"الولايات المتحدة والسعودية تقتربان من توقيعِ اتفاقية أولية للتعاون في مجالات الطاقة والتكنولوجيا النووية المدنية". موقفٌ أعلنه وزير الطاقة الأمريكي كريس رايت من الرياض التي يجري لها زيارة رسمية ضمن جولة في المنطقة، قادته إلى الإمارات، وتشمل أيضاً قطر وبلداناً أخرى.
وقال رايت: "نواصل الحوار حول أفضل السبل للتعاون بين الولايات المتحدة والسعودية لبناء صناعة طاقة نووية تجارية في المملكة".
لَمْ تُخفِ السعودية يوماً رغبتها في تطوير خبرات نووية مدنية، وهي لطالما أعلنت أنها تسعى إلى تنويع مصادر الطاقة ضمن "رؤية 2030 " لتقليل الانبعاثات، من خلال تطوير مصادر طاقة متجددة ونظيفة من بينها الطاقةُ النووية.
وفي هذا الإطار يقول عضو لجنة الاقتصاد والطاقة سابقاً في مجلس الشورى السعودي د. فهد بن جمعة إن المملكة ومنذ عام 2010 أنشأت مشروعاً متكاملاً ومركز بحوث للطاقة في مدينة الملك عبد الله للطاقة الذرية والمتجددة، والاتفاق الذي أشار إليه وزير الطاقة الأمريكي له علاقة بالمستقبل الاقتصادي و"رؤية 2030" في إطار تطوير المملكة للطاقة النووية، بحسب بن جمعة.
ويضيف في حديث أن المملكة حققت تقدماً كبيراً في هذا المجال وهي في مراحل متقدمة من التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وتحديداً في ما خص الالتزام بجميع الأنظمة والتشريعات المتعلقة بالتسرب الإشعاعي وسلامة المعامل والمفاعلات النووية.
بحسب وزير الطاقة الأمريكي، فإن "اتفاقية 123" ضرورية للتوقيع مع المملكة العربية السعودية على اتفاقية مماثلة.
تشير "اتفاقية 123" إلى المادة 123 من قانون الطاقة الذرية الأمريكي لعام 1954، وهي ضرورية للسماح للحكومة والشركات الأمريكية بالتفاوض والعمل مع كيانات أجنبية لتطوير قطاع للطاقة النووية لغير الاستعمالات العسكرية، ولكن مع ضمانات منع الانتشار النووي وضمان الاستخدام السلمي للطاقة النووية.
يحدد القانون تسعة معايير لمنع الانتشار النووي يجب أن تتضمنها كل الاتفاقيات، تشمل الالتزامات القانونية لشركاء الولايات المتحدة بالحفاظ على معايير صارمة في ما يتعلق بضمانات الوكالة الدولية للطاقة الذرية، بالإضافة إلى الأمن المادي للمواد النووية المنقولة، واحتفاظ الولايات المتحدة بحقوق الموافقة على إعادة نقل أو تخصيب وإعادة معالجة المواد التي التزمت بها والمُورَّدة إلى شريك آخر، ومنع استخدام التكنولوجيا لتطوير أسلحة نووية أو نقل مواد خطيرة إلى جهات أخرى.
تشير الجمعية المعنية بمراقبة التسلح Arms Control Association إلى أن الولايات المتحدة تجري منذ عام 2012 محادثات مع المملكة العربية السعودية بشأن إمكانية التوصل إلى "اتفاقية 123" للتعاون النووي، وتقول إن التقارير تشير إلى رفض المملكة الترتيبات التي تلزمها بالتخلي عن القدرة على إنتاج الوقود النووي.
بحسب الخبيرة في الشؤون النووية في منطقة الخليج نور عيد، فإن الأمر الذي سيحدد ما إذا كانت السعودية ستتمكن من التوقيع على "اتفاقية 123" أم لا - هو ما إذا كانت الولايات المتحدة ستتوقع من السعوديين التخلي عن تخصيب اليورانيوم وإعادة معالجته، وهو حق لهم بموجب معاهدة حظر الانتشار النووي، تقول عيد، ولكنه في الوقت نفسه الطريق للحصول على قنبلة نووية.
وتضيف عيد في حديث لبي بي سي أن دولة الإمارات على سبيل المثال كانت أول دولة تقرر طواعية التخلي عن مثل هذه القدرات، وتقول إنها لا تملك "المعرفة التقنية" بل تمتلك التكنولوجيا التي تتعامل معها من خلال شركة كورية جنوبية، ولكنّ السعوديين حافظوا على حجتهم بشأن المعايير المزدوجة بعدما حصلت دول مثل الفلبين على "اتفاقية 123" أكثر مرونة، بحسب عيد.
لذا تقول الخبيرة في الشؤون النووية في منطقة الخليج إنها لن تتفاجأ إذا وافق الرئيس دونالد ترامب على اتفاقية مرنة مع السعودية، تتعلم بموجبها كيفية تخصيب اليورانيوم الذي يتم استخراج كميات منه بمساعدة من الصين.
