانُ
لا كما خلقتَهُم في أحسنِ تقويمٍ

نظرة تأملية وإحساس بالفاجعة، بما شكّلته من ضغط نفسي فاعل، جعلت الشاعر دكتور سعد ياسين يوسف، يلتقط انفاسه بهدوء وسكينة، يوشّح نظرته الابتهالية المترامية إلى السماء بتركيب " عفوك ربي " استعدادًا منه لطرح ما آلمه، فالنداء، صيغة ممهدة لحمولات ضاغطة، ثم يصف قوّة الحدث " قامت قيامتهم " وهي استحضار مسبق وفق فيه الشاعر، في تأسيس المنولوج والتماهي الحكائي، أنه التماهي القصدي، بإستراتيجية البوح، البوح بالآم الذوات والأصوات التي تغذّي حركية الحدث، وهي تنطق بأورامها دون ذنب أو مسوغ، لذا نجد الشاعر صوّر فاجعة " الكرادة " ضمن شخوصها التكوينية، بصور متعددة "حاملينَ هداياهم. أطفالًا بلا عيون، فتياتٍ بقلوبٍ متفحمةٍ، شبابًا متفحمين، سيأتونَكَ آباءً وأمهاتٍ " تمهيدًا منه للولوج في انشغالات تعبوية، توصلنا إلى نقطة الحدث، ومحاولة تحريك الاقطاب ضمن تدرّجات تفاعلية متناسقة.

حاملينَ هداياهم.
أطفالًا بلا عيون ٍ
تُشْرقُ شمسُ الكركرات ِ
من محاجرِهم
يحملونَ ملابسَ بيضاءَ
بلونِ الفرح ِالقتيلِ
لمْ تُلبس بعدُ، ودمى مبتسمةً
بعضُهم مازالوا متعانقينَ
فلا تؤاخذْهم.
لم يبلغوا سِنَّ الحلُمِ بعدُ
وكانَ عصيًا على المنقذينَ فكُ عناقِهمُ،

هكذا، حاول أن يصوّر الشاعر الطفولة التي وئدت ببشاعة ومأساوية وظلامية، الطفولة التي صورّها الشاعر اخذت حيزًا كبيرًا لديه، كونها نواة مؤثرة حافزة في جذب التداخلات، وتحريك السكونية بمجرد المساس بها، الطفولة في الفاجعة تحوّلت إلى تراكمات تصورية متضخمة إنسانيًا : أطفال يمسكون بهدايا العيد المسروق منهم، انهم بلا عيون، وأية عيون هذه، العيون الملطخة بضحكات وفرح مسلوب من الظلام، طفولة تعتزّ بحمل ملابسها البيضاء، دلالة، النقاء والصفاء الرّوحي الذي اعتمده الشاعر، الطفولة التي تعانق الدمى وتبادلها شعويًا. وذا، تأكيد على صغر السنّ، أنه عناق طفولي متجذّر، متلاصق. يتأرجح بدوامة الحياة الضارسة التي طحنت كل شيء.

فتياتٍ بقلوبٍ متفحمةٍ وأغانٍ محترقة ٍ
يحملنَ صورَ من أحببنَ
وآخرَ رسالةِ حب ٍ سمِعْنَها
أربطةَ عنقٍ جديدة ٍأشترينَها
قبلَ لحظاتٍ

غفرانَك أن جئنَ بلا شالاتٍ.
بضفائرَ أكلتها النيرانُ

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

دكتور سعد ياسين يوسف في قصيدة شجرة العروج منولوج التماهي القصديّ دكتور سعد ياسين يوسف في قصيدة شجرة العروج منولوج التماهي القصديّ



GMT 20:31 2016 الإثنين ,17 تشرين الأول / أكتوبر

حينما تجلّت بين يديه: اقترابات التجاذب النّسقي بين الحواس

GMT 21:41 2016 الخميس ,13 تشرين الأول / أكتوبر

رواية "بعد رحيل الصمت" تقنية ثقافة الحظر

GMT 12:28 2016 الثلاثاء ,04 تشرين الأول / أكتوبر

رواية : بعد رحيل الصمت ... تقنية ثقافة الحظر

الرقة والأناقة ترافق العروس آروى جودة في يومها الكبير

القاهرة ـ لبنان اليوم

GMT 12:25 2020 الثلاثاء ,04 شباط / فبراير

أخطاؤك واضحة جدّاً وقد تلفت أنظار المسؤولين

GMT 13:01 2020 الإثنين ,29 حزيران / يونيو

يبدأ الشهر مع تلقيك خبراً جيداً يفرحك كثيراً

GMT 06:15 2023 الثلاثاء ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

توقعات الأبراج اليوم الثلاثاء 21 نوفمبر/تشرين الثاني 2023

GMT 22:22 2016 الأربعاء ,10 شباط / فبراير

عطر Bamboo من Gucci الرقّة والقوّة في مزيج واحد
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
Pearl Bldg.4th floor, 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh, Beirut- Lebanon.
lebanon, lebanon, lebanon