الحديث عن اتفاق نووي ولو مدني سلمي، يأتي في خضم محادثات بين واشنطن وطهران حول البرنامج النووي الإيراني وما إذا كانت الولايات المتحدة الأمريكية قادرة على كبح جماح إيران وطموحها النووي، ما يفتح الباب على مصراعيه حول سباق التسلح النووي في المنطقة.
وفي السابق، أعلن ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، أنه في حال طورت إيران سلاحاً نووياً، فإن بلاده ستحذو حذوها.
كذلك سُجّل موقف لافت لوزير الطاقة السعودي الأمير عبد العزيز بن سلمان بداية العام الحالي، قال فيه إن المملكة ستقوم بتخصيب اليورانيوم وبيعه وإنتاج ما يعرف باسم "الكعكة الصفراء".
سبق أن وقعت المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأمريكية اتفاقية لتطوير برنامج نووي مدني عام 2008 وذلك كجزء من البرنامج المعروف باسم "الذرّة من أجل السلام"، لكنها كانت بمثابة مذكرة تفاهم وليست اتفاقية ملزمة.
وفي عام 2018 دشن ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان أول مفاعل نووي بحثي منخفض الطاقة في المملكة، وذلك ضمن خطط المملكة في تطوير صناعة المفاعلات النووية.
منافع اقتصادية
يعتبر بن جمعة أن ليس للعمل الأمريكي - السعودي المشترك أي علاقة بوضع إيران أو بأي أهداف سياسية أخرى، بل هو مشروع مستقل هدفه الأساسي الاقتصاد والطاقة.
ويضيف أن المشروع في حال تم الاتفاق عليه، سيزيد من إنتاج الطاقة النووية وهي طاقة نظيفة ذات انبعاثات معدومة أو محدودة جداً، وبالتالي سيتم استخدامها في أكثر من مجال كإنتاج الكهرباء وتحلية المياه، فضلاً عن مساهمتها في أعمال تجارية مثل تصدير الكهرباء إلى دول أخرى في منطقة الخليج وحتى خارجها، وكل ذلك في إطار خدمة التنمية الاقتصادية المستدامة.
الخبيرة في الشؤون النووية في منطقة الخليج نور عيد اعتبرت أن أحد الأسباب الرئيسية التي يمكن أن تدفع إدارة ترامب للتوقيع، هو أن الصناعة النووية الأمريكية في مأزق، وأعطت مثالاً على ذلك قائلة إن الأمريكيين لم يبيعوا أيّاً من قدراتهم النووية لأي دولة في الشرق الأوسط في السنوات الماضية، سواء كانت مصر أو تركيا، إذ تعتمد هاتان الدولتان على التقنيات الروسية - فيما اختارت الإمارات كوريا الجنوبية، لذا، برأي عيد، يرغب الرئيس الأمريكي أن يعيد الصناعة النووية الأمريكية إلى الصدارة، "وأي دولة أفضل من السعودية للقيام بذلك خصوصاً وأن الأمريكيين لديهم تكنولوجيا باهظة الثمن، ليس بمقدور كل الدول تحمُّلها".
تقول عيد إن احتياطيات اليورانيوم التي تملكها السعودية ليست كافية للتصدير الخارجي، لكنها كافية لدعم برنامجها النووي محلياً، لذا فان امتلاك احتياطيات اليورانيوم والقدرة على تخصيبه والتعامل مع النفايات النووية - كل ذلك سيسمح للسعوديين بالاعتماد بشكل أقل على الشركاء الخارجيين، والعمل على تطوير القدرات المحلية سواء في القطاع النووي أو غيرها من الصناعات، كما سيتيح لهم استخدام احتياطي النفط للتصدير، الأمر الذي من شأنه أن يوفر المزيد من العائدات المالية للسعودية، وبالتالي سيسمح برنامج الطاقة المستقبلي بتنويع مصادر الطاقة ضمن رؤية 2030.
لكنّ الأمر يعتمد على ما إذا كان الرئيس ترامب سيسمح للسعوديين بتخصيب اليورانيوم والتحكم بدورة الوقود النووي بأكملها، تقول عيد، "لذا هناك مسار طويل في انتظار السعودية".
بحسب عضو لجنة الاقتصاد والطاقة سابقاً في مجلس الشورى السعودي د. فهد بن جمعة، فإن التصريحات الأمريكية مؤشر على قوة العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية بين الرياض وواشنطن، وتدل على الثقة المتبادلة والمصالح المشتركة، حيث إن ذلك المشروع سيخدم مصالح البلدين.
سبق وأن انخرطت السعودية والولايات المتحدة في مفاوضات طويلة بشأن تلبية عدد من مطالب المملكة مقابل الموافقة على تطبيع محتمل للعلاقات مع إسرائيل، من بينها أن تبرم الرياض وواشنطن اتفاقية أمنية وكذلك اتفاق للتعاون في المجال النووي للأغراض السلمية، بجانب الالتزام الأمريكي بإيجاد مسار يفضي إلى إقامة دولة فلسطينية.
موقف جاهرت به المملكة في أكثر من مناسبة، وسبق أن أبلغته للإدارة الأمريكية، وهو أنه لن يكون هناك علاقات دبلوماسية مع إسرائيل ما لم يتم الاعتراف بالدولة الفلسطينية المستقلة على حدود عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.
أرسل تعليقك